يريفان سعيد
وسط هذه المناقشات، تبرز وسيلة واعدة ينبغي على الطرفين النظر فيها لحماية المصالح المالية لشركات النفط في إقليم كردستان، ومنع إلحاق المزيد من الضرر في حقول النفط الكردية، وتمكين العراق من إطلاق ما يقارب نصف مليون برميل من النفط في السوق. تنطوي هذه الفرصة على مد غصن زيتون، على غرار شركة “نفط الهلال”، من بغداد إلى شركات النفط الأجنبية الأخرى العاملة في إقليم كردستان والتي قد تُعرض عليها فرص استثمارية في مختلف أنحاء العراق. فهذه الاستراتيجية لا يمكنها تعزيز التعاون فحسب، بل أيضًا تعزيز قوة بغداد التفاوضية في المساعي الرامية إلى إعادة تفعيل خط الأنابيب العراقي التركي، المتوقف عن العمل منذ ثمانية أشهر. وقد ألمح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى أن بغداد تسير في هذا الاتجاه، من دون أن يوضح آليات إعادة هيكلة عقود شركات النفط الدولية أدى غياب التنوع في طرق تصدير شحنات نفط بغداد إلى إعاقة موقفها التفاوضي مع تركيا بشدة. ونتيجة لذلك، بدأت الحكومة العراقية ببذل جهود لإعادة تفعيل خطوط الأنابيب المتوقفة، مثل خط الأنابيب العراقي السعودي الممتد إلى البحر الأحمر، وإطلاق مشاريع جديدة مثل خط أنابيب البصرة-العقبة. وتشير التقارير الأخيرة إلى أن بغداد تسعى أيضًا، بدعم من طهران وموسكو، إلى إعادة تشغيل خط أنابيب نفط كركوك-بانياس الممتد على مسافة 891 كيلومترًا والمتوقف عن العمل منذ عام 1982 وذلك إلى حد كبير بنتيجة دعم سوريا لإيران خلال الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات.
لكن سلسلة من التحديات الكبيرة تعترض إعادة بناء خط الأنابيب هذا، القادر على نقل ما يصل إلى 300 ألف برميل من النفط يوميًا إلى البحر الأبيض المتوسط. أولًا، أدت عقوبات قيصر الأمريكية المفروضة على سوريا إلى تقييد انخراط العراق في المسائل المتعلقة بالنفط. ثانيًا، قد تصل النفقات المالية المرتبطة بإصلاح خط الأنابيب إلى مليارات الدولارات. ثالثًا، يمر خط الأنابيب عبر مناطق صحراوية واسعة قد تصبح عرضة للتخريب من قبل الجماعات المسلحة المعادية لدمشق.
لكن إعادة التأهيل الناجحة لخط الأنابيب هذا من شأنها أن تقلل بشكل كبير من نفوذ تركيا في المفاوضات مع بغداد. وبالتالي، قد تقوم المصلحة الفضلى للحكومة التركية على تسريع المفاوضات بشأن استئناف صادرات النفط من إقليم كردستان وكركوك. فمن شأن التوصل إلى اتفاق في الوقت المناسب اليوم أن يكون أكثر فائدة بكثير لأنقرة من أي اتفاق يتم التفاوض عليه في المستقبل، لا سيما إذا نوّع العراق طرق تصدير النفط التي يعتمدها بحلول ذلك الوقت.
وإذا اختار العراق تعزيز علاقاته مع شركات النفط في إقليم كردستان، فسيوجه في الواقع رسالة أكثر شمولية وإيجابية إلى مجتمع الأعمال العالمي، مفادها أن العراق ملتزم بالانفتاح والترحيب بالاستثمارات الأجنبية. ونظرًا لاعتماد العراق الكبير على صادرات النفط والهيمنة الساحقة للقطاع العام على اقتصاده، تبرز ضرورة ملحة لتنويع القاعدة الاقتصادية للبلاد وتقليل اعتمادها على الإيرادات المتأتية من النفط.
يواجه العراق أيضًا تحديًا هائلًا يتمثل بتوفير فرص عمل لسكانه الذين يتزايد عددهم. في ظل هذه الظروف، تُعتبر الحكومة مهيأة للاستفادة من الخبرات والموارد ورأس المال الذي يوفره الاستثمار الأجنبي، ما يسهل بالتالي توفير فرص العمل وتخفيف المخاوف المرتبطة بالبطالة في نهاية المطاف مع تعزيز الاستقرار الاقتصادي في الوقت عينه.
بالتالي، فإن تعميم النموذج الناجح الذي نفذته شركة “نفط الهلال” ليشمل مشغلي النفط الآخرين في كردستان يتيح إمكانية إنشاء إطار شامل لحل النزاعات، ما يسهل جهود أربيل وبغداد الرامية إلى معالجة واحد من النزاعات الدائمة بينهما. ويمهد هذا القرار أيضًا الطريق أمام سن قانون النفط والغاز في البلاد، وهو خطوة محورية من شأنها أن تحدد بشكل نهائي صلاحيات الحكومة الاتحادية والحكومة الإقليمية في ما يتعلق بالموارد الطبيعية. وإذا نجح ذلك، يمكن للعراق تجاوز إحدى القضايا الخلافية التي أعاقت تقدمه لعقود من الزمن.
- عن معهد واشنطن *