اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 14- 11- 2023
هذا ما كتبه الاستاذ الدكتور خالد حبيب عن البارزاني الخالد في مبحثه المعنون ( لمحات من نضال حركة التحرر الوطني للشعب الكوردي في كوردستان العراق)، الذي صدر بطبعته الثانية ضمن السلسلة الثقافية لدار ئاراس للطباعة والنشر- اربيل عاصمة إقليم كوردستان في العام 2005، وقد ناهز الكتاب الـ ( 600) صفحة تناول فيها جوانب كثيرة من تاريخ ومسيرة حركة التحرر الكوردستانية في العراق، ومنها ما ذكره عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني- العراق، نورد جزءاً منها:
– ” ب- الحزب الديمقراطي الكوردستاني- العراق: في ١٦ أيلول/ سبتمبر من عام ١٩٤٣ تأسست منظمة كوردية بإسم ژياني كورد ( ژ، ك)، أي انبعاث الكورد أو الإحياء الكوردي في كوردستان إيران وبمساهمة بعض الكورد من كوردستان العراق، وبعد عام واحد على تأسيسها واتساع نشاطها وتنامي قاعدتها الحزبية والمؤيدين لها تم انتخاب القاضي محمد، الذي أصبح لاحقاً رئيس جمهورية مهاباد الكوردية التي تأسست في كوردستان إيران في ٢٣ كانون الثاني / يناير ١٩٤٦، والذي أعدم من قبل السلطات الإيرانية بعد سقوط الجمهورية الفتية بعد مرور أقل من عام واحد على تأسيسها ([1])، أي في عام ۱۹٤٦([2]). وفي عام ١٩٤٥ تحوّل أسم هذه المنظمة السياسية إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة القاضي محمد. في عام ١٩٤٦ شكّل السيد إبراهيم أحمد فرعاً للحزب الديمقراطي الكوردستاني في السليمانية وكان حذراً في علاقاته بهدف عدم جلب انتباه الحكومة العراقية إلى العلاقة القائمة بين حزبه والحزب الديمقراطي الكوردستاني في إيران، الذي تأسس ليكون حزباً قومياً على مستوى کوردستان. وعلى صعيد كوردستان العراق تأسس في السادس عشر من إب / أغسطس عام ١٩٤٦ الحزب الديمقراطي الكوردي برئاسة الزعيم الكوردي البارز والمتميز الملا مصطفى البارزاني، مستفيداً من تجارب نضال الشعب الكوردي في كوردستان العراق التي كان آخرها قيادته للانتفاضة المسلحة بين عامي ١٩٤٣- ١٩٤٥، ومن دَور عائلته فى هذا النضال الطويل، إضافة إلى تجربته الشخصية في قيادة القوات المسلحة لجمهورية مهاباد في كوردستان إيران. تشكّل الحزب الجديد في العراق قبل سقوط جمهورية مهاباد من ثلاثة تيارات فكرية وسياسية كانت فاعلة في الحركة السياسية والتحررية الكوردية في كوردستان العراق وهي:
1- التيار الماركسي المتمثل بالعناصر والمنظمات الحزبية التي قررت الالتحاق بهذا الحزب بعد حل الحزب الشيوعي الكوردستاني ( شورش)، ومنهم نافع يونس ومعظم ممثلي منظمات أربيل وشقلاوة وراوندوز، في حين التحقت مجموعة من أبرز قياديي منظمة شورش بالحزب الشيوعي العراقي، وفي مقدمتهم صالح الحيدري وحميد عثمان وجمال الحيدري وغيرهم ([3]).
2- التيار الديمقراطي المتمثّل بالمجموعة التي ارتبطت بالتجمع الجبهوي رزكاري كورد الذي حلّ نفسه في أعقاب حلّ شورش عام ١٩٤٦ والتحقت الغالبية العظمى من أعضائه وكوادره بالحزب الديمقراطي الكوردي.
3- التيار العشائري التقليدي الذي قاد نضالات الشعب الكوردي خلال الفترة الواقعة بين نهاية الحرب العالمية الأولى والمتمثل بالعائلة البارزانية وعلى رأسها الشيخ عبد السلام والشيخ أحمد البارزاني والملا مصطفى البارزاني وعائلة الجاف بفرعها الذي كان على رأسه الشيخ محمود البرزنجي وولده الشيخ لطيف البرزنجى. واستفاد الحزب الجديد من النواة السابقة التي سميت بجمعية ( ژ. ك) ( ژيانى كورد) التي تشكلت في إيران وكانت مجموعة مهمة من الكوادر الكوردية العراقية المثقفة أعضاءً فيها.
ومن الجدير بالإشارة إلى ان هذه التيارات كانت متشابكة ويصعب إيجاد خطوط فاصلة بين التيارين الأول والثاني، وأحياناً بين التيار الثاني والثالث. رافقت هذا التيارات الحزب الديمقراطي الكوردي وفيما بعد الكوردستاني على امتداد الفترة التي سبقت ثورة تموز مع تباين في القوة والتأثير بين جناح اليسار واليسار الوسط في الحزب وجناحي وسط اليمين واليمين، إذ كانت تلك التيارات موزعة على هذه الأجنحة بشكل متداخل، إذ لم يكن التيار اليميني مقتصراً على التيار العشائري أو شاملاً له، بل ضم إليه أعضاء من التيار الثانى أيضاً أو وجدوا في التيار اليساري. كما برزت هذه التيارات في الفترة التي أعقبت ثورة تموز عام 1958. ولا بد من الإشارة إلى أن هذه التوزيعات كانت نسبية في تلك الفترة من نضال الشعب الكوردي والتشابك في ما بين الفئات الاجتماعية المختلفة ،ومصالحها، كما أن الملا مصطفى البارزاني ذاته لم يكن يمينياً، بل كان مناضلاً محافظاً بشكل عام وحريصاً على قيادة نضال شعبه الكوردي بالطريق الذي كان يراه مناسباً، بغض النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف معه في هذا الصدد. كان الملا مصطفى البارزاني قد حدّد مسبقاً شروطاً معينة لتشكيل هذا الحزب بعد أن كان قد شكّل هيئة تحضيرية لتأسيسه من مجموعة عراقية مُشاركة معه في النضال في جمهورية مهاباد ومساندة لدَوره ومعرفة بمكانته وتأثيره في العراق. جاء في كتاب السيد مسعود البارزاني بصدد هذه الشروط ما يلي:
“1- اختيار الشيخ لطيف الشيخ محمود، نائباً للرئيس.
2- أن يكون كاكه محمد زياد، نائباً ثانياً.
3- أن لا يجري تغيير أساسي لفترة من الزمن على الميثاق والمنهاج والنظام الداخلي.
4- لتفويت الفرصة على الاستعمار يجب عدم التركيز على مهاجمة المصالح البريطانية مؤقتاً إلى أن تترسخ أسس البارتي للحيلولة دون تعرضه لحملات القمع والملاحقة”. ([4])
ويبدو للمتتبع أن الملا مصطفى البارزاني استهدف من شروطه تلك تحقيق ما يلي:
1- ضمان وجود قيادة كوردية تُعبّر عن تحالف العشائر الرئيسة التي لعبت دوراً ثورياً في تاريخ حركة الشعب الكوردي المناضلة في سبيل نيل الاستقلال والوحدة. إضافة إلى رغبته في إبعاد هذا النضال عن المشاحنات بين العشائر بشأن قيادة هذا النضال.
2- قبول شيوخ العشائر الأخرى بهذه القيادة، خاصة وان المجتمع الكوردي كان ما يزال في غالبيته من الفلاحين الذين يتبعون عشائر كثيرة.
3- ضمان عدم جر المثقفين للحزب باتجاهات لا يريدها ولا يجد مبرراً لها.
4- وضع المثقفين الذين يشكّلون القسم الرئيس في قيادة الحزب القادمة في اللجنة المركزية والمكتب السياسي، على أن تخضع قرارات هذه الهيئات لمصادقة هيئة رئاسة الحزب، إذ كان يرى بأن قيادة الحزب تتكون من تيارات مختلفة يمكن أن تقود إلى نتائج سلبية كما حصل في موقف قيادة حزب هيوا ورئيسه من انتفاضة عام ١٩٤٣- ١٩٤٥.
ومع فهم خلفية هذه الاعتبارات فأن فرض قيادة معينة على الحزب تبعد الحزب، وهو في بداية تكوينه عن الجو الديمقراطي المطلوب. وهو ما كان سائداً في العراق عموماً خلال تلك الفترة وفي جميع الأحزاب السياسية العلنية منها والسرية. فما هي المهمات التي أقرت في هذا المؤتمر باعتبارها منهاجاً لنضال الحزب في الفترة القادمة؟. يمكن تكثيف المهمات الأساسية التي تضمنها منهاج الحزب على النحو الآتي: ([5])
* إقامة عراق متحرر ومستقل متحرر من نير الاستعمار والتبعية السياسية والاقتصادية.
* وضع السلطة بيد ممثلي الشعب الحقيقيين.
* إقامة نظام اتحادي في العراق يستند إلى اتحاد العرب والكورد ويمارس المساواة في
الحـقـوق والواجبات.
* الاستجابة الفعلية للحقوق القومية للشعب الكوردي في إطار عراق متحرر ومستقل ويستند
إلى الوحدة الوطنية الحرّة بعيداً عن الدمج القسري الذي فرضته الإدارة الاستعمارية
البريطانية.
* مُقارعة الاستعمار والرجعية ورفض دعوات الانفصال عن العراق.
* الدعوة إلى توحيد أجزاء كوردستان بما لا يتعارض مع وحدة العراق الوطنية والجغرافية.
لا شك في أن برنامج الحزب ونضاله الفعلي خلال تلك الفترة يؤكد أربع حقائق جوهرية، وهي:
1- أن الحزب الكوردى الجديد هو حزب قومي ديمقراطي مناهض للاستعمار والهيمنة الأجنبية على البلاد ويناضل فى سبيل التحرر والحرية والديمقراطية.
2- وأن هذا الحزب يجمع في صفوفه العديد من التيارات الفكرية والسياسية والفئات الاجتماعية ابتداءاً من الإقطاعيين وأغوات العشائر وبعض رجال الدين ومروراً ببعض العناصر البرجوازية الجديدة، خاصة البرجوازية الصغيرة والمثقفين وانتهاء بالفلاحين من أبناء العشائر وبعض الكسبة والحرفيين، فهو حزب وطني قومي وديمقراطي ينسجم مع طبيعة المرحلة ومهماتها بشكل عام ومع طبيعة بنية المجتمع الكوردي حينذاك، ويعبّر في أهدافه عن طموحاتهم وهمومهم.
3- ورغم الطبيعة القومية للحزب، فأن وضع في صميم أهدافه وحدة العراق وتقدمه ودعا إلى إقامة اتحاد فيدرالي يسهم في تعزيز الوحدة الوطنية العراقية.
4- وأن قيادة هذا الحزب الفعلية هي بيد العائلة البارزانية وأغوات العشائر بالارتباط مع قوة تأثير تلك العائلات العشائرية على الشعب الكوردي حينذاك، إذ كان يتعذر فعلياً تغيير هذا الوضع بصورة قسرية، فالعلاقات الاجتماعية وطبيعة علاقات الإنتاج السائدة هي التي قررت هذه الحالة.
ويجسد هذه الحقيقة خلو المنهاج من طرح رؤية معينة ومناسبة لحل مشكلة الأرض في كوردستان وهيمنة الأغوات على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية واستغلالهم المعروف للفلاحين من أبناء عشائرهم أو غيرهم الفلاحين، أي خلو البرنامج من أية مهمات اجتماعية كان الشعب الكوردستاني بأمس الحاجة إليها، وجرى ابتداءاً توزيع المهمات بين أعضاء القيادة السياسية بحيث احتفظ التيار المحافظ بالرئاسة والقيادة الفعلية للحزب. إذ أصبح الملا مصطفى البارزاني رئيساً للحزب والشيخ لطيف بن الشيخ الحفيد النائب الأول وكاكه محمد زياد أغا النائب الثاني للرئيس، وهما من أغوات العشائر ومن كبار ملاكي الأراضي الزراعية في كوردستان العراق. ولكن هذه المجموعة من الأغوات كانت في الوقت نفسه تُشارك البارزاني النضال في سبيل القضية الكوردية وحقوق الشعب الكوردي الأساسية. في حين احتفظ التياران الأول والثاني بعضوية المكتب السياسي، وأغلبهم من المثقفين الكورد، حيث تشكَّل من حمزة عبد الله والدكتور جعفر محمد كريم والمهندس علي عبد الله وعبد الكريم توفيق ورشيد عبد القادر. وكان مجموع عدد أعضاء القيادة ١٥ شخصاً، كما انتخب عضو احتياط واحد. ([6])
تمتع رئيس الحزب الملا مصطفى البارزاني بموقع قيادي كبير من النواحي العشائرية والدينية والسياسية في أوساط الشعب الكوردي، ولعب دَوراً نضالياً ومتميزاً لتحقيق الديمقراطية في العراق وضد الحكم الملكي الرجعي. كما كان لدَورَهُ في النضال في سبيل تكريس دَور جمهورية مهاباد المتميز لتعزيز مكانته في نفوس الشعب الكوردي، وكانت قراراته هي الحاسمة في الحزب وقيادته، بغض النظر عن وجود اتفاق أو تباين في وجهات النظر، فهو من طراز المناضلين الثوريين المحافظين ال1ين تتسم قراراتهم بطابع الأبوة المُلزمة التي يفترض تنفيذها من قبل الجميع”.
[1] – يشير الراحل الدكتور عبد الرحمن قاسملو إلى هذا الموضوع فيقول: ” وبعد محاكمة سرية صورية أعدم القاضي محمد وأخوه صدر قاضي عضو البرلمان الإيراني، وابن عمه سيف قاضي وزير دفاع جمهورية مهاباد وذلك في ٣١ مارت / اذار ١٩٤٧ وشرع الجيش الإيراني والدرك يعيثان فساداً في كوردستان إيران”. قاسملو د. عبد الرحمن: کوردستان والکورد، ص۷۲.
[2] – المصدر السابق نفسه، ص 70- 71.
[3] – عبد الله، علي: تاريخ الحزب الديمقراطي الكوردستاني – العراق حتى انعقاد مؤتمره الثالث. كوردستان العراق، 1968، ص 48- 49؛ شريف، د. عبد الستار طاهر: الجمعيات والمنظمات والأحزاب الكوردية في نصف قرن ۱۹۰۸- 1958، ط 1، شركة المعرفة، بغداد- 1989، ص 141- 152.
[4] – البارزاني، مسعود البارزاني والحركة التحررية الكوردية؛ ثورة بارزان ۱۹٤٥- 1958، مصدر سابق، ص ۳۰.
[5] – قارن: شريف، د. عبد الستار طاهر: الجمعيات والمنظمات والأحزاب الكوردية… مصدر سابق، ص ١٥٨.
[6] – البارزاني، مسعود: البارزاني والحركة التحررية الكوردية. ثورة بارزان ١٩٤٥- ١٩٥٨، مصدر سابق، ص ۳۱؛ كريم، حبیب محمد: تاريخ الحزب الديمقراطي الكوردستاني- العراق ( في محطات رئيسة) ١٩٤٦- ١٩٩٣، ط ۱، مطبعة خه بات دهوك- ١٩٩٨،ص ٣٥.