يريفان سعيد**
تحليل موجز
ينبغي على بغداد أن تسمح لمشغلي النفط في كوردستان بالاستثمار في بقية أنحاء العراق في إطار حل مشكلة النفط القائمة منذ وقت طويل بين أربيل وبغداد، وهناك نموذج عملي أثبت نجاحه.
في 16 تشرين الأول 2023، أبرمت شركة “نفط الهلال” الإماراتية ووزارة النفط العراقية رسميًا ثلاث اتفاقيات نفط وغاز تم توقيعها في الأساس في شباط 2023، بهدف التنقيب عن النفط والغاز وتطوير مواردهما في محافظتَي ديالى والبصرة. تكمن أهمية هذه العقود في تخصيصها لشركة “نفط الهلال” داخل العراق، وهي شركة قامت باستثمارات كبيرة تجاوزت قيمتها ثلاثة مليارات دولار في إقليم كوردستان. ويُعتبر هذا التخصيص رائدًا، نظرًا إلى أن بغداد صنّفت مسبقًا “على القائمة السوداء” شركات النفط المتعاقدة مع حكومة إقليم كوردستان.
بالتالي، تمثل العقود المبرمة مع شركة “نفط الهلال” نهجًا رائدًا يمكن أن يشكل نموذجًا لشركات النفط الأخرى القائمة في إقليم كوردستان، ما يوفر لها فرصًا مماثلة في بقية أنحاء البلاد. ويُعتبر هذا النهج واعدًا في ما يتعلق بمعالجة النزاعات القائمة منذ زمن طويل والمرتبطة باستغلال الموارد الطبيعية وعمليات شركات النفط في المناطق الشمالية من البلاد.
يعود النزاع الطويل والمعقد حول النفط بين إقليم كوردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد إلى عقدين من الزمن. لكن في السنوات الأخيرة، بلغ هذا الصراع على الموارد الطبيعية مستويات جديدة من التعقيد والتوتر. فقد اتخذ الوضع منعطفًا ملحوظًا عندما أعلنت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، في شباط/فبراير 2022، أن قانون النفط والغاز في إقليم كردستان “غير دستوري”. بالإضافة إلى ذلك، في آذار 2023، انحاز قرار تحكيم في باريس إلى بغداد في قضية رُفعت ضد تركيا وتعلقت باستخدام خط الأنابيب العراقي التركي الذي كانت حكومة إقليم كوردستان تصدر نفطها عبره. وكانت نتيجة هذه المعارك القانونية تعطيل تدفق ما يقارب 500 ألف برميل من النفط، ما حال دون وصولها إلى السوق الدولية.
وعلى الرغم من أن كمية النفط الكوردي قد لا تكون كبيرة بما يكفي ليكون لها تأثير ملحوظ على أسعار النفط العالمية، فهو يبقى موردًا هامًا لسوق الطاقة الأوروبية. فقد تسبب بالفعل انقطاع تدفق النفط بخسائر مالية كبيرة لحكومة إقليم كوردستان، تجاوزت 7 مليارات دولار.
لكن الحاجة الملحة إلى النفط الكوردي برزت في السوق العالمية، لا سيما عند النظر إلى العواقب الإقليمية المحتملة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي الحالي والحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا. وقد تسببت هذه العوامل الجيوسياسية بالفعل بارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، ما يزيد من ضرورة إيجاد حل للنزاع بين أربيل وبغداد.
تعرض إنتاج النفط في الحقول الشمالية لانتكاسة حادة بسبب عزوف شركات النفط عن الاستثمار في هذه المناطق، ويُعزى السبب بشكل أساسي إلى إغلاق خط الأنابيب والهواجس المتعلقة باسترداد نفقاتها التشغيلية. لكن حكومة إقليم كوردستان عمدت إلى زيادة إنتاج النفط تدريجيًا إلى 200 ألف برميل يوميًا، مع تخصيص معظم هذه الكمية للاستهلاك المحلي.
انخرطت أربيل وبغداد في الكثير من المناقشات لمعالجة هذه القضية، لكن نقاط الخلاف الرئيسية شملت المسؤوليات المالية لمشغلي النفط داخل إقليم كوردستان. ترى أربيل أنه بما أن الإشراف الفني على قطاع النفط يندرج الآن ضمن صلاحيات وزارة النفط العراقية، يجب على بغداد تحمل العبء المالي. بالمقابل، تؤكد بغداد أن حكومة إقليم كوردستان يجب أن تتحمل التكاليف وتصر على إعادة تفاوض شاملة على العقود الممنوحة لشركات النفط من دون الحصول على إذن مسبق من الحكومة العراقية.
- عن معهد واشنطن
** باحث في برنامج مصطفى البارزاني للدراسات الكوردية العالمية في كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأمريكية في واشنطن، وباحث غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن. حصل سعيد على درجة البكالوريوس في الحكومة من جامعة تكساس في أوستن ودرجة الماجستير من كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس، وركزت دراساته على الشرق الأوسط والمفاوضات الدولية وحل النزاعات. حصل أيضا على درجة الدكتوراه من مدرسة كارتر للسلام وحل النزاعات في جامعة جورج ميسون. يتحدث سعيد اللغتين الكوردية والعربية ويجيد اللغة الفارسية. وقد عمل سابقًا كمراسل للبيت الأبيض لقناة روداو التلفزيونية الكوردية وعمل في بعض وكالات الأنباء بما في ذلك نيويورك تايمز، وإن بي آر، وصحيفة وول ستريت جورنال.