متابعة ـ التآخي
رأى خبراء عراقيون أن للحرب الدائرة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ أكثر من شهر تداعيات سلبية على العراق، بخاصة في الجانب الأمني في ظل مخاوف من انخراط قوى وفصائل عراقية مسلحة بشكل كامل في الصراع على خلفية الدعم الأمريكي لإسرائيل.
وأعلنت إسرائيل حالة الحرب لأول مرة منذ 50 عاما وأطلقت عملية عسكرية باسم “السيوف الحديدية” تضمنت غارات جوية عنيفة وقصفا مدفعيا ومعارك برية ضد حركة حماس بعدما شنت الأخيرة في السابع من تشرين الاول الماضي هجوما غير مسبوق أسمته “طوفان الأقصى” على معسكرات وبلدات في جنوب إسرائيل.
ومنذ بدء الحرب قتل أكثر من 11 الفا من الفلسطينيين، بحسب وزارة الصحة في غزة، فيما أودى هجوم حماس بحياة أكثر من 1400 إسرائيلي، بحسب مصادر إسرائيلية.
ويؤثر هذا الصراع الدائر بين حركة حماس وإسرائيل بشكل مباشر وبصورة أساسية على الوضع الأمني في العراق بسبب تواجد قوى عراقية مسلحة ضمن ما يسمى بـ “محور المقاومة، الذي تقوده إيران” والمناهض لإسرائيل.
وبحسب خبير المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ناظم علي، لوكالة أنباء “شينخوا” الصينية، إن هذه القوى العراقية تنقسم بين أحزاب مشاركة في السلطة وفصائل مسلحة ضمن تشكيلات الحشد الشعبي أو فصائل مستقلة.
ويحذر من “أن انخراط الفصائل العراقية التي تمتلك السلاح والمال وتتبع توجهات خارجية بالصراع لا يخدم المصلحة العراقية ويمكن أن يؤدي لانهيار أمنى لكثرة الفصائل واختلاف وجهات نظرها بالتعامل مع أحداث غزة”.
وأعرب عن خشيته من تدهور الوضع وتحوله إلى تصفية حسابات بين الخصوم أو إلى اقتتال طائفي وعرقي بعيدا عما يجري في الأراضي الفلسطينية، بخاصة أن العراق مازال يعاني من الإرهاب، بحسب وصفه.
وشنت فصائل عراقية مسلحة أكثر من مرة هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على قواعد عسكرية أمريكية في سوريا وأخرى عراقية تستضيف قوات أمريكية ودولية كمستشارين وخبراء، على خلفية القتال الدائر بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة ومحيطه منذ السابع من تشرين الاول.
وبعد أيام من هذه الهجمات، زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن العراق، وبحث تطورات الوضع في قطاع غزة وضرورة عدم اتساع الصراع مع رئيس الوزراء الاتحادي محمد شياع السوداني.
وبعد مباحثاته مع السوداني، حذر بلينكن في تصريحات للصحفيين ما أسماها “الميليشيات الموالية لإيران من استغلال حرب غزة ومهاجمة المصالح الأمريكية”.
وشدد الوزير الأمريكي على ضرورة عدم توسع الصراع، قائلا “لا نريد أي مواجهة مع إيران لكن سنتخذ جميع الإجراءات لحماية قواتنا ومواطنينا، نبذل جهودنا لضمان عدم توسع الصراع أبعد من غزة”.
لكن الموقف السياسي العراقي لوحظ به “إرباك وانقسام” في كيفية التعاطي مع الأحداث، وإحداث توازن في العلاقة مع واشنطن الداعم الرئيس لإسرائيل وبين قوى عراقية تعد نفسها ضمن محور المقاومة، على وفق ناظم علي.
واستشهد في هذا السياق بموقف هادي العامري زعيم منظمة بدر والقيادي بالإطار التنسيقي الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء العراقي، قائلا إن “تهديد العامري باستهداف المصالح الأمريكية إذا لم توقف واشنطن الدعم لإسرائيل برغم تعهد الحكومة العراقية بحمايتها يعكس صورة الانقسام بين أطراف الحكومة”.
وكان العامري قد قال في تجمع عشائري في بغداد إن “موقفنا واضح، وعلى الأمريكان أن يفهموا بوضوح إذا تدخلوا نتدخل.. إذا تدخلت أمريكا في هذه المعركة فكل الأهداف الأمريكية سنعدها حلالا ونستهدفها ولا نتردد في الاستهداف، عليهم أن يوقفوا الدعم” لإسرائيل.
وتوقع علي، انهيار المشهد السياسي في حال انخرطت الفصائل العراقية بشكل كامل مع محور المقاومة ودخلت طرفا في الصراع.
على الصعيد الاقتصادي، يبين خبير المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية إن “الصراع سينعكس بشكل سلبي على العراق، خصوصا وأن أموال نفطه المصدر الرئيس للعملة الصعبة تذهب للبنوك الأمريكية، وهي من تتحكم بها، ما قد يشكل خطرا إذا شعرت واشنطن بأن أفعال الفصائل العراقية تضر بأمنها القومي”.
وتفرض واشنطن قيودا وحصانة على أرصدة العراق منذ غزوه للكويت، بما فيها مبيعات النفط الشهرية، إذ تودع تلك الأموال في البنك الفيدرالي الأمريكي الذي يقوم بتحويلها للبنك المركزي العراقي.
وأيد أستاذ الإعلام بالجامعة العراقية محمد الجبوري القول بأن الصراع بين حماس وإسرائيل له تداعيات سلبية على الوضع العراقي، قائلا إنه “ألقى بظلاله على الوضع بالمنطقة والعراق”.
وتابع أن “موقف العراق محرج بسبب هجمات الفصائل المسلحة” على القواعد الأمريكية، عادا أن ذلك “يهدد الوضع الأمني، بخاصة أن الإدارة الأمريكية طالبت الحكومة العراقية بتوفير الحماية لأفرادها، والأخيرة تعهدت بذلك”.
لكن الواقع يشير إلى أن هذه الفصائل لم تلتزم بتعهد الحكومة، وهذا قد يدفع القوات الأمريكية إلى الرد على الضربات، ما يؤدي إلى زعزعة الوضع الأمني في العراق، على حد قول الجبوري.
ويحذر من أن استمرار الهجمات أيضا “قد يدفع واشنطن إلى اتخاذ قرار بمنع وصول الدولار للعراق، ما يؤدي لأزمة اقتصادية” في البلاد، مضيفا “أن واشنطن تستعمل الدولار كوسيلة ضغط على الحكومة العراقية”.
وخلص الجبوري إلى أن ذلك في حال حدث “يؤزم العلاقة بين بغداد وواشنطن ويعقد العملية السياسية، التي تعاني أصلا من خلافات بين الكتل والأحزاب العراقية”.
لكن ثمة من يرى أن العراق رسميا لن ينخرط بأي صراع سواء الفلسطيني الإسرائيلي أو غيره في المنطقة.
ويقول الصحفي والمراقب السياسي هاشم الشماع إن العراق ومنذ العام 2004 خط على نفسه الحياد نظرا لما شهده من أزمات كبرى بالداخل كانت من الممكن أن تؤدي إلى حرقه.
وتابع الشماع أن “العراق الآن يطور بناء نفسه من الداخل ولا يمكن له الدخول بصراعات إقليمية تؤثر على خطه الحيادي وعلى علاقاته الإقليمية والدولية، وهذا لا يعني ألا يكون له موقف مما يجري حوله لاسيما وأنه دولة مهمة ومحورية بالمنطقة”.
وأعرب عن اعتقاده بأن العراق لن يتأثر بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي إذا بقي على وضعه الحالي؛ لأن جميع دول المنطقة لا تريد أن تدخل في حرب أو صراع مع إسرائيل.
ويوضح “أن الدخول بهذه الحرب سيكلف العراق الكثير، ولا أعتقد أن العراق الرسمي غائبة عنه هذه النتيجة، كما أن العراق جزء من المنظومة الإقليمية وسيتأثر في حال نشوب حرب مفتوحة، ولهذا يسعى مع جميع الدول لعدم نشوب الحرب”.
واختتم الشماع حديثه قائلا إن “العراق سيكتفي بالمواقف السلمية وتقديم المساعدات للشعب الفلسطيني وسيتضامن مع أهل غزة فيما يواجهون”.
وكان ائتلاف إدارة الدولة الذي شكل الحكومة العراقية الحالية قد شدد على أهمية الاستمرار والحفاظ على زخم الدعم العراقي للشعب الفلسطيني، لاسيما الأدوية والغذاء والوقود، من دون الانزلاق إلى قرارات غير محسوبة العواقب، بحسب تعبيره، مشددا على وحدة الصف العراقي بمواجهة التحديات.
وأرسل العراق ثلاث دفعات من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتبرع بعشرة ملايين لتر من الوقود لمستشفيات القطاع المحاصر.
وكان نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، قد شدد في كلمته امام مؤتمر السفراء السابع، الذي عقد ببغداد مؤخرا، بالقول، إن مصلحة العراق وإبعاد البلد عن الحرب من اساسيات عمل الحكومة، فيما حذر من أن هناك مخاطر تنذر المنطقة بالحرب.
ونوه في كلمته، الى ان العراق يقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة، والسياسة الخارجية انعكاس للسياسة الداخلية، وان الحكومة العراقية وضعت تعزيز العلاقات ضمن أولوياتها، مشيرا بالقول، إن الثابت في السياسة الخارجية للدولة العراقية يجري صياغته في أُطر السلطات التشريعية، والتنفيذية والقضائية؛ وهي المعنية بالتعبير من خلال الحكومة ووزارة الخارجية عن سياسة الدولة ومن موقع الحفاظ على المصلحة العليا للعراق، بحسب ما ورد في كلمته.