التأخي / محمد الحميد
شهدت منصات إخبارية تفاعلا غير مسبوق من قبل الجمهور الذي تحوّل إلى مُرسل لأخبار ومعلومات مهمّة خلال فترة الإغلاق، حيث سادت حالة من عدم اليقين وعدم التأكد ممّا ينبغي عليهم فعله، بعد أن طورت هذه المنصات مفهوم صحافة الحلول لإبقاء التواصل مع جمهورها وكسب ثقته .
تتيح صحافة الحلول للعاملين في الحقل الإعلامي التفاعل المباشر مع الجمهور، من خلال تسليط الضوء أولا على المشكلة، ووضع القراء على بينة من خطورة وواقع المشكلة قبل تحدي الوضع الراهن بتقديم تقارير جادة عن الحلول .
ومع الظروف الاستثنائية ، كانت إحدى مهام الصحافيين دعم الجمهور ومعرفة طرق استقطابهم وإبقائهم من ضمن المتابعين الدائمين من أجل الحفاظ على استمرارية المؤسسة الإخبارية المالية .
ولا تنتهي عملية إشراك الجمهور مع طرح عدد من الأسئلة عليهم، إذ يجب تكرار هذه العملية التي لن تنتهي لأنّ الأخبار لا تتوقّف، إضافة إلى الكشف عن أبرز الاحتياجات والمعارف التي يريدها الجمهور والمجتمعات، والتواصل مع المجموعات التي لم تستخدمها من قبل كمصادر منتظمة، وإعداد تغطية صحافية مؤثرة تستجيب لاحتياجات الجمهور .
وقد خصّصت صحف أميركية محلية مثل “ذا بالتيمور صن” عنوان رابط سهل الاستخدام، تنشره في نهاية مقاطع الفيديو التي تبثها عبر صفحتها على فيسبوك، لاستقبال أسئلة القراء والردّ عليها. كذلك فعلت صحيفة “ساهان” التي تنشر مقالات بأربع لغات مختلفة .
وقال الصحافي دافيد بورنستاين “الناس بحاجة إلى معرفة كيف يمكن أن تنشأ المشكلات، أو كيف تتم معالجتها. اليوم بعد أربعة عقود من تراجع الثقة في المؤسسات الإعلامية الكبرى تقريبا، من المهم أن نوفر للناس قصصا ذات مصداقية تساعدهم على الاعتقاد بأن التقدم ممكن .”
وتلجأ الكثير من غرف الأخبار الرائدة منذ سنوات إلى هذه الأساليب، وتمكّنت من تحقيق نجاحات كبيرة، بالاعتماد على تقارير المقاربة التي تؤكد على الحلول للمشكلات بدلا من المشكلات نفسها، برفع أهمية المقال وتوضيح الهدف منه وزيادة عدد قرائه .
لكن هذا المفهوم لم يأخذ حيزا واسعا من الاهتمام في الصحافة العربية، التي ما زالت تعتمد على البيانات واستعراض الإجراءات التي تتخذها الحكومات العربية لمواجهة الأزمات والأوبئة، دون أن تتدخل الصحافة بتقييم هذه الإجراءات أو البحث عن حلول داعمة أو بديلة تساهم في دعم المجتمعات .
ولعل هذا المجال من أبرز الاختلافات بين الصحافة العربية والصحافة الغربية، حيث يرتكز العمل الصحافي في صحافة الحلول على مساعدة الناس في المجتمعات المختلفة والمتنوّعة على التطوّر والتقدّم على الصعيد الفردي، وكمجموعة كاملة، ويتأكد الصحافيون خلاله من فهم المعلومات التي يحتاجها الناس ومساعدتهم في الحصول عليها، وهو ما يوطد العلاقة بين الجمهور والمنصات الإخبارية وبالتالي يضمن بقاءها .
ويجادل البعض بأن أساليب العمل الصحافي في المؤسسات العربية مختلف بشكل كبير عن المؤسسات الغربية، لعدة أسباب من بينها أولويات السياسة التحريرية وضعف الكفاءات القيادية، إضافة إلى أن حجم التمويل المتواضع لا يسمح بصرف نفقات كبيرة على تقارير صحافة الحلول، التي تحتاج وقتا أطول وأبحاثا واستشارات وكفاءات مهنية مقارنة بالتقارير الأخرى .
ووفق ما ذكر تقرير لشبكة الصحافيين الدوليين أعدته ليندا شاو مديرة التحرير في شبكة صحافة الحلول، وبريجيت توريسون التي تعمل على تطوير استراتيجيات إشراك الجمهور، فإن أبرز مفاتيح استدامة المؤسسات الصحافية واستمرار العمل الصحافي تتمثل في تعزيز العلاقات بشكل أعمق مع الجمهور والتعامل مع المتلقين كشركاء. إضافة إلى إعداد تقارير عن كيفية إعادة بناء المجتمعات وإحيائها، والاهتمام بتغطية الانهيارات والمشكلات الحاصلة .
وتعتبر صحافة الحلول أيضا عملية وليست مشروعا، إذ لا تنتهي عند إعداد تقرير عن موضوع معيّن، بل على الصحافي متابعة العمل بنفس الطريقة والبحث عن قضايا أخرى وعن الحلول المتبعة، وتحديد ما هي الأمور التي نجحت وتلك التي فشلت. وعند تقديم التقرير للجمهور، يجب إبراز الحلول غير الناجحة لكي يعرفوا ذلك ويستفيدوا من الخبرات .
ويجب أن تستمر غرف الأخبار في العمل على استئصال المشكلات وإعداد تقارير عن كيفية استجابة الناس لها بطرق مرنة وجديدة وفعالة. فالجمهور يرغب بمعرفة الخطأ، لكنّه أيضا يريد فهم ما يمكن فعله لمواجهة الخطأ، وما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من الأشخاص الذين اختبروا أو وقعوا في المشكلة .
وتبرز أهميّة صحافة الحلول بكشف الصحافيين للنقاط المهمّة التي يمكن أن يستفيد منها الجمهور، الذي يريد أن يواجه المشكلات الكبيرة دون الاستغناء عن الأمل. ويمكن العمل على إعداد تقارير وتقديم نماذج وحلول يُمكن أن تضعها المجتمعات في عين الاعتبار .