فلسطين بعيون كوردية

 

 

 

 

 

الكاتب والباحث : سردار علي سنجاري

الشرق الأوسط وأزماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية لا نهاية لها . كلما حاولنا الخروج من أزمة دخلنا  في أزمات اكبر من سابقتها تجعلنا أن نتمنى العودة الى الاولى ، شعوب وامم  عاشت قرونا بسلام وإخاء ومحبة لم تعد كما كانت . بدأت الصورة تتضح للجميع ان المستفيد من الخلافات  هم حفنة من العملاء للغرب وأمريكا وحكاما اصبحوا هم سببا في تعزيز الشقاق والخلافات بين الشعوب. الشعب الفلسطيني الذين عانى الأمرين حيث  الانظمة العربية التي أصبحت عبئا كبيرا على مسيرة نضاله بل زاد الطين بلة كما يقال  انهم تخلو عن  القضية وتركوا الشعب الفلسطيني وحيدا عازلا يقاوم اعتى نظام عنصري معادي للبشرية، الاحتلال  الصهيوني استخدم ضده كل سياسات العنصرية والهمجية لمحو تاريخه ووجوده .

 

اليوم تتعرض المناطق الفلسطينية الى هجمات غير مسبوقة استخدم فيها الكيان الصهيوني سياسة العقاب الجماعي التي استخدمها النظام الصدامي المقبور ضد الشعب الكوردي . واذا كانت تلك السياسة قد حققت جزء من اهدافها الا انها ستبقى وصمة عار في جبين الانسانية والدول التي تدعي الحرية والديمقراطية وتدعوا الى احترام حقوق الانسان . ولكن يبدوا ان الانسان نفسه فئات عند تلك الحكومات فالانسان الفلسطيني والكوردي والعربي لا يحق لهم العيش بكرامة وحرية انما خلقوا ليكونوا شعوب من الدرجة الرابعة .

 

 

 

 

الشعب الكوردي والفلسطيني تربطهم عبر التاريخ اواصر الإخوة والتلاحم والاخاء وكان الشعب الفلسطيني اقرب الشعوب العربية للكورد وذلك للذاكرة الفلسطينية القوية التي لم تنسى يوما الفاتح الكوردي صلاح الدين الأيوبي وبطولاته في فلسطين والتي تناقلتها الأجيال من جيل لآخر، وماتزال هناك المئات من العوائل الكوردية التي استوطنت فلسطين وعاشت قرونا فيها وأصبحت جزءا من تاريخها ونضالها .

 

عدد الكورد كبيراً في مدينة القدس ، إذ شكلوا حارة خاصة بهم عرفت باسم “حارة الأكراد”، وكانت تقع غربي حارة المغاربة، وتعرف اليوم باسم “حارة الشرف”.

واستقبلت القدس عددًا من علماء الكورد الذين كان لهم بصمات مشرفة واضحة في تاريخ المدينة، مثل: الشيخ أحمد محمد الكوردي البسطامي (شيخ البسطامية) الذي عمل في التدريس بالمدرسة الصلاحية الصوفية، وبقي فيها حتى توفي سنة 881هـ/ 1400م؛ والشيخ يوسف الكوردي الذي درس بالمدرسة الصلاحية ايضاً؛ والشيخ جبريل الكوردي الذي كان من أهل الفضل، ومن أصحاب شيخ الإسلام الكمالي؛ والشيخ نجم الدين داود الكوردي الذي درس بالمدرسة الصلاحية؛ والشيخ درباس الكوردي الهكاري المدرس بالمدرسة الجاولية.

 

 

استمرت هجرة الكورد إلى القدس وجوارها بعد أداء فريضة الحج خلال العهد العثماني، وأقاموا في حي خاص بهم كانت تسمى “حي الأزبكية”

 

 

 

 

واستمرت هجرة الكورد إلى القدس وجوارها خلال العهد العثماني، بعد أداء فريضة الحج، وأقاموا في زاوية خاصة بهم وهي “حي الأزبكية”؛ وعمل بعضهم في الجيش وقوات الأمن؛ فقد كان أحمد محمد الكوردي مستخدماً في قوات الأمن، ومحمد فيروز الكوردي مستخدماً في قوات الأمن، وحسن قواس البرزاني الكوردي مستخدما في الجيش.

 

كما أشارت سجلات محكمة يافا الشرعية وحجج حصر التركات فيها إلى توطن عدد من الكورد في قضاء يافا في العهد العثماني (1864-1914م)؛ حيث عملوا في الجيش وقوات الأمن داخل قضاء يافا وخارجه، وبعضهم آثر البقاء في فلسطين بعد انتهاء خدماتهم العسكرية؛ فكان حسن آغا الكوردي القاطن في “سكنة ارشيد” بيافا أحد أفراد الجيش العثماني في قضاء يافا؛ وكان الحاج بكير آغا الكوردي “جاويش” في العساكر العثمانية المرابطة في القضاء؛ وكان الحاج أحمد آغا بن محمد القواس الكوردي، القاطن في مدينة الرملة “يوزباشي جاندرمة” في لواء بني غازي.

 

وهناك الكثير من العوائل الكوردية التي انصهرت مع الشعب الفلسطيني وقدمت قوافل من الشهداء داخل فلسطين وخارجها . ان التقارب التاريخي  الكوردي الفلسطيني لم يروق للمحتل الاسرائيلي فبدا يفكر كما جاء به اسياده البريطانيين بسياسة ( فرق تسد ) ، ولعبت الصهيونية وبالتعاون مع بعض الأنظمة العربية دورا سلبيا في شق الصف الكوردي الفلسطيني ونجحت الى مرحلة ما في مخططها هذا.

ولكن الحقيقة التي ربما يجهلها البعض ان الشعب الكوردي في غالبيته شعب مسلم ومؤمن بالإسلام بقناعة تامة ويعتبر اَي مساس بالمقدسات الإسلامية او بشعب مسلم هو المساس به ، ومن هنا جاء العداء للكيان الصهيوني الذي  احتل أولى القبلتين وثالث الحرمين . وفرقت حتى بين المسلمين واليهود الذين كانو ينعمون بالأمان والسلام في غالب الدول الإسلامية والعربية .

 

ان نضال الشعب الكوردي كان ملهما من نضال الفلسطينيين في بداية ثورتهم ضد الكيان الصهيوني وكذلك كان نضال الشعب الفلسطيني  ملهما للشعب الكوردي  الذي تغنى به كبار الشعراء فلسطين مثل الشاعر الكبير الراحل محمود درويش وقصائده الخالدة بحق نضال الشعب الكوردي .

 

ان نضال الشعوب  لإيقاس بحفنة من الذين لهم اجندات للنيل من المخلصين والثوار الحقيقين . وكذلك تاريخ الشعوب لا يكتب عبر مسيرات او مظاهرات ترفع فيها شعارات او اعلام إنما عبر الكفاح الحقيقي السياسي والثقافي والثوري وقد كان الشعب الكوردي في كافة مراحل نضال الشعب الفلسطيني  جنبا الى جنب معه سياسيا وثقافيا وثوريا .

 

اقليم كوردستان العراق الذي اتهم كما اتهم شعب باكمله في التعاون مع الكيان الصهيوني والتي تحاول من جانب واحد  إظهار التعاطف والمحبة للكورد لتعزيز الخلافات بين الشعبين الكوردي والفلسطيني.

 

 

 

ان هذا الكيان الصهيوني الذي احتل الأراضي العربية الفلسطينية وشرد شعبها بين دول العالم  والشتات ، يعلم ان الكورد لهم تاريخ مشرف في بناء الحضارة الإسلامية وتعزيز الروابط الأخوية بينهم وبين الشعوب العربية التي تعادي الكيان الصهيوني فاللجوء الى تاكيد ما يشاع عنه من دعايات معادية اطلقتها الحكومات العربية المعادية لنضال الشعب الكوردي لكسب تعاطف الشارع العربي في معركته ضد كفاح ونضال الأمة الكوردية في حق تقرير مصيرها المشروع .

 

فكانت القيادات الكوردية  والشعب الكوردي ضحية سياسات إقليمية لحكومات عربية بنوايا سلبية باتجاه تاريخهم ونضالهم المشروع ، فالتجأت في العديد من المحطات الى دفع الكيان الصهيوني للتصريح بالاعتراف بالدولة الكوردية للنيل من العلاقات الكوردية العربية . هذا التصريح المتعمد لزرع الفتنة بين الشعبين الكوردي والعربي اتت اكلها وحصدت الثمار في اغلب الحالات كما يشاء المحتل.

 

هناك لوم كبير على الحكومات العربية التي لم تجد الطريق الصحيح في كسب تعاطف الشعب الكوردي مع قضاياه المصيرية والمركزية ،بالشكل المطلوب فاغلب الحكومات العربية والشعوب العربية وقفت مع النظام العراقي السابق الذي استخدم سياسة الارض المحروقة ودمر حوالي ٤٠٠٠ أربعة الآلاف قرية واستخدم الأسلحة الكيميائية وأباد حوالي ٢٠٠٠٠٠ مائتين الف كوردي بين طفل وامراة وشيخ ورجل ، في مجزرة جماعية سميت بالانفال . ان موقف بعض الفصائل الفلسطينية من نضال وكفاح الشعب الكوردي والتي كانت تتمتع بحماية ودعم صدامي مباشر والتي تم زجها في بعض الحالات ضد كفاح الشعب الكوردي ، خلق  ردة فعل بين صفوف الثوار الكورد الذين حملو معهم قضية فلسطين وتحريرها كما حملو معهم قضية كوردستان بصدق واخلاص .

 

 

 

 

الموقف الكوردي من قضية القدس وصفقة القرن كان واضحا حيث وقفت القيادة الكوردية مع حقوق الشعب الفلسطيني وعاصمته القدس والتي كانت احد الأسباب التي جعلت امريكا في اللحظات الاخيرة تسحب تأييدها من الاستفتاء

 

 

 

 

بالرغم من كل ما يشاع عن العلاقات الكوردية الاسرائيلية التي ان وجدت فانها ليست بتلك الصورة التي تتعامل بها الكثير من الدول العربية مع الدولة المحتلة ، حيث بات مكشوفا وواضحا مدى العلاقات العربية الاسرائيلية والى اَي مدى وصلت وربما قريبا تعلن العديد منها التطبيع المباشر مع الكيان الاسرائيلي .  الموقف الكوردي من قضية القدس وصفقة القرن كان واضحا حيث وقفت القيادة الكوردية مع حق الشعب الفلسطيني وعاصمته القدس والتي كانت احد الأسباب التي جعلت امريكا في اللحظات الاخيرة تسحب تأييدها من الاستفتاء الذي أجراه اقليم كوردستان في 25/10/2017 بالرغم من الفقاعات التي اطلقتها إسرائيل حينها في تأييدها لحق تقرير المصير ، لكن النوايا انكشفت عندما تعرض الإقليم الى اعتداء من ثلاث دول اقتصاديا وسياسيا  وعسكريا  وتم تجهيز قوات عسكرية عراقية دخلت في معركة مع القوات الكوردية ووقفت إسرائيل موقف المتفرج ولم تحرك ساكنا لاقناع امريكا او الغرب في الاعتراف بحق الكورد بتقرير المصير .

 

وهنا لابد من الإشارة الى العلاقات الكوردية الفلسطينية على ارض الواقع في اقليم كوردستان ، حيث تم استقبال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اربيل والإعلان عن افتتاح سفارة فلسطينية في اربيل تعتبر السفارة العربية الوحيدة التي تتمتع بميزات سفارة حيث لباقي الدول قنصليات في اربيل . ويعتبر السفير الفلسطيني السيد نظمي حزوري احد اهم رجال السلك الدبلوماسي في اقليم كوردستان العراق ولعب دورا كبيرا وايجابيا في عودة الترابط الفلسطيني الكوردي الحقيقي وعليه وإكراما للعلاقات المتينة بين الشعب الكوردي والفلسطيني تم منحه لقب كبير السفراء والقناصل العرب في اقليم كردستان . وسفارة فلسطين في كوردستان من انشط السفارات العربية والأجنبية على الإطلاق حيث ساهمت في العديد من المشاريع والفعاليات الانسانية التي تخدم الجانبين .

 

قد يعجبك ايضا