علي نجم العبدالله
يعد التوافق بين العشائرية والديمقراطية من أهم القضايا السياسية والاجتماعية التي تواجهها الدول ذات الهوية القبلية أو العشائرية، إذ تعد من الموضوعات المعقدة التي تستحق التحليل والبحث العميق لفهم التوازن الصعب بين هاتين القيمتين في السياق الاجتماعي والسياسي. فالعشائرية تمثل نظامًا اجتماعيًا تقليديًا يستند إلى الانتماء إلى عشيرة أو قبيلة معينة، وتتميز بالولاء والانتماء الشديدين لهذه الهيكلية الاجتماعية. من جهة أخرى، تقف الديمقراطية كنموذجٍ سياسي يؤمن بمبدأ المساواة وحقوق المواطنة والحكم بموجب إرادة الشعب، إذ تعد الديمقراطية أحد أسس بناء الدول الحديثة وتحقيق التنمية المستدامة.
يسبب التوافق بين العشائرية والديمقراطية تحديات كبيرة، إذ تتعارض بعض قيم الديمقراطية مع تفضيلات العشائرية واعتمادها على هياكل سلطوية وتقاليد غير ديمقراطية، إذ تعتبر بعض العشائر أكثر تمسكًا بالسلطة وتفضيل الولاء للزعيم القبلي على حساب العملية الديمقراطية الشفافة.
من الجوانب الأخرى، يمكن أن تواجه الديمقراطية تحديات من جانب العشائرية فيما يتعلق بالمشاركة السياسية الكاملة والمتوازنة للأفراد من جميع الفئات الاجتماعية، وقد تؤثر هيمنة العشائر في بعض الثقافات في تقليل حدة المشاركة العامة والمساواة في فرص القيادة السياسية للجميع. بالإضافة إلى أن الانتماء العشائري قد يؤدي إلى تحييد المواطنين عن اتخاذ قرارات مستقلة والتأثير على سير العملية الانتخابية في البلاد.
لكن رغم هذه التحديات، فإن هناك آفاقًا لتحقيق التوافق بين العشائرية والديمقراطية، إذ يمكن للمجتمعات تعزيز الوعي والتثقيف بأهمية المشاركة السياسية المتساوية لجميع الأفراد، بغض النظر عن انتمائهم العشائري، إذ يمكن أن تلعب العشائر دورًا إيجابيًا في تعزيز المشاركة السياسية للمواطنين وتعزيز الحوار بين القيادات العشائرية والمؤسسات الحكومية
وأيضًا الإصلاح السياسي، فالعشائر قادرة على أن تكون شريكًا في عملية الإصلاح السياسي لتعزيز مبادئ الديمقراطية وتحقيق التوازن الاجتماعي. فضلًا على الحوار والتسامح، إذ يمكن العمل على تشجيع الحوار المفتوح والتسامح بين العشائر المختلفة لتجاوز الاختلافات وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي. كما يمكن تطوير آليات ديمقراطية تأخذ في الاعتبار الهوية القبلية وتعزز المشاركة العادلة والمتوازنة للجميع.
ختامًا، إن التوافق بين العشائرية والديمقراطية يشكل تحديًا حقيقيًا، لكنه ليس مستحيلًا. مما يمكننا القول أن تحقيق التوافق بين العشائرية والديمقراطية سيبقى مسارًا مستمرًا للدول التي تسعى لتحقيق التطور والاستقرار الشامل. ومن خلال العمل على تعزيز الوعي وتحسين الآليات الديمقراطية الحقيقية، يمكن أن تكون هاتان القيمتان في توافق متناغم يعزز التنمية الاجتماعية والسياسية ويساهم في بناء مجتمع أكثر شمولية وعدالة.