اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 17- 10- 2023
عن الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق- بغداد صدرت الطبعة الأولى من المجموعة القصصية التي كانت بعنوان ( كما لو أننا نولد للتو) للسيد ( كاظم جماسي) في العام 2021، ورد في قصة منها بعنوان ( الأمر يستحق العناء) ما يأتي:
– ” لا يدري أحد حتى هو نفسه متى أمسى موظفاً في سلك الخدمة المدنية، كما هو الشأن مع لحظة أن يولد المرء، بلا أية إرادة للأختيار… كان كل ما يفعله هو الترقب طوال مدة خدمته صعود الدرجة تلو الدرجة بصبر نافد في سلم الوظيفة، لــــــــعله يفضي به الى أريكة ( الطمأنينة) الأخيرة. أذا ما أزف موعد إستلام مرتبه الشهري كان يُصاب بحُمى فرح نزفية بدءاً من الليلة السابقة للموعد حتى لحظة أن يقبض على تلك الأوراق السحرية، يعدها متمهلاً، يشمها، يقبلها بشغف، ثم يدسها بهدوء في محفظته، ليركنها أخيراً داخل جيب لصق قلبه. كل مطلع شهر يعيش يوماً كهذا اليوم يخرج في الصباح الباكر جدلاً على غير عادته لا تسع الأرض بهجته، يموسق خطاه في شوارع المدينة، على أنغام متصاعدة من قيثارة روحه يتطاول كيانه حد الأعتقاد بسطوة كلية القدرة على امتلاك كل شيء… يزجي النهار حتى مقدم الليل بغير ما هدى متجولاً في كل جادة وعطفة من مدينته، مدينته التي عرفته في أيامه الماضيات كائنا متحفظا، مستريبا، مشي على الدوام جوار الحيطان.. فيما اليوم ها هو فارد الصدر، مقداما، يتطلع بكبرياء إلى واجهات المخازن والمطاعم أو أحدى دور السينما، يأكل سندويشاً، أو يحتسي قنينة بيبسي ثم يشتري علبة سجائر ويحدث أن يتخلى للباعة مرة أو أكثر عما تبقى من ( مبالغ) الشراء. هذا اليوم، كان قدر قرر سلفاً، الأكتفاء بالتجوال والفرجة فقط من دون أن يمس المحفظة التي لن يحظى من محتوياتها، طوال الثلاثين يوما القابلات، سوى بنصفها فالنصف الآخر سيذهب هبة خالصة كما كان يقضي الأمر الاداري الملزم للجميع بالأسهام بدفع تكاليف أجراء عملية فتح إنسداد في أمعاء مديرهم الغليظة. بنصف الهمة بدأ تسكعه وبلامبالاة قرأ كل ما وقعت عيناه عليه من إعلانات المحال وشركات ومطاعم ودور سينما، غير أن قدميه قادته أثناء مسيره، دونما أية مقاومة الى واجهة أحد المطاعم، إذ أمتلأت خياشيمه برائحة شواء جبارة، ألصق أنفه بزجاج الواجهة وراح يرمق بنهم موائد الرواد العامرة بلذائذ الطعام. ويحدث نفسه بنبرة ناقمة هذا إنتهاك آخر مضافا لحقوق الأنسان، أليس الإكل العلني إهانة لمشاعر الآخرين؟! ثم لِمَ لا يَعي البعض ما للصوم من فوائد جمة؟!. في لحظة أختل توازن جسده، أذ تدحرجت تحت باطن قدمه زجاجة بيبسي فارغة، فخرَّ ساقطاً على وجهه، ومن فورها طفرت المحفظة من جيبه، ساقطة هي الأخرى، ولكن في فوهة مكشوفة البالوعة مياه ثقيلة.. صرخ هلعاً:- محفظتي.. محفظتي.
ما قبل اللحظة، كان الشارع يعج بمواطنيه، أما الآن فقد امسى قفراً قاحلاً، ادار وجهه المدمى نحو كل الجهات، فلم يَكُ من منجد أو مغيث… أطرق لحظة… شاهد المحفظة تطفو هناك فوق سطح المياه القذرة، وجد بعد حين أن لا مناص من الهبوط إليها.. دلّى ساقيه فجفلت أطرافه حين راحت برودة الماء الثقيل صاعدة تتسرب خلال مسامات جلده بينما كان بدنه يهبط رويداً رويدا أعترته قشعريرة وكاد يتقيأ حتى أمست فروة رأسه تحت فوهة البالوعة، ومستوى المياه كان قد بلغ أسفل بطنه. صمتاً كريهاً كان يرين في الأسفل فيما عدا أصوات تشبه النواح تأتيه من قاع سحيق، وضوء شحيح راح يغلف مساحة يسيرة من سطح المياه. قال لنفسه والنتانة تزكم أنفه:- ( إنه قدري الأعوج الذي لا فكاك لي من الرضوخ لمشيئته). كانت المحفظة تتأرجح هناك على مرمى ذراع مدَّ يده يلتقطها، ولكن حدث- لسوء الحظ- أن تياراً هيناً تحرك دافعاً بالمحفظة الى أمام تقدم ليلغي المسافة، غير أن المحفظة أبتعدت مجدداً، حاول أن يسرع في اللحاق بها، لكن التيار صار أسرع منه في دفعها، جرب القفز عليها ليمسك بها بيديه كلتيهما، ولكنه لم يجنِ سوى أوحال لطخت جبهته وسوائل ثخينة راحت تسيل ببطء خلل طيات شعره صرخ بغيظ: اللعنة… فردد المكان أصداء ساخرة:- عِنَه.. عِنّه.. عِنّه..، وكلما تقدم أكثر مضى جسده هابطأ أكثر، تبتلع المياه منه أجزاء جديدة، فيما المحفظة تنأى- دائماً- عن الإمساك بها.. يتوقف فتقف يمشي تركض. تساءل متهكما:- هل أنا في مضمار للخيل، حيث باقة العلف ثابتة البعد دائما عن فم الحصان؟. بعد زمن من اللهاث المتواصل، أخذ ضوء ما ينتشر بنحو متدرج، فوق سطح المياه، نظر الى أعلى فرأى بالوعة مكشوفة أخرى، وفاجأه صراخ أحدهم هلعاً:- محفظتي محفظتي. ما لبث أن لمح محفظة أخرى جوار محفظته، وشخصا آخر كان قد أستوى واقفاً بجواره، سأل الوافد بعد تبادل نظرات هلعة جاره: كم من الزمن، وأنت هنا؟. – لا أدري.
– أهي مهمة يسيرة؟.
– لا أدري.
– كم من الزمن، لبلوغ النهاية؟.
– لا أدري.
وفيما مضى الاثنان يخوضان، كانت أقدامهما تتعثر خطوة إثر أخرى بكتل أسفنجية رخوة، راحت تتكاثر كما الفطر عند القاع مكونة طبقة رجراجة متصلة، أما المياه فقد ظل مستواها يرتفع حتى بلغ ذقنيهما، قال الأول:
– من أجل أمعاء مديرنا العزيز.. نسبح.
– الأمر يستحق العناء.. نعم.. نسبح.
وأنهمك الأثنان يجالدان سباحة في مياه يثقل قوامها بإستمرار، الأول بجهد متضائل، أما الثاني لما يزل عند مفتتح ( الماراثون)، فيما المحفظتان كانتا دائبتي الهروب. كانت هناك، بعد زمن أيضاً بالوعة مكشوفة ثالثة، وكان هناك ثالث هلعاً، يصرخ: محفظتي.. محفظتي”.
وبقلم السيد سامي عبد الحسين التميمي صدر في بيروت في العام 2023 الطبعة الاولى لكتاب بعنوان ( مطارحات سياسية مع المفكر نديم الجابري)، عن مكتبة النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، وفيها عنوان:
– ” ( مشاريع التقسيم) وضعت برقم ٩، وهي مقال للبروفيسور نديم الجابري حول مشاريع التقسيم: ( مشروع برنارد لويس). برنارد لويس أحد منظري الغرب، ومن أبرز دُعاة غزو العراق في التسعينات، ومن أشد المتحمسين لتقسيم الدول العربية والإسلامية على أسس دينية ومذهبية وعرقية. تبنى فكرة تشظية العالم العربي والإسلامي إلى ( ۸۸) دولة بدلاً من الواقع الراهن المكون من ( ٥٦) دولة. أي إنشاء ( ۳۲) دولة جديدة. وقد كان برنارد لويس صريحًا عندما قال: ( إن هذا التفتيت للعالم الإسلامي يُعد الضمان الحقيقي لأمن إسرائيل، التي ستكون الأقوى وسط هذه الفسيفساء). لقد قدم برنارد لويس خارطة سياسية جديدة تتكون من الدول الآتية:
۱ – دولة بلوشستان تضم إقليم بلوشستان الباكستانية ومناطق البلوش الإيرانية.
۲– دولة بوشتونستان تضم الإقليم الغربي من باكستان ومناطق البوشتونيين من أفغانستان.
٣– دولة كوردستان: تضم المناطق الكوردية من العراق وإيران وتركيا.
٤ – تقسيم ما يتبقى من إيران إلى أربعة دول هي دولة إيرانستان: تضم المناطق الآرية.
دولة أذربيجان: تضم المناطق الآذرية. دولة تركمانستان: تضم المناطق التركمانية. دولة عربستان: تضم المناطق العربية من إيران.
ه – تقسيم ما يتبقى من العراق إلى دولتين هما: دولة شيعية: تضم المناطق الشيعية من العراق. دولة سنيَّة: تضم المناطق السنيَّة من العراق.
٦– تقسيم سوريا إلى ثلاثة دول هي: دولة درزية تضم: الدروز. دولة علوية: تضم العلويين. دولة سنية: تضم أهل السنَّة في سوريا.
٧– تقسيم الأردن إلى دولتين: هما دولة فلسطينية: تضم الفلسطينيين. دولة بدوية: تضم ما يتبقى من الأردن.
8- تقسيم السعودية إلى دولتين هما: دولة الحجاز تضم: المناطق المقدسة. دولة نجد وتضم ما يتبقى من السعودية. بمعنى آخر إعادة السعودية إلى حالها قبل الوحدة سنة ۱۹۳۳.
٩ – تقسيم لبنان إلى خمس دول هي: دولة مسيحية، دولة شيعية، دولة سنيَّة، دولة درزية، دولة علوية.
۱۰ – تقسيم مصر إلى دولتين هما: دولة إسلامية، ودولة قبطية. وربما تكون هناك دول أخرى داخل مصر.
۱۱ – تقسيم السودان إلى دولتين هما: دولة زنجية في الجنوب، ودولة عربية في الشمال.
١٢ – تقسيم المغرب إلى دولتين هما: دولة العرب، ودولة البربر.
١٣ – إعادة النظر في الكيان الموريتاني على ضوء المتناقضات بين العرب والزنوج والموحدين.
ويلاحظ أن هذا المخطط قد نزل إلى أرض الواقع. إذ حقق أولى نجاحاته في السودان حيث أسس فيها دولة جنوب السودان. وثاني نجاحاته تمثلت بعلوية الهويات الإثنية والطائفية على الهوية الوطنية في عدد من بلدان الشرق الأوسط. ٦ / آيار / ٢٠٢٢”.
وفي بغداد عن مطبعة زاكي صدر في العام 2021 الطبعة الاولى من كتاب بعنوان ( محاضرات في تاريخ العراق الحديث والمعاصر) للسيد محسن جبار العارضي، ورد في جزء منه:
– ” المحور الثالث: مقابلات عبد الرحمن البزاز الصحفية وما تضمنته من دعوات لإصلاح النظام الاقتصادي والاداري في العراق: لقد شدد البزاز في تلك المؤتمرات الصحفية على اهمية الاستقرار السياسي و سيادة حكم القانون قائلاً : ( اننا نريد الانتقال بالبلاد الى مرحلة ثورية حقيقية وقد تعبنا من الثورات والانقلابات العسكرية ونريد ان نعود بالبلاد الى الحياة العادية). ثم استدرك ليقول: ( ان تحقيق ذلك يتطلب خلق جهاز اداري فعّال، كما ان العودة الى الحياة الطبيعية تتطلب وجوب انشاء جهاز حكومي منظم). ودعا البزاز الشعب الى اختيار حكامه ونظام حكمه والسياسة التي يتحتم على البلاد انتهاجها. ووعد البزاز بتحقيق هذه الغاية بإعادة الحياة البرلمانية الى البلاد. وقد أوضح في حينها انه اقنع الرئيس عبد السلام عارف بالعمل على تحقيق الشرعية الدستورية، ووضع قانون الانتخابات لإيجاد استقرار سياسي كامل ونظام ديمقراطي نيابي. واشار الى عدم صواب الوصول الى السلطة بقوة السلاح ودان الانقلابات العسكرية، كما وانتقد السلبيات الاقتصادية في المؤسسة الاقتصادية ووعد بمعالجة تلك السلبيات. واوضح في مؤتمره الصحفي ان الحكومة تعمل ما بوسعها لإعادة السلام التام الى جميع مناطق العراق وتسعى الى ضمان الوحدة الوطنية. وفي الجانب الاشتراكي اكد البزاز ان الاشتراكية الرشيدة هي التي تلائم العراق. وقد اعلن في الوقت نفسه أن تأميم البنوك والصناعات الكبرى ضرورة لتعزيز القطاع العام.([1]) ثم استدرك ليقول: ( من حق كل دولة ان تؤمم متى ما وجدت ضرورة للتاميم). ونبه الى ان من الجهالة ان تؤمم دونما حاجة إلى التأميم. و تؤمم الدولة ليقال عنها أنها أممت. كل قضية يجب أن تدرس بموضوعية، فاذا ثبت أن مصلحة البلاد في التأميم سنفعله دونما تردد. اما فيما يتعلق بالقطاع الخاص فقد دعا إلى عدم مسه و شجعه على المشاركة في التنمية الاقتصادية وتنمية راس المال اذا ما دعت الضرورة مع اعطاء ضمانات كافية لتأمين رأس المال المستثمر في القطاع الخاص وحث على تشجيع رأس المال الاجنبي على المشاركة في القطاع المشترك. ([2])
وبالإضافة الى ما تقدم فلقد اكد البزاز في منهاج حكومته الأولى، الذي اعلنه وزير الثقافة والارشاد وقتئذ: د. محمد ناصر يوم 6- 11- 1965 على أن تحتل السياسة الاقتصادية الصدارة في منهاج الحكومة لتحقيق هدفين أساسيين هما: زيادة الانتاج، وعدالة التوزيع”.
[1] – خدوري، مجيد: العراق الجمهوري، الدار المتحدة للنشر، ط1، بيروت- ١٩٧٤، ص ٣٤٠- ٣٤٢.
[2] – ينظر: جريدة الجمهورية، العدد ( ٦۱۸) في 24- 5- 1965.