منارات عراقية … حوار دار الورشة الثقافية للنشر والتوزيع مع الأديب والصحفي والفنان سالم بخشي المندلاوي
*سياسة التعريب سببت حالة من التحدي للمثقفين الكورد لاستيعاب اللغة العربية والنبوغ فيها؛ اثباتًا لوجودهم الإنساني ومحاولة لعرض قضاياهم السياسية العادلة
*لم يكن التأثير بين الثقافتين العربية والكوردية من جانب واحد، بل كان التأثير متبادل ومشترك بينهما؛ بحكم العلاقات والمصالح الاقتصادية والاجتماعية المشتركة
*ليس كل من كتب المجاميع القصصية يتمكن من كتابة الرواية؛ فاشتراطات كتابة الروائية تختلف بالمرة عن اشتراطات كتابة القصة القصيرة
*النقد غالبًا يجري بشكل انتقائي وشخصي من دون اهداف مشتركة أو رؤية شاملة، تأخذ بنظر الاعتبار الخطوط والاتجاهات العامة التي تسير بموجبها العملية الإبداعية
*للروائي مطلق الحرية في التعبير السردي، ما دام يخدم الأغراض النبيلة لروايته والثيمة الرئيسة فيها، بشرط عدم الاسفاف والمبالغة في تصوير المشاهد الجنسية
*حازت رسومي (رسوم الأطفال) على المراتب الأولى في معرض الكاريكاتير العراقي الشامل على قاعة الواسطي في مبنى وزارة الثقافة عام 2005
*أسهمت مع مجموعة من الصحفيين الكورد في تأسيس أول صحيفة عراقية ناطقة باسم الكورد الفيليين باسم (شمس الحرية) وعملت فيها محررًا وكاتبًا ورسامًا عام 2003
أجرى الحوار: فاطمة خضور
التقى دار الورشة الثقافية للطباعة والنشر والتوزيع بالأديب والفنان والصحفي الكوردي سالم بخشي خداداد المندلاوي، عبر الصحفية والروائية السورية فاطمة خضور، وأجرى حوارًا ثقافيًا شاملًا وشائقًا، تناول فيه الحديث عن الأدب والصحافة، والفن وهموم وخصائص الأدب الكوردي، وإليكم الحوار:
ماهي أهم أعمالك الأدبية؟
أبرز أعمالي الأدبية، وحسب التسلسل الزمني لإنجازها، كالتالي:
صدرت لي مجموعة قصصية بعنوان (قال الشيخ) عن دار الشؤون الثقافية العامة في وزارة الثقافة عام 2011. كذلك صدرت لي رواية بعنوان (المخبر السرّي) عن دار الثقافة والنشر الكوردية في وزارة الثقافة 2014. ثم صدرت لي رواية ثانية بعنوان (إنانا والنباش!) عن دار ضفاف للطباعة والنشر نهاية العام 2018. وصدر لي كتاب نقدي بعنوان (كبار كتبوا في المخبر السرّي) في دار الثقافة والنشر الكوردية العام 2018. ولديّ كتاب صحفي بعنوان (فلم الأسبوع) عن دار فضاءات الفن 2020. ومجموعة قصصية بعنوان (السمفونية المكورة) عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق2021. كتاب نقدي بعنوان (باقة نقد) عن دار فضاءات الفن عام 2022. ناهيك عن نشر العشرات من القصص والمقالات الأدبية في الصحف والمجلات العراقية والمواقع الإلكترونية، أشهرها: مجلة ضفاف الأدبية، الملحق الثقافي لجريدة التآخي، مجلة الأديب العراقي، مجلة أوروك الصادرة عن وزارة الثقافة العراقية، جريدة الصباح، موقع الحوار المتمدن الإلكتروني.
- ما هي الجوائز الأدبية التي حصلت عليها؟
لقد منحت جائزة الجواهري للإبداع في اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين لمرتين، مرة عن روايتي الأولى المخبر السرّي 2014، والأخرى عن الرواية الثانية إنانا والنباش مطلع هذا العام 2019.
- كيف تفسر لنا إصدارك كتاب نقدي عن روايتك الأولى بعنوان (كبار كتبوا في المخبر السري) لِمَ لَمْ يكتبوا عن الرواية الأخرى هل لأنها الأفضل؟
ليس الأمر كذلك بل كتب عن الرواية الأخرى (إنانا والنباش) أساتذة كبار في النقد وبعض الروائيين، والأكاديميين، لعل من أبرزهم: بشير حاجم، واسماعيل ابراهيم، وحسين محمد شريف، وعلوان السلمان، وحمدي العطار، ويوسف جويعد، والناقد حسام محي الدين من لبنان. ولا زالت الكتابات مستمرة عنها في الصحف المحلية والعربية. لكني لم أفكر بجمعها في اصدار نقدي، لسببين: الأول لم أعد بحاجة إلى كتاب نقدي تجميعي كما في روايتي الأولى، كوني حينها كنت مغمورًا وجديدًا في عالم الابداع السردي وكنت بحاجة إلى من يعرّفني إلى الجمهور الأدبي. ثانيًا: لا أملك الترف المادي للقيام بطبع كتاب أجمع فيه ما كتب عن روايتي الأخرى، رغم عرض بعض الجهات الحكومية، لطبعها مجانًا كما هو الحال مع الكتاب الأول، إلا أني أعرضت عن الفكرة، وفضلت طبع انتاجي السردي المباشر، وقد كان عندما طبع لي الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، مشكورًا، مجموعتي القصصية (السمّفونية المكورة) في العام 2021. وربما هم بصدد تنظيم احتفاء بالكتاب في وقت قريب.
- حالات اليأس عند الأديب كثيرة من أخطرها أنه يمزق أعماله هل تعرضت لهذا الهاجس أو مررت بهذا اليأس؟
لا أذكر أنني مررت بحالة اليأس هذه، بل الأمر معكوس عندي تمامًا، خاصة عند الشروع في كتابة الرواية، فيصبح عندي فيض سردي أحيانا، اضطر فيما بعد، التخلي عنه بألم عند التشذيب والتنقيح؛ لئلا تخرج الرواية عن سياقها العام، ويصيبها التشتت أو الترهل.
وإذا ما أصابني الملل أو الضجر من الكتابة أحيانا، وهذه حالة عامة يصاب بها معظم الكتاب، أهرع إلى أقرب كتاب مني لأطالعه، أو لعلي أرسم تخطيطا ما، أو أبدد بعض الوقت على برامج الانترنت، وبرامج التواصل الاجتماعي.
- ما رأيك بمن امتهن مهنة السرد الايروتيكي لغاية التسويق؟
لسنا بصدد فرض الوصاية على الكاتب، ونحدد له طريقته في السرد. فللروائي مطلق الحرية في التعبير السردي، ما دام يخدم الأغراض النبيلة لروايته والثيمة الرئيسة فيها، بشرط عدم الاسفاف والمبالغة في تصوير المشاهد الجنسية، بطريقة تخرج المشهد عن غايتها الفكرية والجمالية في الرواية. وعندما يحاول الروائي الاعتماد على السرد الايروتيكي من أجل الاثارة الزائفة، وتلميع روايته في محاولة خاطئة؛ لتجاوز العيوب الفنية التي تعتري نصه الروائي. يسقط في فخ الابتذال والاباحية الرخيصة على حساب رصانة السرد، والغايات الأخلاقية السامية التي يمكن لها أن تحمله. ومن يفعل ذلك، يخسر ثقة القرّاء أولًا، قبل أن يسيء لتاريخه الأدبي والانساني ثانيًا.
- باعتقادك هل النقد منصف في عالمنا العربي؟ وماهي الأسس التي يجب أن يأخذها الناقد بعين الاعتبار؟
باستثناء بعض النماذج المشرقة والمبدعة هنا أوهناك، فالنقد غير منصف بالمرة سواء على الصعيد المحلي، أو العربي. فالنقد غالبًا يجري بشكل انتقائي وشخصي من دون اهداف مشتركة أو رؤية شاملة، تأخذ بنظر الاعتبار الخطوط والاتجاهات العامة التي تسير بموجبها العملية الابداعية. وكثير من النقاد يعتبر العملية النقدية، مجالًا رحبًا للمجاملات والعلاقات العامة، وتلميع صور أنصاف المبدعين؛ مقابل عمولات، وجلسات طرب ولهو، وعلاقات مشبوهة أحيانًا. ناسين أو متناسين إن العملية النقدية في جوهرها الأصلي: هي عملية تقويمية وتنويرية للنص لتطوير العمل الابداعي والسمو به نحو الرقي والانجازات الكبيرة. وبذلك الابداع الحقيقي عندنا في واد، والنقد الأدبي في وآد آخر.
- يُقال من يستطيع كتابة المجموعة القصصية يستطيع كتابة الرواية هل تؤكد هذه المقولة؟ وما هو تحليلك الشخصي؟
صحيح أن كثير من الروائيين، لديهم اصدارات لمجاميع قصصية قبل خوضهم في عالم الرواية، وأن كتابتهم للرواية تمثل مستوى متقدم ومتطور في تسلسلهم الابداعي لكن الأمر لا ينطبق على الجميع؛ وبذلك ليس كل من كتب المجاميع القصصية يتمكن من كتابة الرواية؛ فاشتراطات كتابة الروائية تختلف بالمرة عن اشتراطات كتابة القصة القصيرة، وربما الكثير من الروائيين اللذين جاءوا بعد كتابتهم للقصة لم يتمكنوا من تقديم روايات ناضجة بمستوى نضوج كتاباتهم القصصية، ورواياتهم لا تعدو أن تكون قصص مطولة -أو ممطوطة- إن جاز التعبير. ولعل أستاذنا الكبير القاص العراقي رقم واحد، محمد خضير الذي كتب لنا مجاميع قصصية غاية في الابداع، امتنع عن كتابة الرواية؛ ربما لأنه أدرك بفطنته وحسه الأدبي السردي أن محاولته لكتابة الرواية لن تكون بمستوى رقي القصص التي أنجزها.
- ما مدى تأثير الأدب العربي على الأدب الكوردي نتيجة الاختلاط والمزاوجة الكوردية العربية؟
لم يكن التأثير بين الثقافتين العربية والكوردية من جانب واحد، بل كان التأثير متبادل ومشترك بينهما؛ بحكم العلاقات والمصالح الاقتصادية والاجتماعية المشتركة؛ نتيجة للجيرة الطويلة بين الشعبين. وخلال فترات الصلح والهدنة السياسية المتذبذبة بين القيادتين السياسيتين للشعبين، تم إنشاء مؤسسة ثقافية منتصف السبعينيات، باسم دار الثقافة والنشر الكوردية، أخذت على عاتقها التعريف بالثقافة الكوردية، وترجمة الأعمال المميزة من الأدب الكوردي إلى اللغة العربية، كذلك ترجمة أبرز أعمال الأدب العربي إلى اللغة الكوردية من أجل التقريب بين الثقافتين، وردم الهوة بينهما، وكانت هذه الدائرة مساحة هامة جدا، تحرك من خلالها المثقفين من العرب والكورد؛ لإنجاز هذه المهمة، ولازالت حتى الآن تتبنى هذا المشروع المهم والحيوي للشعبين. ناهيك عن انفتاح الكورد الثقافي، بالذات بعد التحرير، واسهاماتهم الكبيرة في هذا الاتجاه من خلال اقامة المهرجانات والفعاليات الثقافية المختلفة في كافة ربوع كوردستان وعلى مدار السنة.
- هل الثقافة الكوردية متشابهة في كل البلدان أم يتأثر الأديب بمحيطه؟
امتازت الثقافة الكوردية، بصفتين متلازمتين في جميع أدوارها، وخلال مئة عام تقريبًا:
الصفة الأولى، تمثلت في ظهور ثقافة مشتركة ومتشابهة في جميع أماكن كوردستان، عبّرت عن حالة من الرفض والتحدي والحث على الثورة؛ بسبب الظلم والقهر والحيف الذي أصابهم، نتيجة مصادرة حقوقهم السياسية والاقتصادية؛ ما طبع ثقافتهم بطابع ابراز وبعث الحس والشعور القومي.
الصفة الثانية، تمثلت بظهور ثقافة اندماجية -إن صح التعبير- مع الشعوب المجاورة لها بما فيهم العرب؛ نتيجة المصالح والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية مع هذه الشعوب. من أبرز ملامحها التأكيد على المشتركات الثقافية وابراز العلاقات الاجتماعية ونقاط الالتقاء الأخرى.
- بعض القصص الكوردية في السينما شكلت حضورا ناجحا ما الأسباب والموجبات؟
نتيجة الظلم الذي تعرض له الشعب الكوردي، وبشاعة صور هذا الظلم من عمليات التهجير والترحيل القسري، وحملات –الأنفال- الابادة الجماعية، والمقابر الجماعية؛ شكلت هذه المظالم، صدمة كبيرة للمثقفين الكورد، وولدت عندهم ردة فعل قوية، تمثلت في محاولة لتوثيق هذه الجرائم أولًا، وتعريف المجتمع الدولي بها ثانيًا. من خلال مئات الأعمال الأدبية والفنية، لعل من أبرزها الأفلام السينمائية التي تصور حجم وهول الكوارث التي أصابت الكورد، والتي جعلت العالم يتفاعل ويتعاطف معها وحصدت الكثير من الجوائز العالمية في هذا المضمار. على سبيل المثال لا الحصر فلم (شجعان في العراق) للمخرج الكوردي بهمن قبادي، لوحده حصل على أربع جوائز عالمية حتى الآن.
- ماذا يعني نبوغ بعض الكورد وفهمهم اللغة العربية أفضل من الكثير من العرب حتى أن بعضهم يدرّس اللغة العربية في الجامعات والمدارس
بحكم سياسة التعريب التي كانت تمارسها الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة في المناطق الكوردية الخاضعة لسلطاتها، وفرضها اللغة العربية في الدوائر الحكومية، والمؤسسات التعليمية؛ اضطر الكثير من الكورد في هذه المناطق، تلقي علومهم باللغة العربية، ولم يمنع هذا الاختلاف من استيعاب هذه اللغة، وهضم الثقافة العربية، وأحيانًا تجاوز المثقفين واللغوين العرب ذاتهم؛ بسبب حالة التحدي الذي كان حافزًا للمثقفين الكورد من استيعاب هذه اللغة والنبوغ فيها؛ اثباتًا لوجودهم الانساني أولًا، ومحاولة لعرض قضاياهم العادلة من خلال هذه اللغة عبر التأليف والنشر والعمل الصحفي ثانيًا.
- ماهي أعمالك الفنية؟ وهل كان للفن تأثيراً في أعمالك الأدبية؟
أقمت المعارض الفنية في بعض التجمعات والنوادي الترفيهية ونشرت الكثير من الرسوم الكاريكاتيرية في الصحف والمجلات المحلية، وحازت رسومي (رسوم الأطفال) على المراتب الأولى في معرض الكاريكاتير العراقي الشامل على قاعة الواسطي في مبنى وزارة الثقافة عام 2005. في عهد الوزير مفيد الجزائري. وبالتأكيد للفن أثره الكبير في أعمالي السردية، وبالذات الرواية الأخيرة (إنانا والنباش) حيث اعتمدت لوحة فنية مثيرة بعنوان (السلام قادم) في إحدى فصول الرواية، للفنان الأمريكي العالمي جون ماكنتون تمثل ظهور السيد المسيح كبشارة وايحاء بقدوم المنقذ أو المخلص الذي سيرافق الامام المهدي في مهمته الإلهية المقدسة في محاربة الظلم والطغيان. ناهيك عن لوحة الغلاف المثيرة للطبعة الثانية. والتي تجسد إنانا الجميلة وهي تتعرض لاعتداءات الشيطان الرجيم.
- ماهي أهم الأعمال الصحفية التي قمت بها؟
أسهمت مع مجموعة من الصحفيين الكورد البغداديين في تأسيس أول صحيفة عراقية ناطقة باسم الكورد الفيليين باسم (شمس الحرية) وعملت فيها محررًا وكاتبًا ورسامًا عام 2003. ثم عملت محررًا وكاتبًا في جريدة التآخي منذ العام 2009. ونشرت المئات من المقالات والأعمال الصحفية في الصحف والمجلات المحلية ولدي عمود أسبوعي شهير بعنوان (فلم الأسبوع) في جريدة التآخي الغرّاء تتناول ملفات المضطهدين والمظلومين والمسلوبة حقوقهم من قبل الحكومات المتعاقبة.
- إضافة لكونك أديب وكتبت الرواية والقصة والنقد الأدبي، لديك اهتمامات أخرى تتقنها هلّا حدثتنا عنها؟
أجيد مجمل العمل الصحفي تحريرًا وكتابةً، كذلك التصميم الفني الصحفي، وأجيد من فن الرسم: التخطيط بالرصاص، والكاريكاتير، ورسوم الأطفال، واللوحات الزيتية.
- ما رأيك بدار الورشة الثقافية للطباعة والنشر؟
من خلال ملاحظاتي المستمرة لنشاطات دار الورشة الثقافية للطباعة والنشر، وجدته فعال وحريص في متابعة ما يحدث في المشهد الثقافي العراقي ومؤثر في الحراك الثقافي من خلال نشر نشاطات الورشة المستمرة وتفاعله المستمر مع الوسط الثقافي بما يخدم موضوعات الثقافة العراقية المهمة والاشتراك في معارض الكتب وغيرها.. متمنيا له مزيدًا من النجاح والديمومة والتطور نحو أفق أرحب.