متابعة ـ التآخي
مع حصول الأمريكية كلوديا غولدين على جائزة نوبل للاقتصاد، تجدد الجدل بشأن الجائزة، بخاصة وأن نوبل للاقتصاد لم تكن ضمن جوائز نوبل في بداية الأمر، كما أوصى ألفريد نوبل. فما السبب وراء الجدل؟
وحصلت المؤرخة الاقتصادية الأمريكية كلوديا غولدين (الاثنين 9 تشرين الأول 2023) على جائزة نوبل للاقتصاد عن أعمالها حول مكانة المرأة في سوق العمل، لتكون بذلك ثالث امرأة تفوز بالجائزة. وقالت اللجنة التي منحتها الجائزة إن غولدين “قدمت أول وصف شامل لدخل المرأة ونتائج سوق العمل على مر القرون”.
وانضمت غولدين بعد حصولها على الجائزة المرموقة في مجال الاقتصاد إلى كوكبة من اثنين وتسعين اقتصاديا من بين الأكثر نفوذا وشهرة في القرن الماضي.
ومُنحت الجائزة العام الماضي إلى حاكم الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السابق بن برنانكي بالمشاركة مع مواطنيه دوغلاس دايموند وفيليب ديبفيغ، بفضل بحوثهم المتعلقة بالبنوك والأزمات المالية.
وما تزال الجائزة عرضة للجدل، لاسيما حيال أهليتها لتكون ضمن جوائز نوبل المرموقة في الأدب والسلام وغيرها، فضلا عن الجدل بشأن حصول بعض الشخصيات عليها.
وأوصى المهندس السويدي، الذي يُنسب إليه اختراع الديناميت، ألفريد نوبل عام 1895 بمنح جوائز في خمسة مجالات هي الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام، فيما قال نوبل في وصيته إن الفائزين بهذه الجوائز “يجب أن يكونوا قد قدموا أكبر فائدة للبشر خلال عام مضى”.
وفي عام 1968، قام البنك المركزي السويدي بإدراج جائزة للاقتصاد ضمن جوائز نوبل وذلك بعد مرور أكثر من 70 عاما على وفاة العالم السويدي.
يقول البعض إن جائزة نوبل للاقتصاد يجب ألا تكون ضمن جوائز نوبل؛ لأن العالم السويدي لم يوص بذلك فضلا عن أنه لا يوجد أي تبرير لمنحها؛ خاصة وأن مؤسسة نوبل أقرت بأن “جائزة العلوم الاقتصادية ليست من جوائز نوبل”.
ويعد بيتر نوبل، الذي ينحدر من أسرة لودفيج نوبل شقيق ألفريد نوبل، من أكثر المعارضين لمنح جائزة نوبل في الاقتصاد، إذ قال في عام 2005 إنه لا يوجد “أي مؤشر يدل على أن ألفريد نوبل كان يريد منح جائزة في الاقتصاد”.
ويضيف أن هذه الجائزة باتت تمنح في الغالب “لشخصيات تضارب في سوق الأوراق المالية وهو ما يتعارض مع قيم ومثل ألفريد نوبل الإنسانية. لقد باتت الجاهزة كما لو كانت إحدى جوائز نوبل. لكنها في حقيقة الأمر ليست أكثر من انقلاب علاقات عامة من قبل اقتصاديين بهدف تحسين سمعتهم”.
ودعا بعض السياسة في السويد إلى إلغاء جائزة نوبل للاقتصاد، فيما وصل الأمر إلى أن بعض الفائزين بالجائزة قالوا إنه لا ينبغي منح الجائزة في بادئ الأمر.
ومن بين هؤلاء كان الاقتصادي النمساوي فريدريش فون هايك، الذي فاز بجائزة نوبل للاقتصاد عام 1974، اذ قال في خطابه بمناسبة فوزه إن “جائزة نوبل تمنح الفرد ثقة ومسؤولية لا يستحقها أي إنسان يعمل في مجال الاقتصاد”.
الجدير بالذكر أن فوز الاقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان بجائزة نوبل للاقتصاد عام 1976، قد أثار موجة احتجاجات دولية واسعة النطاق بسبب كونه آنذاك شخصية مقربة من الدكتاتور التشيلي السابق الجنرال أوغستو بينوشيه.
ومؤخرا، أثار منح جون فوربس ناش، الجائزة عام 1994 الجدل بسبب اتهامات طالته بمعاداة السامية، فضلا عن غرابة أطواره فيما خلده فيلم “العقل الجميل”، الذي أُنتج عام 2001 وفاز بأربع جوائز أوسكار وجسد راسل كرو دور ناش.
وتتعرض الجائزة إلى انتقادات بسبب غياب العنصر النسائي إذ لم تمنح جائزة نوبل للاقتصاد إلا إلى ثلاث اقتصاديات هن إلينور أوستروم عام 2009 وإستير دوفلو عام 2019 وكلوديا غولدين عام 2023.
واُنيط بلجنة جائزة بنك السويد (البنك المركزي في السويد) للعلوم الاقتصادية المؤلفة من خمسة اقتصاديين أو أساتذة يجري اختيارهم من قبل الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، مسؤولية اختيار الفائز أو الفائزة بجائزة نوبل للاقتصاد.
وبحسب موقع الأكاديمية فإن عملية الترشيح تتضمن قيام اللجنة بإرسال خطابات سرية إلى “الأشخاص ذوي الكفاءة والمؤهلين للترشيح والتزكية بما يشمل أعضاء اللجنة وأعضاء الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم والفائزين السابقين بجائزة نوبل للاقتصاد وأساتذة الاقتصاد المرموقين في الجامعات والكليات في السويد والدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج وبعض الشخصيات الأخرى”.
ولا يمكن الإفصاح عن أسماء المرشحين، فيما يكون القرار النهائي في أيدي الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم التي تحدد الفائز بناءً على توصيات اللجنة.
وقبل الاقتصادية الأمريكية كلوديا غولدين، جرى منح 54 جائزة نوبل للاقتصاد إلى 92 شخصا من بينهم 61 فائزا، أي ما يعادل الثلثين، من الولايات المتحدة. ويأتي بعد الولايات المتحدة وبفارق كبير المملكة المتحدة ثم فرنسا ثم كندا فالنرويج.
وجرى منح الجوائز لأسباب عدة منها الاعتراف بالأبحاث والنظريات في مجال الاقتصاد وهو ما أشار إليه الاقتصادي بول كروغمان، الذي فاز بالجائزة عام 2008، في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” عام 2021، اذ قال إن الجائزة “تُمنح للأبحاث طويلة المدى وليس لدور الاقتصاديين في الجدل الحالي، ما يعني أنه من غير الضروري ارتباط الأمر بالسياسة الراهنة”.
الجدير بالذكر أن الفائز بإحدى جوائز نوبل يحصل على 11 مليون كرونة سويدية، أي ما يعادل 948 ألف يورو (مليون دولار أمريكي) فضلا عن إشادة وتخليد عالمي يرافقه حتى بعد الوفاة.
وفيما يتعلق بجائزة نوبل في المجالات الاخرى، فازت الناشطة الإيرانية نرجس محمدي بجائزة نوبل للسلام لعام 2023 وذلك على “معركتها ضد قمع النساء في إيران وكفاحها من أجل تشجيع حقوق الإنسان والحرية للجميع”، وفق لجنة نوبل. وتقضي محمدي حاليا أحكاما متعددة في السجن في طهران ومجمل العقوبات 12 عاما تقريبا وذلك وفقا لمنظمة (فرانت لاين ديفندرز). وهي واحدة من الفترات العديدة التي احتُجزت فيها خلف القضبان، وتشمل الاتهامات نشر دعاية ضد الدولة.
وفاز الناشط أليس بيالياتسكي، من بيلاروس، ومنظمتا ميموريال الروسية لحقوق الإنسان، و”مركز الحريات المدنية” الأوكرانية، بجائزة نوبل للسلام لعام 2022، تقديرا لجهودهم في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان. ساعد بيالياتسكي في تأسيس مجموعة “فياسنا” لحقوق الإنسان، وهو حاليا قيد الاحتجاز. وتأسست منظمة ميميوريال الحقوقية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بهدف دراسة انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في ذلك الوقت.
وفاز بجائزة نوبل للسلام 2021 في مجال حرية الصحافة، الصحفيان، الفيلبينية ماريا ريسا والروسي دميتري موراتوف، تقديراً لجهودهما في العمل الاستقصائي. وأسست ريسا موقع الصحافة الاستقصائي “رابلر” على الإنترنت، وركزت أعمالها على الحملة العنيفة المثيرة للجدل التي شنها الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي على المخدرات في بلاده. أما موراتوف، فقد شغل عدة مرات منصب رئيس تحرير صحيفة نوفايا غازيتا المستقلة في روسيا.
اما نوبل للسلام 2020 بشأن محاربة الجوع فقد تسلمها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، تقديراً لـ “جهوده في محاربة الجوع وتحسين الظروف لإحلال السلام في مناطق النزاع”.
وفي عام 2019 منحت جائزة السلام لرئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد تقديراً لجهوده في صنع السلام مع إريتريا بعد نزاع دام عقوداً، لكن انتقادات طالته بعد الحرب في إقليم تيغراي.
ونوبل للسلام 2018 كانت بشأن مكافحة العنف الجنسي وحصل عليها الطبيب الكونغولي دينيس موكويغي والناشطة الإيزيدية ناديا مراد الضحية السابقة لتنظيم (داعش)، تكريماً لجهودهما في مكافحة العنف الجنسي المستغل في النزاعات في العالم.
ونوبل للسلام 2017 كانت من حصة جهود حظر الأسلحة النووية وذهبت الى الحملة الدولية للقضاء على الاسلحة النووية (آيكان) لمساهمتها في اعتماد معاهدة تاريخية لحظر الاسلحة النووية.
ونوبل للسلام 2016 ذهبت الى إنهاء النزاع في كولومبيا وتسلمها الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس عن التزامه في إنهاء النزاع المسلح مع مقاتلي “القوات المسلحة الثورية الكولومبية” (فارك).
اما نوبل للسلام 2015 فكانت من حصة إنقاذ عملية الانتقال الديمقراطي بتونس، ونالها الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس المؤلف من أربع منظمات من المجتمع المدني، الذي أتاح إنقاذ الانتقال الديمقراطي في البلاد؛ وهي الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين بتونس والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، وتسلم الجائزة الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي.
وكانت جائزة نوبل للسلام 2014 عن حق الأطفال والشباب في التعليم، وتسلمتها ملالا يوسف زاي (باكستان) وكايلاش ساتيارتي (الهند) عن “نضالهما ضد اضطهاد الاطفال والشباب ودفاعهما عن حق كل الاطفال في التعليم”، ونوبل للسلام 2013 ضد “أسلحة الدمار الشامل”، تسلمتها منظمة حظر الاسلحة الكيميائية عن جهودها الهادفة لتخليص العالم من أسلحة الدمار الشامل، وتسلم الجائزة رئيس المنظمة وقتها أحمد أوزومجو.
ونوبل للسلام 2011 كانت بشأن النضال السلمي من أجل حقوق النساء ونالتها إيلين جونسون سيرليف وليما غبوي (ليبيريا) وتوكل كرمان (اليمن) عن نضالهم بوسائل سلمية من أجل أمن المرأة وحقوقها في المشاركة في عملية السلام.