الكاتب والباحث : سردار علي سنجاري
الجزء السابع
بعد انتكاسة ثورة ايلول المجيدة التي تآمرت عليها القوة الاقليمية والمحلية والدولية بهدف انهائها، دخلت منطقة الشرق الاوسط برمتها في ازمات متعاقبة كانت اهمها الحرب العراقية الايرانية التي استمرت ثمان سنوات كلفت البلدين الملايين من الضحايا وازمات اقتصادية واجتماعية اضعفت قدرات البلدين ولايزال العراق الى يومنا هذا يدفع ثمن تلك الاتفاقية الخيانية بحق الشعب الكوردي .
ان الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حلت بالعراق بعد إتفاقية الجزائر كانت قاسية على الشعب العراقي ، بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية احتل العراق دولة الكويت الجارة المسالمة نتج عنه خسائر بشرية هائلة في صفوف الجيش العراقي وفرض حصار على العراق ادى الى انهيار الاقتصاد العراقي الذي تحمله المواطن العراقي البسيط وكذلك وفاة الالاف من اطفال العراق بسبب شح المواد الغذائية والطبية. واخيرا انطلاق عملية تحرير العراق من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وما نتج عن ذاك الاحتلال من ازمات ادت الى نشوب الحرب الطائفية وايجاد الارضية الخصبة للارهاب الذي تسبب في تشريد ثلث سكان البلاد ونزوحهم او دفعهم الى الهجرة خارج العراق . نعم القرارات السياسية الخاطئة لها تكلفتها على المدى البعيد .
لو اتفقت حكومة البعث العراقي في أواسط السبعينات من القرن الماضي مع القيادة الكوردية والبارزاني الخالد وبداء العراق في تعزيز مكانته السياسية والاقتصادية وبالاخص بعد تأميم النفط والاموال الطائلة التي دخلت خزانة الدولة. لو تم وقتها حل المشكلة الكوردية بالطرق السلمية وتحقيق التوافق بين مكونات الشعب العراقي والعدالة والحرية لاصبح العراق اليوم من اغنى واهم دول العالم.
لكن العنجهية والغرور الذي اصاب القيادة العراقية انذاك تسبب في تاخر وتخلف العراق محليا واقليميا ودوليا ، وما تزال تلك العقلية للاسف الى يومنا هذا تتعامل بنفس الطريقة ونفس التفكير والمنهجية باتجاه الشعب الكوردي وقضيته العادلة .
بعد انتكاسة ثورة ايلول المجيدة وتشتيت صفوف الحزب الديموقراطي الكوردستاني وقيام العديد من اعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي بالعودة الى العراق مستفيدين من قرار العفو الذي اصدره مجلس قيادة الثورة العراقي انذاك وانشقاق البعض من اعضاء الحزب ادى الى تشتيت الحزب لفترة وجيزة . ولكن لم تمر اشهر على انتكاسة ثورة ايلول المجيدة حتى بدا العمل الجاد والتخطيط للعودة الى استمرار الثورة وكان الاخوين المناضلين السيد الرئيس مسعود البارزاني والشهيد الخالد ادريس البارزاني من اوائل المتحمسين لهذه الفكرة وانبثقت القيادة المؤقتة للحزب الديموقراطي الكوردستاني في العاشر من كانون الاول ١٩٧٥ .
مر الحزب الديمقراطي الكوردستاني بالعديد من المراحل بعد انتكاسة ثورة ايلول المجيدة كان اهمها الثورة الايرانية التي قادها الامام الخميني والتي اطاحت بالنظام الشاهنشاهي الذي غدر بالثورة الكوردية فلاقى مصيره المحتوم بثورة شعبية اطاحت بنظامه ولم يجد بين مسانديه من الدول الغربية وامريكا تحديدا حيث كان يسمى بشرطي الامريكي في الخليج مكانا يلجأ اليه حتى استقبله الرئيس المصري الراحل انور السادات وكانت نهايته تليق بظلمه للشعب الكوردي . الثورة الايرانية التي عقد عليها الحزب الديمقراطي الكوردستاني الامال بدات بالتعاطف مع القضية الكوردية ووفرت للحزب الديمقراطي الكوردستاني مناخاً للعمل السياسي والعسكري و وسائل للكفاح ضد الديكتاتورية في بغداد من جديد، لكن في نفس الوقت قامت الثورة الايرانية بقمع التحركات الكوردية في كوردستان ايران المطالبة بالعدالة والحرية الشعب الكوردي .
لم تمر فترة طويلة على الاطاحة بشاه ايران حتى تنصلت القيادة العراقية البعثية التي وصل الى اعلى سلطتها صدام حسين من اتفاقية الجزائر التي وقعها بنفسه عندما كان نائبا لمجلس قيادة الثورة ونائب الرئيس، ولم يقف العراق عند هذا بل شن حربا هوجاء ضد الجمهورية الايرانية الفتية استمرت ثمان سنوات عجاف وكانت تلك المرحلة ايضا من المراحل الهامة التي مر بها الحزب الديمقراطي الكوردستاني حيث وجد نفسه وسط تلك الحرب .
الحرب العراقية الايرانية اعطت المجال للتحرك اكثر في المناطق الكوردية بسبب سحب العديد من قطاعات الجيش من تلك المنطقة الى المناطق الجنوبية التي اشتدت فيها القتال وحاول الحزب الديمقراطي الكوردستاني اعادة ترتيب مواقعة وقواته والبدء في التحرك بشكل اكثر تنظيما وخاصة عند التحاق العديد من شباب الكورد الفارين من محرقة القادسية التي لم تكن للكورد فيها لا ناقة ولا جمل.
استخدم الحزب في مواجهته مع النظام البعثي العراقي اسلوب حرب العصابات التي أوقعت خسائر كبيرة في صفوف قوات النظام ، ولكن في عام ١٩٨٨ وبعدما استخدم النظام الصدامي السلاح الكيميائي في حلبجة والتي راح ضحيته اكثر من ٥٠٠٠ خمسة الاف مواطن بريء عندها تم التفكير في اعادة النظر في استراتيجية حرب العصابات واللجوء إلى أساليب أخرى للمقاومة والتركيز على المدن و التجمعات السكانية وابقاء قدر محدود من فصائل البيشمركة لرفع معنويات الجماهير لكن التركيز يجب أن يكون أكثر للعمل على تنشيط التنظيمات وتعزيز قواعد الحزب في المدن الكوردستانية والتجمعات السكنية .
عند انتهاء الحرب العراقية الايرانية سنة ١٩٨٨ بدات الحملات الانتقامية من قبل النظام الصدامي على الشعب الكوردي فبدأت حملات الانفال السئية الصيت التي نفذها النظام البعثي بحق الشعب الكوردي والذي راح ضحيتها اكثر من ١٨٠ مائة وثمانون الف مواطن بين طفل وامراة وشيخ وشاب وتدمير اكثر من ٤٠٠٠ اربعة الاف قرية آمنة كما قام النظام البعثي بحملة ضد منطقة بارزان معقل الزعيم الخالد الملا مصطفى البارزاني وارتكاب ابشع الجرائم بحق البارزانيين وتدمير قراهم واعدام شبابهم ،تلك السنوات كانت من السنوات الصعاب على الحركة الكوردية والحزب الديمقراطي الكوردستاني بالتحديد فمن جهة الآمال انقطعت من الدعم الخارجي ومن جهة اخرى استخدم النظام البعثي سياسة العقاب والقتل الجماعي والارض المحروقة التي كلفت الشعب الكوردي في العراق الكثير من الخسائر البشرية والمادية .
اما المرحلة الفاصلة في تاريخ الحزب جاءت بعد الانتفاضة الشعبية المباركة في مدن العراق ومن ضمنها المدن الكوردستانية التي انتفضت واحدة تلو الاخرى بوجه النظام الديكتاتوري الصدامي سنة ١٩٩١ والتي انتهت بدحر قوات النظام واجهزته القمعية و السيطرة على العديد من المدن العراقية . وعند عودة الحزب الديمقراطي الكوردستاني الى المناطق المحررة بأعادة هيكلية التنظيمات الحزبية والاتفاق مع الاحزاب الكوردستانية الاخرى التي شكلت مع الحزب الديمقراطي الجبهة الكوردستانية كبديل عن مؤسسات الدولة التي انسحبت من المناطق الكوردستانية.
بعدها تم الاتفاق على توحيد الصف الكوردي من اجل الحفاظ على مكتسبات الانتفاضة المباركة وعليه عادت بعض الاحزاب الكوردية التي تأسست بعد انتكاسة ثورة ايلول الى العمل المشترك مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني كحزب الشعب الديمقراطي الكوردستاني الذي كان يتراسه الشهيد سامي عبد الرحمن والاتحاد الديموقراطي الكوردستاني الذي كان يتراسه المرحوم المناضل علي سنجاري وكذلك بعض الاحزاب اندمجت مع الاتحاد الوطني والكوردستاني وبقت الاحزاب الاسلامية الكوردية والحزب الاشتراكي الكوردستاني كاحزاب سياسية ما تزال تعمل الى وقتنا هذا.
قبل عودة الاحزاب الكوردية الى الحزب الأم بدأ الحزب الديمقراطي الكوردستاني العمل على ايجاد صيغ دستورية لديمومة الحالة الكوردية ضمن منهجية قانونية تكفل الحفاظ على مؤسسات المناطق الكوردستانية وترتيب هيكلية حقوق المواطنين فتم الاتفاق على انبثاق اول برلمان كوردي مع الاتحاد الوطني الكوردستاني والاحزاب الكوردستانية الاخرى التي حصل فيها الحزب الديموقراطي الكوردستاني النسبة الاعلى ولكنه ومن مبدأ الحرص على وحدة الصف القومي ولنجاح التجربة الفتية اتفق مع الاتحاد الوطني الكوردستاني على المناصفة مع اعطاء مقاعد للاحزاب الصغرى التي لم تفز والتي فضلت العودة الى احضان الديمقراطي.