ماجد زيدان
في الايام القليلة الماضية , هرع اصحاب الودائع النقدية في المصارف لسحب اموالهم منها بطريقة لم يسبق لها مثيل ووصلت بأحد المودعين في البنك الاهلي الاردني للتهديد باتخاذ اجراءات عنيفة ما لم يحصل على امواله التي اودعها بالدولار ورفض ان يتسلمها بالدينار بناء على تعليمات البنك المركزي الذي سرعان ما صحح ونفى تصريحات احد كبار المسؤولين فيه الى وكالة ” رويترز” والقى باللائمة على الصياغة اللغوية !.
الواقع منذ فترة والخبراء الاقتصاديون والسياسيون على اختلاف انتماءاتهم يشخصون ان البنك المركزي فشل في ادارة السياسة النقدية وحل ازمة الدولار وتخفيف الضغوط على الاقتصاد الوطني وحل مشكلة تهريب العملة الاجنبية والتقريب بين سعر الصرف الرسمي والسعر الموازي , بل ان هذه التصريحات , رغم نفيها , اثارت الخوف بشان سعر الصرف الذي سيبلغ 1700 دينار للدولار الواحد , وبالتالي انعكست سلبا على الحياة اليومية والمعيشية للمواطنين وخفضت من مستواها التي هي اصلا في ادناها والمعاناة تشتد جراء انخفاض قيمة الدينار .
لم يعد بالإمكان مداراة الفشل الذريع وتدثره بتصريحات سرعان ما يتبين خطلها وعدم علميتها لان البناء الذي بني عليه الاقتصاد الوطني على اساس ذات الاساس السياسي وهو المحاصصة البعيد كليا عن الاصلاح ,لن تقوم لاقتصادنا وعملتنا تحديدا ما لم نفك الارتباط بالدول المعاقبة وتمويل اقتصاداتها دون مراعاة للمصالح الوطنية , وبالتالي طمأنة الاقتصاد العالمي , فها هي الولايات المتحدة انتقلت من التحذيرات المتكررة الى الاجراءات العملية بامتناعها عن تحويل مليار دولار نقدا من اموالنا اضافية لتمويل مزاد العملة.
ان الساسة النقدية والمالية بحاجة الى الوضوح والشفافية والابتعاد عن الغموض الذي يرتد سلبا على الاقتصاد الوطني ومؤسساته , لا يمكن لمثل هذه السياسات القائمة الان , والتسويف والمماطلة في الاستجابة لمتطلبات المؤسسات النقدية العالمية في القضاء على التهريب وبناء نظام مصرفي سليم ومعافى لا يعتاش على تهريب الدولار وعمولات بيعه ولخدمة بعض الاحزاب النافذة في السلطة ومكاتبها الاقتصادية , وانما يمارس اعمالا مصرفية حقيقية ويسهم في التنمية بأوجهها المعلومة وقادر على تمويل نفسه بنفسه وليس على ما يجنيه من السوق الموازية للدولار وخاضع للرقابة الرسمية الصارمة وسلطاتها المحددة .
عند رؤية الهرولة نحو المصارف لسحب الودائع جراء التصريح غير المدروس واجراءات البنك المركزي المتخبطة قفزت الى الذهن واللسان عند الناس ما جرى في لبنان وما زال من انهيار اقتصادي مع الفارق بين البلدين , لابد من معالجة عاجلة بتغيير القائمين على سياسة البنك المركزي واسنادها لذوي الكفاءات والمهنية وانتشاله مما هو فيه من ترد لاستعادة ثقة المواطنين , وفي مقدمتها عن استقرار سوق الصرف واتجاهه نحو انخفاض قيمة الدولار بخطوات ذات مصداقية تضمن حقوق المواطنين وتمنع الاضرار بهم .