هل تواجه نقابة الصحافيين مؤامرة جديدة لضربها من الداخل .. الصحافيون في مصر يخشون من تحويل نقابتهم إلى ناد اجتماعي
التأخي / احمد جمال
عادت المشاحنات داخل نقابة الصحافيين المصرية بعد فترة هدوء لم تدم طويلا عقب انتخاب النقيب المحسوب على المعارضة خالد البلشي .
وتفجر صراع بين النقيب وعضو مجلس النقابة عبدالرؤوف خليفة بسبب تأسيس الثاني لجمعية أهلية تعنى بتقديم خدمات للصحافيين، والتي أثارت مخاوف لدى قطاع كبير من أبناء القطاع حول أهدافها الحقيقية، في ظل محاولات سابقة لتحويل النقابة إلى ناد اجتماعي .
وقرر مجلس نقابة الصحافيين إعفاء خليفة من مهامه كرئيس للجنة الإسكان، وطالبه بإلغاء الجمعية لتعارضها مع أدوار النقابة، ومخاطبة وزارات بوقف نشاطها وحظر التعامل معها لمخالفتها وتعدّيها على اختصاصات نقابة الصحافيين .
وأحال المجلس شكاوى قدمها عدد من الصحافيين للتحقيق مع خليفة بشأن “تأسيس جمعية تختص بشؤون تقع تحت أساسيات العمل النقابي واختصاصات النقابة.. واستغلال اسم الصحافيين والزج بهم في اسم جمعيته”، وقدم شكوى أخرى ضد خليفة أيضا تتهمه بتهديد أحد زملائه بـ”الخطف والسجن .”
ويتوافق صحافيون على أن مجلس النقابة الحالي استطاع أن يحرك بعضا من المياه الراكدة على مستوى تقديم الخدمات واستعادة الثقة بين الأعضاء ونقابتهم، لكنه لا يزال بحاجة إلى المزيد من الجهد ليمتد دوره إلى تحسين أوضاع العمل المهني الحقيقي، والاعتماد على الخدمات وإتاحة أماكن لتواجد الصحافيين داخل نقابتهم يندرج تحت فكرة أنها تقوم بدور يشبه النادي الخدماتي أو الاجتماعي .
وظهر الصراع بعد نشر خليفة عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك منشوراً أعلن فيه بدء مرحلة جديدة من العمل النقابي، وتدشين “جمعية الصحافة للخدمات والتنمية”، وهو ما رد عليه البلشي بتأكيده أن “النقابة لا تحتاج إلى جمعية أهلية، وأي جمعية لا تكون سوى بإشراف وغطاء النقابة كاملا .”
وترك التراشق الذي حدث بين البلشي وخليفة في أحد البرامج التلفزيونية قبل أيام أثره على مستوى الأزمة التي تمددت وبدأت تحمل معها أبعادا سياسية، حيث اتهم خليفة البلشي وعددا من أعضاء المجلس بأنهم محسوبون على “التيار الشيوعي”، وأنهم قاموا بالهيمنة على مقدرات النقابة والاستحواذ على المناصب الداخلية بالمجلس .
ويشير خليفة إلى أنه لا ينتمي إلى تيار سياسي ونجح في الانتخابات الماضية دون أن يرتكن إلى تيار يدعمه، غير أن دخوله في صدام مع أعضاء المجلس من المحسوبين على من يسمون بـ”تيار الاستقلال” وهم أقرب إلى المعارضة، جعل صحافيين يتساءلون ما إذا كان إشهار الجمعية له علاقة بشق الصف وشغل المجلس بخلافات داخلية بعيداً عن الهموم الرئيسية التي تتعدد بين المشاغل المهنية والاجتماعية والحريات العامة .
وأعادت الواقعة التذكير بمحاولات سابقة تعرضت فيها النقابة لاستهدافات، أبرزها مساعي الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1979 لتحويلها إلى “ناد اجتماعي” يقدم الخدمات والرحلات والأنشطة للأعضاء العاملين والمتقاعدين، بما يبعدها عن ممارسة أي دور سياسي .
وتعرضت النقابة أيضا منذ نحو عقدين لمحاولة أخرى لتدشين كيان مواز يحمل اسم “نقابة الصحافيين المستقلة” أودعت أوراقها في وزارة القوى العاملة وأصدرت جريدة “صاحبة الجلالة”، وروجت لنفسها أنَّ لها مزايا مثل نقابة الصحافيين الرسمية، لكن هذا الكيان واجه رفضا من النقابة الأم وانتهى بإجهاض التجربة .
وقال عضو مجلس نقابة الصحافيين سابقًا كارم محمود : إن تأسيس جمعية تقدم نفس الخدمات التي تقدمها نقابة الصحافيين يشكل خطراً ويهدد بزعزعة النقابة وتفتيتها، ما يجعل من الواجب التعامل معه بحسم، وإن استلزم الأمر اتخاذ إجراءات تأديبية ضد من قاموا بتأسيسها أو من يحاولون نشرها بين الصحافيين .
وأضاف محمود أن رفض الجماعة الصحافية لأي كيان مواز ليس مستغربًا، لأن النقابة تعرضت لمحاولات عدة بغرض إضعافها وشغلها عن أهدافها الرئيسية، وتدشين جمعية من قبل أحد أعضاء مجلس النقابة المنتخبين سيكون له تأثير قوي، لأنه يرفض القيام بأنشطة اجتماعية أو مهنية تتيحها مهام منصبه لصالح جمعية من خارج النقابة، ويمكن القبول بالجمعية إذا كانت تحت غطاء النقابة وتقوم برعاية أنشطتها .
وأشار إلى أن خداع مجلس النقابة بإقامة كيان يعمل تحت سلطتها ثم الانفراد به يحمل شبهة فساد ما يطرح تساؤلات حول النوايا الحقيقية لإنشائه، وهو إفساد لأنه يقوم بتحريض أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين للانتماء إلى الجمعية المزعومة، والاحتيال على قوانين النقابة والدستور الذي يمنع تعدد العمل النقابي
وعلى الرغم من أن محمود أسس جمعية “الحج والعمرة” التي تقدم تسهيلات للصحافيين عام 1999، إلا أنه شدد على أن الجمعية عملت تحت غطاء النقابة وليس بمعزل عنها، وهدفها زيادة تأشيرات رحلات الحج والعمرة، وتختلف عن الجمعية الحالية التي تُقدم جميع الخدمات من تدريب وفرص عمل وإسكان بعيداً عن إشراف النقابة .
وبرر خليفة خطوته في تصريحات إعلامية بأن الجمعية جرى تأسيسها في إطار شرعي ووفقا لقانون الجمعيات الأهلية، وحصلت على موافقة قانونية، وأنه عرض الأمر على مجلس النقابة الذي وافق بالإجماع على تأسيسها، مشيرا إلى أن هدفه الأول من الجمعية هو أن تشمل الرعاية الكاملة لأسر الصحافيين، والاستفادة من بعض الجهات الدولية التي تمنح ميزات للجمعيات الأهلية دون النقابات .
وأوضح رئيس لجنة استقلال الصحافة بشير العدل أن معالجة قضية الجمعية تشعبت، وأن التعامل معها خرج عن الإطار المؤسسي النقابي، وأن لجوء العديد من أعضاء مجلس النقابة إلى مواقع التواصل الاجتماعي للإدلاء بآرائهم تجاه قضايا نقابية أمر مستحدث، ما يدين النقيب الحالي ومجلس نقابته .
وذكر العدل أن اتجاه أي صحافي لتأسيس جمعية خدمية لا يشكل اعتداء على دور نقابة الصحافيين الذي تحدده اللوائح والقوانين الداخلية، والمشكلة أن مؤسسها عضو بمجلس النقابة، ما يخلق ازدواجية في العمل العام، لكن من الناحية القانونية فإنه لم يخالف القانون .
ولفت إلى أن الخلفية السياسية لا تغيب عن الخلافات التي تنشب بين مجالس النقابات التي غالبا تكون غير متجانسة، وكل مجلس يواجه اتهامات بأنه يستهدف تحقيق مصالح تيار سياسي بعينه باختلاف التوجهات السياسية، لكن ذلك لا يؤثر على قوة النقابة وتماسكها باعتبارها أقدم الكيانات النقابية في مصر، وأسست اتحاد الصحافيين العرب .
وما جعل الهواجس تتزايد أن الصحافيين يرون أن نقابتهم لم تعد تحظى بنفس القوة والتأثير اللذين كانت عليهما قبل عقود وأن تأسيس مجالس وهيئات الإعلام (المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام) خصم كثيرا من دورها، وظهور جمعية بشكل مفاجئ مسألة تثير التساؤلات والمخاوف .
ولدى شريحة كبيرة من الصحافيين قناعة بأن تحركات مجلس النقابة الحالي الذي تهيمن عليه نزعة المعارضة قد تواجه بعراقيل من جانب أطراف لا تستريح لذلك، خاصة أن المعارضين يرتكنون إلى نظرية المؤامرة، ويتعاملون مع خطوات مثل تأسيس الجمعية على أنها دليل دامغ على صحة رؤيتهم .