الإستفتاء والذين إنحنوا لغير الله

صبحي ساله يي

خلال فترة الإعداد لإجراء الإستفتاء في أيلول 2017 في كوردستان، إدعى الكثير من السياسيين وأشباههم، ومن الذين لم يسبق لهم أن تشرفوا بحمل سلاح الثورة الكوردستانية أو رموا حجر ضد أعداء الكورد، أو تصدوا بكلمة حق واحدة لصالح الكورد وكوردستان، إدعوا البطولة والوطنية ونشروا وأصدروا ما شاؤا من بيانات وتصريحات تفاخروا فيها بأنهم مع الإستفتاء وحق تقريرالمصير، ومن مؤيدي وأصدقاء الرئيس مسعود بارزاني وكانوا يعرضون صورهم معه خلال اللقاءات الشخصية والإجتماعات والكرنفالات الجماهيرية، وحتى البعض منهم لجأ الى الفوتوشوب ليظهر نفسه في صورة مزيفة مع الرئيس بارزاني للإفتخار أمام أهله وأصدقائه أو للاستقواء على رفاقه في الحزب والإستحواذ على تمثيلهم السياسي، ولكن بعد تعرض الإقليم لأزمات ما بعد الإستفتاء، وعندما تبين أن الاتفاق بين أربيل وبغداد ليس سهلاً بسبب النقاط الخلافية والكثير من القضايا المفتعلة من قبل بغداد وبحثها الدائم عن قضايا تثير التجييش والاستنفار والتحريض والكراهية ضد الكورد، وتقديمها لمطالب وشروط مستحيلة. وبعد رصد الخسائر الكوردستانية المترتبة على تراجع الدعم والتأييد الدوليين للنظام القائم في إقليم كوردستان، إستنفر بعضهم مع الكثير من المنتمين للأحزاب الباهتة وللتجمعات الشبيهة بالأحزاب التي تقاد من قبل أشباه سياسيين في كوردستان، وهم مدفوعين برغبات ذاتية، أو بتحريض ووعود وإغراءات من ميليشيات بغداد وأطراف خارجية أخرى وخصوصاً أنقرة وطهران، فإنتقدوا وهاجموا رئاسة وحكومة وبرلمان كوردستان، وفي سعي ساذج للحفاظ على أوضاعهم المريحة، ولكسب مصداقية مزيفة وشرعية وهمية، بحثوا عن مواقع ومكاسب هنا وهناك ولم يتورع بعضهم في إطلاق الشائعات والأكاذيب حول مستقبل الإقليم وتهديد استقراره وأمنه.

كما لعبوا أدوارا خبيثة وتضليلية ساهمت في تأجيج التضليل والتزييف وقلب الحقائق والصراع بين أربيل وبغداد وبين الكوردستانيين، وتجرؤا على قادة الإستفتاء وركبوا موجة ما تسمى (المعارضة)، والبعض منهم وبخطوات فاشلة سعوا الى الوصول للسلطة من خلال الدعوة الى حكومة الانقاذ الوطني تارة، والاستقالة من البرلمان والحكومة تارة أخرى، وتبرئة أنفسهم من المسؤولية والتنظير لعهد جديد.

وربما، خوفاً من إتهامات بالتخوين أو طمعاً في الحصول على منصب أو تماهياً مع رغبات الأعداء، إدعوا إنهم كانوا يعلمون بأن الإستفتاء، غلطة، بل وتبجح بعضهم بالقول إنه عارض إجراء الاستفتاء، لعدم توفر الأرضية الملائمة، ونصح القيادة الكوردستانية بهذا وذاك ولم تسمع كلامه، ولو سمعوا كلامه لكانت الأمورمختلفة وعلى غير وضعها الحالي.

هؤلاء إنحنوا أمام التافهين، وصدرت عنهم سلوكيات غريبة وعجيبة، وتصريحات تهدف لخلق الفتن، وساهموا في إرباك التجربة الديمقراطية، ومهّدوا دعائياً وتعبوياً وسياسياً، لحكم البلاد بالتسويف وسياسات الأمرالواقع وقرارات إرتجالية وقضائية أحادية خارجة عن الدستور، وأيّدوا مخرجاتها، وظنوا أنّهم بتأييدهم للمسار المعادي للإقليم وبراءتهم من الإستفتاء الشعبي، ستتعزّز شعبيّتهم، وسيفوزون بمقاعد كثيرة في الإنتخابات، ولكن تبيّن لاحقا أنّ حساباتهم الصبيانية في الحقل كانت خاطئة، وذهبت أحلامهم الوردية في البيدر أدْراج الرياح، وثمّ عادوا خالي الوفاض.

مع ذلك ظل الرهان يداهمهم على أن الشعب طيب القلب وسريع النسيان، ولن يتذَكرَ ماضيهم، وظنوا أن حضورهم المستمر في المشهد السياسي والإعلامي يؤهلم لتولي زمام الامور أو بعضها، ويساعدهم في تبييض ماضيهم وتضخيم أنفسهم وتعظيم أدوارهم، ومحو ذاكرة الكوردستانيين وتضليلهم بماكنة إعلامية قوية من فضائيات وإذاعات ووسائط تواصل اجتماعي وبخطابات وبيانات ومقالات مدفوعة الثمن من المال الحرام. ولكن تم عزلهم وتهميشهم ويقفون الآن عراة لا يملكون ما يسترون فيه حقيقة فشلهم وينظر اليهم الكثيرون بنظرات إحتقار.

وفي المقابل كان هناك أناس كانت لهم مواقف وطنية واضحة تجاه الإستفتاء ونتائجه وتداعياته، وإستمروا على مواقفهم ونهجهم وإبراز الإيجابيات دون مبالغة، ولم يغيروا إنتماءاتهم وولاءاتهم وتفاعلوا بإنصاف مع الأحداث والمتغيرات ورفضوا الانحناء لغير الله، وأدرجت أسمائهم على لائحة المتفائلين، ومازالوا يسيرون بخطى صحيحة وثابتة، ويفكون الألغاز المتراكمة، ويرون أن المراجعة الشاملة لرصد أخطاء الماضي فريضة واجبة، ويتدخلون في الأوقات المناسبة للإشادة بالإستفتاء، وحثّ الكوردستانيين على تحمل الأزمات، ويشاركون في البحث عن الآليات التي يمكن من خلالها تجاوز التحديات في المستقبل القريب، بإعتبار أن الأمورغير قاتمة بالمطلق، وأن لا وجود لمشكلة مهما كانت معقدة دون حل حاسم، وبأن ثمة انفراجاً سوف يحدث في البلاد قريباً أنشأ الله.

قد يعجبك ايضا