الصين وسوريا تعلنان عن إقامة “شراكة استراتيجية”

 

التآخي – وكالات

اتفقت بكين ودمشق على إقامة “شراكة استراتيجية” بحسب ما أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال لقائه الرئيس السوري بشار الأسد في هانغجو شرقي البلاد على هامش دورة الألعاب الآسيوية. وتعد الصين ثالث دولة غير عربية بعد روسيا وإيران يزورها الرئيس السوري في سنوات النزاع المستمر في بلاده منذ 2011، كما منحته دعمها في مجلس الأمن عبر الامتناع بانتظام عن التصويت على القرارات المعادية لنظامه.

 

 

 

وتعد هذه أول زيارة رسمية للأسد منذ نحو عقدين إلى الدولة الحليفة، فيما يجهد للحصول على دعم لإعادة إعمار بلاده التي دمرتها الحرب.

وتندرج الزيارة في إطار عودة الأسد تدريجا منذ أكثر من سنة إلى الساحة الدولية بعد عزلة فرضها عليه الغرب لاسيما بسبب قمعه الحركة الاحتجاجية في بلاده التي تطورت إلى نزاع مدمر.

في السياق، يقول الرئيس الصيني على وفق تقرير لشبكة “سي سي تي في” التلفزيونية الرسمية عن الاجتماع “نعلن بصورة مشتركة إقامة الشراكة الاستراتيجية بين الصين وسوريا، التي ستصبح محطة مهمة في تاريخ العلاقات الثنائية”.

ووقف الأسد قبالته محاطا بوفد مكوّن من تسعة أشخاص، في غرفة مزيّنة بلوحة جدارية ضخمة تمثّل سور الصين العظيم، وقد تمّ رفع العلمين الصيني والسوري.

وأضاف شي “في مواجهة الوضع الدولي المليء بعدم الاستقرار وعدم اليقين، الصين مستعدّة لمواصلة العمل مع سوريا، والدعم القوي المتبادل بينهما، وتعزيز التعاون الودّي، والدفاع بشكل مشترك عن الإنصاف والعدالة الدوليين”، وشدد بالقول أن العلاقات بين البلدين “صمدت أمام اختبار التغيرات الدولية” وأن “الصداقة بين البلدين تعزّزت بمرور الوقت”.

من جانبه، أعرب الرئيس السوري عن تطلّعه لـ “دور الصين البنّاء على الساحة الدولية ونرفض كل محاولات إضعاف هذا الدور عبر التدخل في شؤون الصين الداخلية أو محاولات خلق توتر في بحر الصين الجنوبي أو في جنوب شرق آسيا”.

وقال الأسد إن “هذه الزيارة مهمة بتوقيتها وظروفها حيث يتشكل اليوم عالم متعدد الأقطاب سوف يعيد للعالم التوازن والاستقرار، ومن واجبنا جميعا التقاط هذه اللحظة من أجل مستقبل مشرق وواعد”. وأضاف “أتمنى أن يؤسّس لقاؤنا اليوم لتعاون استراتيجي واسع النطاق وطويل الأمد في شتى المجالات”.

وتشكّل هذه الرحلة خطوة دبلوماسية متقدمة للرئيس السوري الذي نادرا ما يغادر بلاده. كما تكتسب أهمية بعد التظاهرات التي اندلعت مؤخرا في مدينة السويداء في جنوب سوريا، للمطالبة برحيله.

 

 

 

وشهد العام الحالي تغيرات على الساحة الدبلوماسية السورية تمثلت باستئناف دمشق علاقتها مع دول عربية عدة على رأسها المملكة العربية السعودية، واستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية ثم مشاركة الرئيس السوري في القمة العربية في جدّة في أيار 2023 للمرة الأولى منذ أكثر من 12 عاما

وتسارعت التحوّلات الدبلوماسية على الساحة العربية بعد اتفاق مفاجئ بوساطة صينية أُعلن عنه في آذار وأسفر عن استئناف العلاقات التي كانت مقطوعة بين السعودية وإيران.

كما جاءت زيارة الأسد في وقت تؤدي بكين دورا متناميا في الشرق الأوسط، وتحاول الترويج لخطتها “طرق الحرير الجديدة” المعروفة رسميا بـ “مبادرة الحزام والطريق”، وهي مشروع ضخم من الاستثمارات والقروض يقضي بإقامة بنى تحتية تربط الصين بأسواقها التقليدية في آسيا وأوروبا وإفريقيا.

وانضمت سوريا في كانون الثاني 2022 إلى مبادرة “الحزام والطريق”.

وأدت الحرب في سوريا إلى تدمير هائل للبنية التحتية وتحطيم كثير من القطاعات الحيوية للاقتصاد، بما في ذلك النفط، فيما تخضع الحكومة السورية لعقوبات دولية قاسية.

ويرى المراقبون أن الدور المتعاظم للصين في المعادلات السياسية والاقتصادية حول العالم الذي تضاعف بعد الأزمة الأوكرانية، يمكنها من الانخراط الايجابي أكثر في واحدة من أعقد الأزمات الملتهبة في المنطقة وهي الأزمة السورية، عبر الإسهام في ترجيح كفة السلام والاستقرار واعادة الإعمار في البلاد التي أنهكتها سنوات طويلة من الحرب الداخلية والتدخلات الخارجية.

ويقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق الدكتور عقيل محفوظ، في حديث صحفي ان الزيارة تندرج في أفق التحولات التي يشهدها الحدث السوري، بعد الانفتاح العربي وجملة التطورات في المواقف من الأزمة، ومن المؤمل أن تكون نقطة تحول في الحدث السوري وتداخلاته الدولية.

 

 

 

 

وإذا كانت سوريا هي “خط الصدع” في السياسات الدولية، فإنها تمثل بالمقابل إحدى خطوط التوافق والتحالف بين فواعل على خلاف مع أميركا، بحسب تعبيره.

ويضيف “زيارة الأسد تقول للعالم أن سوريا ماضية في خطها السياسي وتحالفاتها الدولية، وأنها تعول على التغير في موازين القوة في العالم، بوصفه رافعة للحدث السوري، تنقله من الصراع والحرب إلى السياسة، ومن القطيعة إلى التواصل، ومن الدمار والحصار إلى البناء والتنمية”، بحسب تعبيره.

ويتقصّى السوريون إمكانية اسهام الصين في فك الحصار والاستثمارات وإعادة الإعمار، في ضوء التحديات التي تواجه روسيا بخاصة في هذا الإطار مع توالي العقوبات الغربية عليها بعد حرب أوكرانيا.

وبرغم أن ثمة تقديرات بأن حضور الصين في سوريا لا يزال على مستوى الدعم السياسي، ولم يتقدم كثيرا في باب الاقتصاد والتنمية، مقارنة بحضورها في الإقليم والعالم، إلا أن السوريين ربما يتقصّون دورا محتملا أو مأمولا للصين في حلحلة بعض الأزمات والاختناقات التي تواجه العلاقات السورية – العربية، وقد حضرت الصين في تحسين الموقف بين السعودية وإيران، وهذا مثال على قوة الدور والوساطات الصينية، بحسب المراقبين.

ويضيفون، ان للصين دوافع إضافية في الحضور أكثر في أزمة إقليمية كبرى، وإذا احتدم الموقف بين بكين وواشنطن، فمن المحتمل أن تكون سوريا هي حيز مواجهة أيضا، ولو أنه لا مؤشرات جدية بهذا الخصوص.

 

 

 

ويقول باحثون، انه من المتوقع أن تحسم الزيارة السجال الذي تتردد أصداؤه في التحليلات السياسية منذ مدة، بشأن موقع سوريا في مبادرة الحزام والطريق الصينية. ولن تقف الأمور هنا، بل ثمة مشروعات اقتصادية وتنموية وربما قروض أو خطوط ائتمانية تشكل أجندة اللقاءات والاجتماعات بين المسؤولين، منها ما جرى الاتفاق عليه قبل الحرب السورية.

ويقول تشاو تشي جيون، محلل صيني وخبير في الشؤون الآسيوية، أن “هذه الزيارة والإجراءات اللاحقة سيكون لها تأثير كبير على الأوضاع الجيوسياسية في الشرق الأوسط”.

وأضاف تشي جيون “من منظور المشهد الاستراتيجي العالمي، يمكن عد زيارة الأسد للصين، بمنزلة خطوة كبيرة من جانب بكين ودمشق، لاختراق الاحتواء الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، اذ جمعت واشنطن مجموعة من “الحلفاء” لاحتواء وقمع روسيا في أوروبا وقمع الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وقد عززت الصين وروسيا التنسيق الاستراتيجي، كما اختارتا اتجاهين لكسر هذا الوضع”، على وفق تعبيره.

ويوضح، قائلا “الاتجاه الأول هو شمال شرق آسيا، حيث اختتم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، زيارته لروسيا، فيما ستجري روسيا وكوريا الشمالية، تعاونا شاملا، مع التركيز بشكل رئيس على المجالات العسكرية والعلوم والتكنولوجيا والغذاء وغيرها من المجالات، وأرسلت موسكو، بوضوح إشارة لتوفير ضمانات أمنية لكوريا الشمالية، وبرغم أن الصين، لم تشارك بشكل مباشر في هذه المحادثات، فإنها أعلنت أيضا عن موقفها المتمثل في حماية السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية”، على حد قوله.

 

 

 

ويتابع تشي جيون “أما الاتجاه الثاني، موجه نحو الشرق الأوسط، وكانت سوريا، منذ مدة طويلة الشريك الاستراتيجي المهم لروسيا في الشرق الأوسط، وميناء طرطوس السوري هو أهم قاعدة بحرية للبحرية الروسية في البحر المتوسط. وفي الوقت الحالي، تستغل الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤها “القوة الروسية المحاصرة في أوكرانيا”، ويواصلون القيام باستفزازات ضد الجيش الروسي في سوريا”، على حد وصفه.

ويرى تشي جيون، أن “دعوة بكين للرئيس الأسد لزيارة الصين، تنبع من موقفها الداعم لسوريا في حماية سيادتها وسلامة أراضيها، اذ أن التعاون بين الصين وروسيا وسوريا في الشرق الأوسط، يعزز بشكل أكثر فعالية استعادة السلام في المنطقة ويضعها على مسار التنمية الصحيح، علاوة على ذلك، من الممكن الجمع بين مبادرة “الحزام والطريق” الصينية واستراتيجية التنمية الروسية جنوبا في الشرق الأوسط، لتشكيل قناة رئيسة جديدة للاتصال مع أفريقيا والبحر المتوسط وأوروبا”، على حد قوله.

قد يعجبك ايضا