التأخي /ساجد الحلفي
تميّزت الكويت منذ فترة طويلة عن جيرانها في الخليج بحرية تعبير نسبية، لكن في الفترة الأخيرة ظهرت توجهات حكومية نحو فرض المزيد من القيود في شكل قوانين، الأمر الذي يثير قلق الصحافيين، لاسيما المختصين في الصحافة الاستقصائية التي عادة ما تنبش في المحظورات .
ودفاعا عن الحق في الحصول على المعلومات في الكويت، تم تأسيس موقع “منشور” قبل عشر سنوات على أيدي صحافيين مستقلين شباب، وهو من المنصات القليلة في الخليج التي تتطرّق إلى المحظورات في القضايا السياسية والاجتماعية ويقول مدير تحرير “منشور” محمد المطوع “بالمقارنة مع الدول المجاورة لدينا المزيد من الحرية”. لكن المدون السابق البالغ من العمر 34 عاما يشير إلى أن المناخ أصبح متوترا في السنوات الأخيرة بالنسبة إلى وسائل الإعلام، مع وجود قوانين، مثل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، والتي يمكن استخدامها “ضد الصحافيين .”
ويؤكد المطوع أن موقعه الإلكتروني ورغم هذه الضغوط التي لا تزال غير مباشرة، مصمّم على الدفاع عن صحافة التحليل والصحافة الاستقصائية
ومن هذا المنطلق، يعالج “منشور” مواضيع يتردّد كثيرون في التطرّق إليها مثل محدودية دعم الشرطة للنساء ضحايا العنف الجنسي. كما يطرح في مقالات أخرى تساؤلات حول أسباب تخلّف الكويت في مجال الطاقة المتجددة أو حتى الظروف الصعبة للعمال المهاجرين الذين نادرا ما يتم الكلام عن قضاياهم في الخليج .
وفي الدولة المحافظة التي حظرت مؤخرا فيلم “باربي” لأنه “يخدش الآداب العامة”، لا تزال “الخطوط الحمراء” في القضايا الاجتماعية موجودة، حتى لو كان “تجاوزها في الصحافة أسهل (من فعل ذلك) مع القيود السياسية”، بحسب المطوع .
وانضمت ياسمينة الملا إلى “منشور” قبل عامين. وقد اختارت هذه الصحافية البالغة 28 عامًا والمهتمة بالبيئة والقضايا الاجتماعية الابتعاد عن الصحافة التقليدية من أجل “فهم ما يحدث” وسماع “آراء الناس” و”وجهات نظر مختلفة”
وتقول “نحن نعيش في محيط تتناقص فيه حرية الرأي والتعبير، لذلك من الصعب جدًا أن تكون هناك صحافة مستقلة”، مضيفة أن الأمر أسوأ بين جيران الكويت، فـ”لا أحد يغطي دول الخليج الأخرى بالطريقة التي نحتاجها . وبالنسبة إلى منظمة “مراسلون بلا حدود”، فإن وسائل الإعلام المستقلة الجديدة مثل “منشور” تلعب “دورا مهما .”
وقال رئيس قسم الشرق الأوسط في المنظمة جوناثان داغر لوكالة فرانس برس إن “وسائل الإعلام هذه نادرة في المنطقة ويجب حماية عملها من أجل تعزيز مشهد إعلامي أكثر صحة يهدف إلى توعية المواطنين بشكل حقيقي . لكنّه حذّر من أنّه من المرجح أن يكون لمشروع القانون الجديد في الكويت “تأثير مروع ويتابع “إذا كان الوضع أفضل مما هو عليه في معظم دول الخليج والشرق الأوسط الأخرى”، مع “عدم احتجاز أي صحافي” في الكويت، الأمر يظل “صعبا” على وسائل الإعلام، داعيا السلطات الكويتية إلى “التقيد بالتزامها بحرية الصحافة”.
واعتبر صحافيون ونواب وحقوقيون أن هذا المشروع يشكل ضربا لحرية الرأي والتعبير، ومساسا بجوهر “الديمقراطية” في الدولة الخليجية التي لطالما تباهت بأنها واحة للحريات في محيطها الخليجي المنغلق.
كما يحذر من المساس بالحياة الخاصة للموظف العام أو المكلف بخدمة عامة أو لأي من نواب مجلس الأمة أو نسبة أقوال أو أفعال غير صحيحة إليه تنطوي على تجريح لشخصه أو الإساءة إليه.
ويأتي النص المثير للجدل بعد سنوات من الجمود السياسي الذي اتسم بتوترات متواصلة بين البرلمان الذي تقوده معارضة سياسية متقلّبة، والسلطة التنفيذية التي تهيمن عليها أسرة آل الصباح الحاكمة
ويرى أكاديميون وحقوقيون أن هذا المشروع يثير مخاوف جدية من مسار يستهدف النيل من المكتسبات المحققة على صعيد الحريات
وفي هذا الصدد يقول الأكاديمي الكويتي بدر السيف إنه في عصر العولمة وتقنيات المعلومات الجديدة “تقييد حرية التعبير والصحافة اليوم عن طريق قوانين، ربما يكون مسألة دستورية، لكنه في كل حال معاكس للتيار .”