قراءة في استفتاء اقليم كوردستان من الناحية القانونية والدستورية والانسانية

د. حسن كاكي

أصدر فخامة الرئيس مسعود البارزاني الأمر المرقم 106 في 8‏/6‏/2017، الذي قرر فيه إجراء استفتاء في اقليم كوردستان، والمناطق المستقطعة منها يوم 25‏/9‏/2017. بعد اجتماعه مع الأطراف السياسية الكوردستانية،ومصادقة برلمان كوردستان عليه في 15 أيلول 2017 .

تضمَّن الاستفتاء الجواب على سؤال واحد هو : هل توافق على استقلال إقليم كوردستان والمناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم وإنشاء دولة مستقلة؟

القيادة الكوردستانية وحكومة اقليم كوردستان التي نظمت الاستفتاء ، توقعت من الطرف الآخر أن يتفهم رغبتهم في الاستقلال.

تم إجراء الاستفتاء في 25 أيلول/ سبتمبر 2017. ومن بين 72.16 بالمائة من الناخبين المؤهلين في إقليم كوردستان والمناطق المتنازع عليها الذين أدلوا بأصواتهم، صوت 92.73 بالمائة على الاستقلال على الرغم من المعارضة الشديدة على الصعيدَين الداخلي والخارجي. وتوقعت القيادة الكوردستانية معارضةً قوية من قبل إيران وتركيا، ولكن ردًا عراقيا بهذه القساوة لم يكن في الحسبان، حيث سارعت الحكومة في بغداد إلى اتخاذ إجراءاتٍ، تمثلت بفرض حظرٍ جوي على الإقليم، وإيقاف كل الرحلات الدولية من مطاري أربيل والسليمانية وإليهما. ورفض نتائج الاستفتاء،وبدأت بعض التحركات المريبة للسيطرة على المعابر الحدودية في الإقليم بالتنسيق مع إيران وتركيا، وبدأ الجيش العراقي بمناورات واسعة مع الجيش التركي على حدود إقليم كوردستان، بالتزامن مع إجراء استفتاء الانفصال، في حين تعهد رئيس الوزراء العراقي بتصعيد الإجراءات ضد كل من قام بالاستفتاء .

كما صوت مجلس النواب العراقي بغالبية مطلقة، بجلسة 12 أيلول 2017 التي حضرها (168) نائباً بعد انسحاب النواب الكورد من الجلسة، على رفض نتيجة الاستفتاء ، وإلزام رئيس مجلس الوزراء باتخاذ كافة التدابير التي تحفظ وحدة العراق، والبدء بحوار جاد لمعالجة القضايا العالقة بين الحكومتين الاتحادية وإقليم كوردستان. وبعد موافقة المحكمة الاتحادية العليا على هذا الطلب، أصدرت في 18 أيلول 2017 قراراً يقضي بإيقاف إجراءات الاستفتاء، كما اصدر قراراً بإقالة محافظ كركوك نجم الدين كريم ودعت حكومة بغداد لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لإغلاق المنافذ الحدودية في إقليم كوردستان من جميع الجهات، ويلزم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، بنشر القوات الأتحادية في جميع المناطق التي كانت تحت سيطرة إقليم كوردستان بعد العام 2003.

وفعلا تقدّم الجيش العراقي وقوات “الحشد الشعبي” في منتصف شهر تشرين الأول، وانسحبت قوات بيشمركة الاتحاد الوطني الكوردستاني من خط المواجهة بعد ان واجهت ضغوطًات من الحكومتَين العراقية وإلأيرانية، واستولت على الأراضي المستقطعة من الاقليم التي حمتها قوات “البيشمركة” عام 2014 من مقاتلي تمظيم داعش الارهابية بعد استيلاءها على الموصل .

دخلت القوات الأتحادية كركوك في ظل الانقسامات الكوردية الداخلية التي مكّنت التقدم العسكري العراقي فضلًا عن الغياب الكلي لدعم المجتمع الدولي للكورد. فخسر الكورد قسمًا كبيرًا من أراضيهم، مما اجل الحلم الكوردي بالاستقلال الى المستقبل المنظور، لذا أدانت حكومة اقليم كوردستان إجراءات الحكومة الاتحادية، وموقف المجتمع الدولي الذي لم يحترم قرار شعب كوردستان وموقف الشريك الكوردي .

كما أثار الاستفتاء ردود افعال دولية :
حيث اعلنت الحكومة التركية رفض نتائج الاستفتاء، وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مؤتمر صحافي في إسطنبول، إن “استفتاء كوردستان غير شرعي ونعتبره لاغياً”، مشيرا إلى أن بلاده يمكن ان تغلق المعابر بشكل كامل مع الإقليم. وتقطع خط أنابيب النفط الذي ينقل النفط الخام من كوردستان العراق للعالم.

ومن جانبع عدّ المتحدث باسم الخارجية الإيرانية (بهرام قاسمي) استفتاء إقليم كردستان العراق بأنه خطأ استراتيجي يهدد أمن واستقرار العراق، ويجر المنطقة للفوضى والتقسيم، واصفاً القرار الذي اتخذته قيادة الإقليم بالمتعجل وغير المحسوب. وأضاف إن ذلك يدفع باتجاه تقسيم وتجزئة دول في الشرق الأوسط. كما أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، إيقاف جميع الرحلات الجوية نحو مطاري السليمانية وأربيل، ووقف عبور الطائرات القادمة من إقليم كوردستان عبر الأجواء الإيرانية، بناء على طلب من الحكومة العراقية. وقلق الحكومة الايرانية نتج عن عاملَين.

أوّلًا، سيشجّع إعلان دولة كوردية مستقلّة ان تغذّي خوف إيران ذاكرة تأسيس الجماعات السياسية الكوردية الإيرانية لجمهورية مهاباد في إيران عام 1946وتطالب بالاستقلال ايضاً.

ثانيًا، قد تقوّض دولة كوردية جديدة في المنطقة طموح إيران بتأسيس “الهلال الشيعي” الذي يمتدّ من طهران إلى بغداد فدمشق وبيروت.

وعدت الدول العربية الاستفتاء خطوة لمعاكسة التوسّع الإيراني. وكان القادة السنّة بعد العام 2003 يؤيّدون دولة عراقية متكاملة ومركزية، إلّا أنّ سنّة اليوم يدركون تهميشهم في الحكومات العراقية المتتالية. ويودون تأسيس منطقة ذات استقلال ذاتي في المناطق الكوردية. والانفصال لاحقاً عن الحكومة التي يسيطر عليها العراقيون الشيعة. هذا ونقلت وسائل اعلام كوردية ان عشائر عربية في محافظة نينوى تؤيد اجراء الاستفتاء لتحديد مصير مناطقها. والدول العربية انقسمت بين موافق لتحجيم الدور الايراني في المنطقة، ومعارض من الذين يعدون استقلال كوردستان هو استقطاع جزء من اراضي الامة العربية .

وأعربت الولايات المتحدة من جانبها عن خيبة أمل عميقة من إجراء استفتاء أحادي الجانب لاستقلال إقليم كوردستان عن العراق، مؤكدة أن الاستفتاء “يزيد من انعدام الاستقرار والمصاعب في الإقليم”. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية حينها، هيذر ناورت، إن”العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة وشعب إقليم كوردستان العراق لن تتغير على ضوء الاستفتاء غير الملزم الذي جرى في الأقليم، منوهة الى إن هذه الخطوة ستزيد من انعدام الاستقرار وخلق المصاعب لإقليم كوردستان وسكانه”.

ونأت الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية بنفسها عن الكورد عندما تقدم الجيش العراقي نحو كركوك وهي تستقل المدرعات الامريكية ضد حليفهم الكورد دون التدخل لنزع فتيل التوترات.

ودعا وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، جميع الأطراف في العراق إلى ضبط النفس، كما أبدى استعداد بلاده للوساطة في المفاوضات.

وأصدر مجلس الأمن بياناً بالإجماع في 21 أيلول 2017، أبدى فيه معارضته لهذه الخطوة الأحادية، وأعرب عن قلقه إزاء التأثيرات المزعزعة للاستقرار، ونوه الى أن الاستفتاء الذي نظمه الكورد كان في وقت لا تزال فيه العمليات جارية ضد تنظيم داعش الإرهابي ، وعد الامين العام للمجلس انطونيو غوتيريش : أن إجراء الاستفتاء في ذلك الوقت يهدد أيضا إعاقة الجهود الرامية لضمان عودة طوعية وآمنة، لأكثر من ثلاثة ملايين نازح ولاجئ إلى ديارهم، مضيفاً أن أعضاء المجلس يعبرون عن استمرار تمسكهم بسيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه، ويدعون إلى حل أي مشكلة بين الحكومتين الاتحادية و إقليم كوردستان، في إطار الدستور العراقي، وحث سلطات إقليم كوردستان العراق على إلغاء عملية الاستفتاء.

كما رفضت الاستفتاء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي : الولايات المتحدة، وروسيا الاتحادية، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والصين، وقد أصدر مجلس الأمن بياناً بهذا الصدد، فضلا عن تصريح الأمين العام للأمم المتحدة برفضه للاستفتاء.

ولمناقشة موضوع الاستفتاء قانونيا ودستوريا نذكر بما يلي :
قانونيا حق تقرير المصير هو حق مشروع ومبدأ أساسي في القانون الدولي المعاصر، وينص على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق، والمساواة العادلة في الاختيار الحر لسيادتها، والوضع السياسي الدولي دون إكراه أو تدخل خارجي، وأكدت الجمعية العامة في القرار رقم “2787” والصادر في 12 كانون أول 1972م حق الشعوب في تقرير المصير والحرية والاستقلال وشرعية نظامها بكل الوسائل المتاحة لها والمنسجمة مع ميثاق الأمم المتحدة، وطلبت في القرار رقم “3970” الصادر في تشرين ثان 1973م، من جميع الدول الأعضاء الاعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها واستقلالها وتقديم الدعم المادي والمعنوي وكافة أنواع المساعدات للشعوب التي تناضل من أجل هذا الهدف”.

وفي غضون ذلك وقع ثلاث وثلاثون دولة أوروبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة في آب 1975م في هلسنكي، الاتفاقية التي أسفر عنها مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، واتفقت على عشرة مبادئ، وقد نص المبدأ الثامن منها على حق تقرير المصير”.

كما أشارت الحكومة الاتحادية الى نص دستور جمهورية العراق لعام 2005، في المادة (1) منه على أن : جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة،نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق، ولم ينص على حق القوميات أو المكونات بإجراء استفتاء عام يهدف للأستقلال بحجة تطبيق الحق في تقرير مصيرها.

كما ان الدستور قد منحها حقوقها القومية وغير القومية، وأجاز لها إجراء استفتاء في كركوك والمناطق المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها، كأخر الخطوات التنفيذية بعد التطبيع والإحصاء والاستفتاء في المادة (140) .

واختار الكورد النظام الاتحادي تعبيرا عن حقهم في تقرير مصيرهم بعد التغيير في عام 2003.

وجوابا على ما تقدم نقول صحيح ينص الدستور على ان العراق دولة اتحادية فيدرالية .. والكورد جاءوا برغبتهم الى بغداد وساهموا في كتابة الدستور عام 2005 لكنهم اعلنوا انهم مع العراق الفيدرالي الديمقراطي وكشركاء في الوطن شريطة ان يتساوى فيه الجميع .. فهل حقا اصبح الكورد شركاء في الوطن ام مشاركين فقط؟ وهل تساوى مع الاخرين؟.

ففي الوقت الذي كان الكورد يحاربون قوات داعش على جبهة طولها 1050كم قطعت الحكومة الاتحادية عنهم الميزانية ورواتب الموظفين والبيشمركة ولم تزودهم بقطعة سلاح واحدة، في حين لم تقطع رواتب موظفي المناطق التي سيطرت عليها داعش في الموصل وغيرها.

وتحججت الحكومة ان الاستفتاء مخالف للدستور فهل طبق الدستور فعلا بينما سجل الكورد اكثر من 55 مخالفة دستورية .. هل طبقت المادة 140 من الدستور الذي كان من المقرر ان تطبق في عام 2007.. ام استمر التعريب في مناطق كركوك وخانقين بوتيرة اسرع وبأساليب وطرق جديدة ، ناهيك عن الممارسات العنصرية الشوفينية وانحراف القادة العرب عن المسار الديمقراطي نحو المركزية والدكتاتورية . كما تسربت معلومات في لقاء للرئيس الوزراء نوري المالكي مع قادة عسكريين وعندما اقترح عليه احد قادة الجيش بشن هجوم على كوردستان وارجاعهم الى الجبال، كان رد المالكي انتظروا لحين وصول طائرات اف 16 الامريكية لذا رفضت القيادة الكوردستانية في حينها بيع طائرات اف 16 للعراق، فكل هذه الامور واخرى أحدثت شرخا في جدار العلاقات بين الاقليم والمركز، لذا فكر الكورد بحق تقرير مصيرهم بعد ان لم يجدوا نوراً في نهاية النفق للسير كشركاء مع الحكومة الاتحادية.

كما إن الاستفتاء كان خياراً ديمقراطياً لسماع صوت شعب كوردستان الذي تعرض لحملات إبادة على مدى عقود . وهذا الاستفتاء هو بداية لتحقيق الحلم الذي راود الكورد عبر التاريخ، وهو إقامة دولتهم وهو حق مشروع من حقوقهم القومية.

حيث تاريخهم يعود لقرون عديدة قبل تواجد العرب والفرس والتركمان في المناطق التي وزعت عليها ارض كوردستان في معاهدة لوزان. اخيراً صحيح كان للاستفتاء تداعيات على الاقليم من خلال تغيير موازين القوى لكنها أصبحت وثيقة تاريخية وشرعية يمكن استخدامها في الوقت المناسب وربما تتغير نظرة الرأي العام العراقي، وموقف المجتمع الدولي وتصل الى هذه القناعة بأن كوردستان المستقلة لن خطرا على دول المنطقة و زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط بل العكس صحيح.

والحلم الكوردي بإقامة دولتهم سيصبح واقعاً يوما ما شريطة ان تتوحد الجهود الكوردية تحت قيادة كوردستانية موحدة تصلح الانقسامات الداخلية (فالشعب القوي من الداخل لا يمكن اختراقه من الخارج بأية قوة كانت) كما قال المهاتما غاندي.

قد يعجبك ايضا