الكاتبة: بلقيس البرزنجي
مقالي عن شريحة مهمة عريقة وعتيقة من الأمة الكوردية العظيمة. الكورد الفيلية او أمة الجراح كما يسمون. أصلهم، تسميتهم، قوتهم، تاريخهم قبل ميلاد وبعده.
نبدأ بالسرد من طوفان النبي نوح عليه السلام كما تقول النظرية ان أحد أبناء النبي نوح اسمه’ يافث ‘ كما هو معلوم سكن اواسط اسيا، جنوب روسيا من القارة الآسيوية لذلك الآسيويين يسمون ب(اليافثين) وهم أصحاب البشرة البيضاء. وأصحاب البشرة الصفراء.
من سلالة يافث انبثقت مجموعة من القبائل تسمى الآريين او الشعوب الآرية انتقلوا من اواسط آسيا باتجاه الشرق الأوسط وانقسموا إلى مجموعتين، قسم سكن جنوب الهضبة الإيرانية في منطقة (بارس) هؤلاء أصبحوا الفرس، وقسم ثاني سكن جبال زاگورس. وجبال زاگورس هي جبال تفصل ما بين العراق وسوريا وتركيا وإيران.
إيران معناها ارض الآريين الذين سكنوا جبال زاكورس، تكاثروا وانتشروا في هذه المنطقة في الغالب كانوا مزارعين وهذا كان حوالي سنة 4000 ق. م أراضيهم الممتدة من ديار بكر مرورا بالعراق وصولا إلى ايلام في إيران لكن هذه المناطق تقسم جغرافيا ولغويا إلى ثلاث أقسام:
- منطقة شمالية ٢. منطقة مركزية ووسطى ٣. مناطق جنوبية.
الان سوف نركز على مناطق الجنوبية. المناطق الشمالية او المركزية القبائل بدأت بالتجمع والتشكل لكن هذه تجمعات كانت تجمعات فيلية. منطقة كاردونيج او كارودخ منطقة بالغرب من ديار بكر اليوم وأهم القبائل التي انبثقت من الوسطى والشمالية هم: 1. الحوريين. ٢.الكوتيين. ٣.سوبارتو.
اما القسم الجنوبي من شعب زاگورس الآري ظهرت قبائل تسمى اللولوبين او لو الذي مستقبلاً تحور اسمهم إلى من لو إلى لور وانتشروا في أقصى الجنوب واصبحت أراضيهم تمسى اراضي الو. عام ٢٢٣٥ ق. م ملك عيلامي اسمه “بيلي مؤسس” سلاله أوان العلامية ” يقود حملة عسكرية على أرض الو فتقسم ارض الو إلى قسمين قسم مستقل تابع إلى الو، وقسم تابع إلى مملكة عيلام الشعب.
تقسم جغرافيا إلى (لو، ولو بيلي). وهذا كلام مستند إلى كلام مجموعة من الباحثين منهم الباحث الراحل نجم سلمان مهدي في كتابه. الفيليون. هذا الكتاب من الكتب المهمة جدا في موضوع الفيليين وهذا الرأي رأي أكثر الباحثين استنادا إلى الوثائق والأدلة. بعد انسحاب العلاميين من الأراضي توحدت مرة أخرى ولكن بقي قسم منها يسمون البيلية. اشاره إلى الأراضي التي احتلها العلاميين. عام ٢٢٠٠ ق. م تحديدا في العهد الأكدى من أرض الوبيلي تظهر قبائل الكاشية او الكاشيين الذين يمثلون أحد إسلاف الكورد الفيلية، يسلحون أنفسهم ويستعدون للسيطرة على باقي الأراضي، ويذهبون إلى بلاد الرافدين ولكن قوة بلاد الرافدين سواء أكد او اور ثالثه جميعها كانت سلالات قوية لا أحد يجرأ على خوض القتال معها.
١٨٩٤ ق. م سيطرت قبائل العمورية على الحكومة في بلاد الرافدين وأسست بابل القديمة او بابل العمورية او بابل الأولى يحكم بابل العمورية “11”ملك ابرزهم حمورابي استمر حكم بابل العمورية حتى آخر ملك اسمه “سامسو ديتانا” الذي كان جدا ضعيف، الحوثيين يعلنون الهجوم على بابل العمورية ويسقطون بابل العمورية للمعلومة يعتقد بأن (الحيثيين) هم القبائل الزاكورسية التي كانت تسكن في القسم الشمالي من جبال زاگورس بعد سقوط بابل العمورية على يد الحيثيين يستغل الگاشيين هذه الفرصه وينجحون على سيطرة على الحكم في بابل سنة ١٤٤٥ق. م. وتحكم بابل بواسطة القبائل الگاشية البيلية بقيادة. گاندش. يحكم بابل الكاشية خمسة قرون بسته ملوك في زمانهم ازدهرت العلاقات بين بابل والفراعنة خاصة في زمن “تحطمس الثالث”. اهتم الكاشيين في بناء المعابد والزقورات من أبرزها زقورة عقرقوف اليوم موجودة في غرب بغداد العاصمة. إضافة ان الكاشيين احترموا آلهة البابليين عشتار ونابو. عام ١١٦١ق.م تحديدا في زمن الملك الكاشي (انليل نادون اخي) العلاميين يهجمون على بابل الكاشيين ويسقطون الحكم الكاشي البيلي وينقلون الكنوز إلى عيلام من ضمنها (مسلة حمورابي) بعد خسارة الكاشيين يرجعون إلى أرضهم ارض اللور او الو يعيشون حياتهم الطبيعة في الزراعة وتربية الماشية ويبقون على هذا وضعهم حتى عام ٨٠٠ق.م. الاشوريين يسيطرون على أراضيهم ويجبرونهم على دفع الجزية، يقررون التمرد على الاشوريين. عام ٦٤٨ ق. م. قائد ميدي من مدينة اكباتان همدان موجودة في شرق كوردستان اسمه (دياكو) يتحالف مع مجموعة من قبائل ومع اللور مقررا بذلك النهضة من جديد وتأسيس الإمبراطورية الميدية العظيمة وبصورة رسمية شعب زاگورس أصبحت له تجربة خاصة في بناء هذه الحضارة بقيادة (دياكو) يعتبر من الشخصيات العظيمة جدا في التاريخ ولكن للمرة الثانية الفرس حلفائهم في الوطن ينقلبون عليهم وعلى الحكم بقيادة گورش ويفقد الميديين الحكم. يؤسسون الإمبراطورية الاخمينية وتبدأ سلسلة المعارك مع اليونان، اليونانين يهجمون على مدينة كاردوخ قرب ديار بكر ويتعرضون على مقاومة اليونانيين، لاحظوا بأن هؤلاء المقاتلين ليسوا فرس فاطلق عليهم اسم مقاتلين الكاردوخ. هذا على حد وصف المؤرخ اليوناني زينو ويكتسب سكان زاكورس اسم الكورد بعد سلسلة حرب طويلة. بين الإمبراطورية الاخمينية وبين اليونانين. عام ٣٣١ق.م. تسقط الإمبراطورية الاخمينية بيد ألكسندر المقدوني وتقع اراضي اللو تحت حكم الدولة السلوقية وبعد السلوقين يحكمهم الباراثيين او الاشكانين بعدها يأتي الساسانين عام ٢٢٤ بعد ميلاد والساسانيين، هم كورد ويذكر الحوار في كتاب الطبري جزء الأول صفحة ٤٧٨ ان ملك الفرثيين وشاه الساسانيين اردشير دار بينهم حوار وهو… ((انك قد عدوت طورك واجتلبت حتفك ايها الكوردي المربى في خيام الكورد، من اذن لك التاج الذي لبسته والبلاد التي احتويت عليها وغلبت ملوكها وأهلها)) في زمن الساسانيين أصبح تغيير لفظي ارض لو أصبحت ارض الور والقسم الغربي منها ب اسم الو بيلي.
بعد الساسانيين يدخل الإسلام في زمن الدولة الراشدية ويدخل حرف (ف) إلى لغتهم حرف فاء كان يلفظ بp باء وبارس أصبحت فارس وبيلي أصبح فيلي القبائل الكوردية التي كانت تسكن ارض بيلي التي هي اليوم (ايلام وإجزاء من لورستان وإجزاء من كرمنشاه وإجزاء من السليمانية وإجزاء من ديالى وإجزاء من الكوت).
القبائل التي تسكن هذه المناطق أصبح اسمها (الفيلية) بعد الخلافة الراشدة يحكمهم الامويين ويحكهم العباسيين. بعد ضعف الدولة العباسية سيطر البويهيين على الحكم في عهد البهويين انتشر المذهب الجعفري الشيعي في كل البلاد بما فيها ارض لورستان وأرض الفيلية بعد مدة وتحديدا سنة ١٥٠١ سيطر الصفويين على الحكم وتقع أراضيهم تحت الحكم الصفوي بعد توتر الحروب ما بين الصفويين والعثمانيين يرتقي قسم كبير من الكورد الفيليه في لورستان إلى مناصب في الدولة الصفوية خاصة بانهم كانوا يشكلون خط الدفاع الأول بالنسبة للصفوين.
في عام ١٦٣٩ ميلادي يوقع العثمانيين والصفويين اتفاقيه ترسم الحدود بما تعرف (اتفاقية قصر شيرين) بالتأكيد كان هناك عدة اتفاقيات لكن هذه الاتفاقية كانت النهائية وبهذا انقسمت اراضي الفيلية إلى قسمين قسم من الكورد الفيلية في أرض الصفويين وقسم اخر في أرض العثمانيين ولكن هذا لم يمنع التجارة بين الشعبين والتنقل بين الدولتين لأنها حدود شكلية فقط.
أصبح جزء من الكورد الفيلية في أرض وادي الرافدين جنوب كوردستان وجزء أكبر منهم في الأرض المحتلة من الصفويين (شرق كوردستان) الفيلية في جنوب كوردستان المحتلة من قبل العثمانيين والان من قبل العرب وغيرهم.
الكورد الفيلية هنا كانوا غالبيتهم تجار ومزارعين ومربين الماشية بعد أن ترحل الدولة الصفوية أتى بعدهم الافشاريين الأتراك وبعدها شخص من لورستان كوردي فيلي اسمه كريم خان زند عام ١٧٣١ بعد ميلاد. يؤسس الدولة الزندية في شرق كوردستان، المحتلة من إيران اليوم. يسيطر على قسم كبير من الأراضي ويتخذ من شيراز عاصمة له ويسمى بوكيل الرعاية او الوكيل والى الان قلعة في شيراز اسمها قلعة كريم خان زند وهناك بازار في شيراز اسمه بازار الوكيل كريم خان زند.
يذهب إلى جنوب كوردستان المحتلة من العثمانيين في مدينة البصرة التي اسسها الساسانيون ويتولى كريم خان زند على البصرة والكويت والي البصرة يطلب الدعم من بغداد لكن بغداد في تلك الفترة كان يفتك بها الطاعون بالإضافة إلى مشاكل سياسية مع العثمانيين والي البصرة يطلب الدعم من العمانيين فيرسلون سفنهم للهجوم على كريم خان زند وتقع سلسلة من معارك بين دولة الزندية ودولة عمانية العمانيين يفشلون ويرجعون إلى عمان تبقى البصرة تحت سيطرة الدولة الزندية تحكم الدولة الزندية الكوردية اللورية الفيلية لمدة ثلاثين عام بعدها سلالة قاجرية تركية تسيطر على حكم في بلاد فارس ويكونون إمارة شبه مستقله.
الكورد الفيلية في بلاد الرافدين كانوا تجار ومزارعين عام ١٩١٦ بريطانيا وفرنسا وروسيا تقسم الأراضي الكوردية وتكون العراق الجديد حسب اتفاقية سايكس بيكو. وإعداد الكورد الفيلية كانت في جنوب كوردستان حوالي ٦٠ الف عائلة. الحدود الجديدة صعبت التجارة بين الكورد الفيلية، حينها انتقلوا إلى بغداد بالتجارة حاملين معهم خبرة التجارة واصبحوا يسكنون بغداد القديمة خاصة باب الشيخ وعكد الأكراد وسيطروا على سوق العراقية. كانت بيد الكورد الفيلية واليهود العراقيين الذين هاجروا بدأت الحكومة الملكية تعزف على وتر الجنسية العراقية الفيلية في بغداد كانوا يشكلون رأي حازم وواضح وصريح بتوجه انتقادات لاذعة إلى الحكومة. بدأ الكورد الفيلية بتكوين جرائد والصحف التي تنتقد تصرفات الحكومة العراقية.
عام ١٩٥٨ عبد الكريم قاسم يسيطر على الحكم وكان يتعامل مع الكورد الفيلية على اساس المواطنة. بعد عبد الكريم قاسم يصل حزب البعث المعلون. وتبدأ المشاحانات بين العراق وبين إيران ويتخذ النظام البعثي الملعون من الكورد الفيلية ورقة ضغط على إيران.
يزداد الضغط من قبل النظام اللعين على هذه الشريحة العريقة الكوردية عام ١٩٧٠ تبدأ عمليات تسفير الكورد الفيلية إلى إيران. اعتقالات بالجملة واحتجاز في سجن نقرة السلمان، مصادرة أموال منقولة وغير منقولة، اعدادهم على حدود بدأت تزداد. إيران لم تستقبلهم واعتبرتهم عراقيين لذلك تم منح اللجوء إلى قسم كبير من الكورد الفيلية وقسم اخر حصلوا أقامه في إيران. إحصائيات تشير إلى ترحيل أكثر من ٧٠ ألف عائلة ومصادرة املاكهم واعدام أكثر من ٢٢ ألف كردي فيلي، أصدر بحق الكورد الفيلية ٨٥ قرار كأكثر مجموعة صدرت بحقها قرارات. بما فيها قرار منح جائزة لمن يطلق زوجته الفيلية.
بعض من الكورد الفيلية بدا في الاندماج مع العشائر العربية كي يسلموا من بطش الدكتاتور وقسم منهم خسروا لغتهم وعاداتهم وثقافتهم الكوردية.
الكورد الفيلية طبقة من طبقات المجتمع الكوردي الراقية والمحترمة قدمت شخصيات عظيمة من باحثين ومفكرين وادباء والى هذا اليوم يحمل الكورد الفيلية بداخلهم الكثير من الألم والجراح. جراح لم تندمل..