اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 19- 9- 2023
” بتوقيت الحدباء” هذا هو عنوان رواية الاستاذ علي اجليوي ( الدكتور علي مولود فاضل الأكاديمي والأديب العراقي) في العام 2019، الذي كانت طبعته الاولى في العام 2020 ببيروت- لبنان من قبل دار براء للنشر والتوزيع- بغداد- شارع المتنبي.
ورد في جزء منه:
– ” عائشة… عائشة… عائشة
أين أنتِ يا حبيبتي
لقد جئتُ كما وعدتكِ
عائشة… عائشة
أناديها لكن لا مجيب!
يا أم مصطفى أين عائشة؟ أناديها فلا تجيب؟
أنا علي حبيبها أين هي
أرجوك أخبريني بمكانها؟
لقد تأخرت يا ولدي
ماذا تعنين بتأخرت؟
ماذا حصل؟ أين هي؟ أرجوكِ أجيبي؟
تتقدم نحوي بحركات متثاقلة بكرسيها المتحرك الذي صدئت عجلاته، تنظر إليَّ مطولاً دون أن تنطق بكلمة ترفع عينيها إلى السماء التي حجبت سحب دخان الحرائق الناتج عن الانفجارات ضياء بدرها ونجومه تتساقط دموعها بغزارة ترمي نظرها صوب حديقة المنزل لتجهش بالبكاء، أنينها يكاد يهدم تراصف أضلاعها قائلةً:
لقد سبقتنا إلى علياء ربها منذ أيام، رافضةً النكث بالعهد الذي قطعته معك؛ فضّلت الموت على أن تكون لشخص آخر غيرك، واجهت الموت بإبتسامة كتلك التي تعشقها أنتَ وهي على يقين أنك قادم من أجلها إذ إن آخر ما نطقت به هو أنّ موتي مجرد فصل واحد من حكاية لم تنته بعد.
الحكاية التي سنكمل فصولها معاً في الحياة الاخرى فأنا ما زلتُ وسأبقى بانتظارك يا علي فتوسدت قبراً بين أخويها قبل أوانها بكثير.
آه يا عائشة… آه يا عائشة
حطمتِني بموتك
كسرت بعدكِ الحياة في هذا الجسد النحيل
عائشة، ما للحياة بعدك معنى، وما حاجةً قلبي إلى نبض إن كان ينبض من دون اسمكِ، وما حاجةُ الأرض إلى الشمس إن لم تكوني عليها.
عائشة، يا جميلة يا نقية يا طاهرة يا شهيدة لا يليقُ بكِ لقب الموت وأنتِ القلبُ النابض للحياة يا أعظم معاني الوجود والجمال يا ملكة على عرش المطهرات، لم أتخيل يوماً أن أنعاكِ بمجرد كلمات… كلمات تقذف بي في الدرك الأسفل من جحيم الإشتياق والحسرات ومرارة الألم والفراق الذي لا لقاء بعده.
عائشة، يا من جعلتِ هذا القلب سيداً يتبختر علوّا بحبكِ بين العشاق، قطَّع غيابك أوصاله أشلاء رامياً به في متاهات البؤس وبحر الظلمات رافضا الحياة بعدكِ.
عائشة، مَنْ لي بعدكِ ولكلماتِ ومقطوعات غزلي التي باتت يتيمة برحيلك، أخذكِ مني عباد عصر الجاهلية البربرية الذين يقتاتون من الوضاعة والتوحش والتخلف، إذ لا حباً يحوّن ولا علماً ولا شعراً. هم على الخالق تجرأوا فغيروا سنن أديانه وسنوا قواعدهم وقوانينهم التي لها يسعون ونسبوها إلى الخالق ظلماً وبهتاناً.
قُتِلَتْ حبيبتي…. قُتِلَتْ ملكتي….. قُتِلَتْ فتاتي…… قُتِلَتْ طفلتي
بعد أن كانت أعظم أمنية وأجمل حُلم
قُتِلَتْ عائشة….. قتلوها بجهلهم وجبروتهم….. قتلتها مناصبهم وأطماعهم. حبيبتي كانت الربيع الثاني لمدينتها……. قتلوا الورد والطبيعة الخضراء بموتها. جمالها كان رمزاً من رموز ،آشور وظلها كان مقدسا كقدسية الحدباء وتاريخها، اغتصبوا الأرض من قبل قتلها وأزهقوا أرواح الأبرياء وهدموا بجهلهم منارة الحدباء ذات التاريخ الطويل والإرث العظيم. أذكر حينما كنّا نذهب إلى زيارة الحدباء كم كنتِ تفرحين وتلتقطين الصُوَر بجانبها وتخطي ذكرياتنا الجميلة مُعَلِمَةً عليها ( بتوقيت الحدباء).
قتلوها قبل قتلك وتفاخروا بهدمها كونها إحدى رموز المدينة التي تفضح معتقداتهم السخيفة عائشة؛ يا وجعاً خط أثاره على القلب برمح الفراق ومرارة الموت الذي سوف يلازمني ما دام القلب ينبض والحياة تسري في عروقي حياة. وأي حياة بعدك يا عائشة ظلاماً أسود هجره القمر فتبعته النجوم، بارداً لا يفقه للدفء معنى. قبركِ دافئ تحيط به الإزهار من كل جانب، كأن الورود عرفت ربيعها فتوسدت مكاناً بقربه، يفوح منه عطراً جميلا، كأنه عطر الوفاء. أرقدي بسلام بين أخويك يا حبيبتي وانطريني على الجانب الآخر لكي أعمل ما بدأنا به وما خططنا من أجله كما تعاهدنا، انتظريني فأنا قادم بأثركِ فما للحياة معنى دونكِ؛ انطريني… انطريني”.
عن دار الآداب للطباعة والنشر والتوزيع- بغداد- شارع المتنبي صدرت الطبعة الثانية المزيدة والمنقحة في العام 2022 للاستاذ سعد السعدي مجموعة قصص قصيرة بعنوان ( أزاميل الشمع) وورد في جزء من إحدى هذه القصص:
– ” ۱۳ – وهج الجليد!:
غنى بصوت خافت, تلك التي كان دائماً يحب أن يرددها مع نفسه. بصوت مسموع! لكن ببعض تحفظ، وبينا هو كذلك سرعان ما فاضت عيناه بالدمع! فرفع من صوته قليلاً لكي يبدد تزاحم العبرات داخل صدره، أنهمرت الدموع فوق خديه ثم سالت بين تجاعيدها وراحت تغور فيما بينها، كسَواقٍ صغيره فأنتهت متدحرجة فوق رقبته المتغضنة. وبتؤده مسح الدمع بيداً متيبسة الاصابع النحيفة بإرتعاش وتأسي، هنيهه توهم الهدأه!. لكن ثمة أصوات حبيبة خابئة في الاعماق، جعلتة يردد بلا وعي شبه تام. فتدفق الدمع من عينيه ثانياً حتى كاد يجهش، غير أنه تدارك شتات أستمكانه من براثن أسر الرغبة التي كثيراً ما أجبر نفسه بحصرها لانها كانت تلِّح عليه للاستذكار.
بدأ يتجول في فناء الدار، وقد أستنفد منه جهداً ووقتاً لِما زرعَ فيها من أشجار النخيل، والرمان، والزيتون، وأحاطها بسياج من ياس وبجوارها شتلات لزهور مختلفة الاشكال والالوان والروائح!. أما أرضيتها فقد زرعها بالثيل. تقرب من إحدى النخلات، التي كان يُكِّن لها الحب والاحترام المؤطر بالهيبة. وكان في بعض الاوقات يقف الى جوارها بتواز، فينتابه شعوراً بأنها صنوه! وأحياناً أخرى يعدها رمزاً مقدساً!. كان لا يحلو له الجلوس إلا تحت ظلها الوارف مشعلاً سيجاراً وهو يرتشف ببطء من قدح شاي ساخن مبحراً على ظهر مركب أخيلتة عبر سنين عمره المنصرم. لم يبق في الدار غيره توفيت زوجته منذ بضعة سنين، وبناته الاربعة تزوجن وتركن الدار. أما الولد الوحيد الذي كان بالنسبه له الدنيا كلها فقد مات في الحرب مع ايران. ومن كثر حبَّه له، وضع له في كل غرفة صورة، تارة وحده وأخرى معاً أو مع أمّه أو العائلة مجتمعة. ولكثرة ما كان يؤلمه منظرها، قرر ذات يوم أن يجمعها ويودعها داخل الكنتور، لكن بعد حين أستشعر الغربة، وقد أمست الدار كأنها لیست داره التي ألِفَ وأعتاد فضاق صدره الى درجة الاختناق ليس بسبب ما شَعَرَ به فحسب، وأنما من بعد تعاظم الشعور بالذنب!. وكان فظيعاً فأنتابه الخجل من شعوره بقلة الوفاء أزاءه. فقرر أن يعيدها الى مكانها من بعد ما مسح التراب العالق بها، لم يسعفه وعيه بترجمة عشقه للنخلة دون بقية الاشجار! لما كانت تتسم به من جمال أخاذ حيث الجذع الغليظ المتسامق, السعف المنحي الى درجة يخال بأنه على وشك أن ينكسر وهو دون ذلك، رأسها المتشامخ وسط العواصف يصارعها أنى أتت بشموخ وثبات، مذاقها الذي لا يدانيه مذاق خلودها!”.
عن دار براء ايضاً صدرت في العام 2022 الطبعة الأولى لرواية ( ضياع في آلبرت) للاستاذ غيث الشطري، الذي طبع في بيروت- لبنان، وفي صفحة الغلاف الخلفية للكتاب ورد في جزءٍ منها:
– ” في سنة 2008 حصلت اكبر عملية إندماج في تاريخ وكالات الأنباء، إذ أندمجت شركة تومسون الكندية القابضة مع وكالة رويترز البريطانية لتشكِّل أكبر وكالة أنباء في العالَم، والمعروفة بإسم ( تومسون رويترز)”.
وفي متن الرواية أيضاً:
– ” مطار جون لينون في 17- 12- 2019:
(( كان هناك مسافران اثنان قد نزلا الآن من احدى الطائرات التي هبطت في المطار: أكره هذه البلاد كثيرا، بعد كل هذه السنين لم أنس أخفاقك الكبير فيها الذي كبدنا خسارة كبيرة، بسببك كدت أطرد من المنظمة.
– لا عليك أنا قادم الى هذه المدينة كي أزور صديقاً قديماً يُدعى ستيفن، انه في السجن حالياً،
لقد أشتقت إليه كثيراً.
بعد أن أكملوا إجراءات الدخول ركبوا إحدى سيارات الاجرة الواقفة قرب المطار، في أثناء ما كانت السيارة تسير كانوا يتحدثون مع بعض.
– تُرى هل حددَّت دولة أو مدينة معينة كي تقوم بنشاطك القادم بداخلها؟.
– كم أنت مسكين ولا تعرف شيئاً، هذه المرّة سيكون نشاط المنظمة مختلف تماما وحاسما،
هذه المرة سوف يكون نطاق نشاطنا على مستوى الكرة الارضية كلها.
– حقاً، وكيف نفعل هذا؟.
– قریباً ستعرف يا صديقي)).
السجن المركزي في ليفربول:
بعد يومين من وصولهم أستحصلوا الموافقة لزيارة السجن الذي فيه ستيفن:
– مرحبا سيدي أود أن أقابل سجيناً هنا، وهذا هو الطلب الذي تمت الموافقة عليه، تفضل.
أخذ الشرطي الطلب ودققه جيداً:
– تريد مقابلة السجين ستيفن ماكروري؟
– أجل سيدي.
– حسناً أدخل بهذا الإتجاه وأنتظر، ستكلمه بسماعة الهاتف وستراه عبر الزجاج العازل.
أحضر ستيفن الى غرفة المقابلة من قبل رَجُلَي شرطة، جلسَ على الكرسي وأمسك سماعة الهاتف وهو ينظر الى الرَجُلين:
– مَنْ أنتَ أيها السيد؟ قالها وهو يضع سماعة الهاتف على أذنه.
– كيفَ حالكَ سيد ستيفن؟، لقد أشتقت إليك كثيراً.
– هل أعرفك؟.
ضحك الرجل بصوتٍ عالٍ، ثم وقف من على كرسيّه.
– صحيح إني مُلتحٍ الآن وألبس القبعة، لكن يجب ألا يعطيك هذا العُذر بأن تنسى شكل
صديقك.
ثم نزع قبعته وأبتسم بوجه ستيفن، وقف ستيفن من كرسيه وهو مذهول بما رآه.
– هلْ أنتَ؟؟؟!!!
– أجل يا صديقي أنا صديقك الطبيب شالزر”.