كركوك من التناحر السياسي الى مدينة التاخي  

لطيف دلو 

 كركوك افشلت بنفطها تشكيل دولة كردية على اطلالة ولاية الموصل عند سقوط الدولة العثمانية وفق معاهدة سيفر 15 / 8 / 1920 وباتت اعظم مشكلة مستعصية تهدد أمن المنطقة برمتها وضمتها بريطانيا الى الدولة العراقية عام 1923 تحت انتدابها طمعا بنفطها وبقصد صناعة دولة هشة ذات ثقافات متباينة لتكون بعد إخراجها منها بؤرة للنزاعات وعصية على افكار حكام مبدأهم العصبية البداوية أن يحكموها وحل مشاكلها بإشهار السلاح وسفك الدماء وسيلتهم الوحيدة في الحوار والتفاوض دون الانتباه الى نتائجها المدمرة كما نعيشها اليوم في هذه الدولة ومنها مدينة كركوك النفطية جعلتها محور اطماعها المالية وارض خصبة للنزاعات الداخلية لكي لاتكون سلة انتعاش لسكانها ولا للدولة العراقية في بناء المساوات بين التعددية وروح التآخي كما في الحديث الشريف ( مثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) وتطوير البلاد نحو التقدم العلمي الصناعي والتكنلوجي ، بل الزام استغلال ثروتها لشراء الاسلحة وصناعة القتل بين العراقيين انفسهم لصالح الدول الصناعية والتبرع بها لشعوب اخرى للمصلحة الشخصية للحكام ونصف العراقيين يسكنون احياء تنك واخيرا اللقمة الدسمة اصبحت لحكام الديمقراطية المزيفة ، ومن مخلفاتها التي توالت على هذه المدينة.

بتاريخ 4 آيار 1924 وقعت مجزرة دموية داخل السوق الكبير نفذها مسلحون من الجيش الليفي الذي شكلته بريطانيا لحماية مصالحها وجرح اثناء الاشتباك 30 شخصا وقتل 70 آخرين واحداث اضرار في السوق إثر جرح جندي ارمني في شجار مع بائع تركماني وعلى خلفية الاحداث عزل السامي البريطاني المتصرف فتاح باشا وعين عبد المجيد اليعقوبي محله ، وتلتها نكسات اخرى بتاريخ 12/7/1946 حيث قتل اعداد غفيرة من عمال شركة النفط المضربين عن العمل في حديقة  كاور باغي مطالبين مساواتهم بعمال الاجانب باطلاق النار من قوات الشرطة وبعد سقوط النظام الملكي وطرد بريطانيا من العراق في 14 تموز 1958عادت اليها المطامع السياسية وارتكبت فيها اخطاء مأساوية دموية اثناء تعرض مسيرة احتفالية لمؤيدي الحزب الشيوعي عام 1959 تاييدا لحكومة عبد الكريم قاسم لاطلاق النار واثناء الرد بمشاركة افراد من الفرقة الثانية راح ضحيتها عدد من التركمان ولكون اكثرية الحزب من الكرد نسبة الى تواجدهم في المدينة إن كانت اوامر الرد من الحزب او انفراديا اتهموا الكرد ككل بافتعال تلك الحادثة ظلما وبهتانا واغتيل اناس عمال وكسبة انتقاما عشوائيا لا علاقة لهم لا بالسياسة ولا بالاحزاب على الهوية وحكم على شخصيات كردية على خلفية الاحداث واستمر الذعر وانعدام الامن لفترة طويلة وعلى اثرها بدأت الثورة الكردية في ايلول 1961.واعدم المحكومين عن الاحداث عام 1963 عند استلام البعث السلطة للمرة الاولى .

كل تلك الاحداث لم تكن على عائدية كركوك ولكن لاىستمرار العنف فيها من قبل السلطة طالبت القيادة الكردية الحكومات المركزية في مفاوضاتها عن الحكم الذاتي للمناطق الكردية بضمنها كركوك لانهاء العنف الدائر فيها واصبحت هي العقدة المستعصية صنعتها بريطانيا في عدم الوصول الى حل يرضي الطرفين  واخيرا كشف الغطاء عن ممانعة الرئيس العراقي صدام حسين حسب ما سمعت من شاشة التلفاز من احد قادة الكرد قال عندما سالته عن صلة كركوك بالكرد قال بصراحة انها تعود الى  كوردستان ولكنها ستؤدي الى تاسيس دولة ، والاغرب منه منح شاه ايران الد اعداءه نصف شط العرب لقاء عدم منح مواطنيه الكرد الحكم الذاتي داخل البلاد ومن ثم سلخها بسياسة التعريب من اقضيتها الكردية وتغيير القومية خلافا للشرائع السماوية ونقل جميع الكرد من شركة النفط شمالا وجنوبا ووصل منهم الى معمل سمنت سماوة وترحيل قسم كبيرمن الكرد المتواجدين داخل المدينة الى مدن اخرى وهدم قراهم لربما ليس فيهم 1% سياسي إن وجد واسكان العرب على اراضيهم وممتلكاتهم ولم تعاد اليهم الى هذه اللحظة والمشاحنات مستمرة بين اصحابها الحقيقيين والمستفيدين.

كان بامكان اخراج العراق عامة وكركوك خاصة من المضاربات السياسية بتدشين نظام ملكي برلماني تعددي كما كانت مع تعديلات تحقق هوية وطنية لجميع العراقيين في المساوات والشخص المناسب في المكان المناسب من أي طائفة او قومية كانت وثروات الدولة للعراقيين  بدلا من الجمهورية والديمقراطية المزيفة  كلفتنا انهارا من الدماء واموال لا تعد ولا تحصى لانهما لا تنسجمان مع الثقافات المتباينة ، على أية حال عشنا في كركوك بحلوها ومرها وكل مواطن في كركوك له اقرباء واصدقاء من الفئات الاخرى لربما اكثر ما في قوميته.

ماجرى في احداث يوم 3 ايلول 2023 في كركوك عقب مظاهرات عربية لعدة ايام متوالية امام مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني على طريق كركوك – اربيل وسط احياء كردية باعداد كثيفة باشراف شيوخ القبائل العربية رافضين قراراعادة البناية الى الحزب وقطع الطريق العام في الاتجاهين ادى الى شل الحركة امام سكان تلك الاحياء ما خلقت لديهم سخطا سياسيا وانطلقت تظاهرة كردية مقابلها مطالبين فتح الطريق العام امام المارة وجميعا نعلم الحس السياسي وثقافة الطرفين لا تسمح التجاوز على الحق العام والمطالبة بحق خاص له طرق اخرى ، ولعدم حياد السلطة حدث التصادم واستشهد اربعة من الشبان الكرد و جرح 15 اخرين نتيجة اطلاقات نارالجهات الامنية واعقبتها في اليوم التالي مظاهرات أرتدادية من الطرفين ولبيان عدم الحياد كانت القوات الامنية تتحرى عن السلاح في المناطق الكردية وفي الجانب الاخر مظاهر الابتهاج واطلاقات نار كثيفة في الشارع امام بناية اخرى لذلك الحزب.

باعتقادي السياسيين العرب تظاهروا على الشارع العام بتلك الكثافة وسط مناطق كردية وقطعوا الطريق امام المارة دون الاعتصام داخلها او داخل دار الضباط او نقابة النفط  كبنايات سابقة لذلك الحزب كان يعرفها القاصي والداني في السياسة واعلنوها كما يقال ( بعد خراب البصرة ) والحقوا بها كركوك ، عن رفضهم عودة الحزب الا بشروط مسبقة وعلى خلفية الاحداث إنتهازها كفرصة لابراز التماسك والدعاية السياسية المسبقة لكسب الاصوات للانتخابات المحلية االقادمة التي ستجري في كركوك بتاريخ  18 / 12 / 2023 وبعد اكمال المنفذين لمهامهم ودعوهم بالشكر والامتنان في عملية تنسف الديمقراطية والانتخابات النزيهة التي لاتنسجم مع سفك الدماء واعمال الشغب   .
يظهر بأن العراق لم ولن يخرج من المكيدة البريطانية التي نسجتها لهذه الدولة للسيطرة عليها لنهب ثرواتها بشكل مباشر أو نيابة لما سمعت قولا منقولا عن احد قادتها العسكرية عن تشكيلهم الدولة العراقية إذ قال ( شكلنا هذه الدولة بسياسة أن خرجنا منها يكون العراقيون بين سجين وسجان ) بل فاق ذلك بكثير .

فهل يخرج من بين التعصبية البداوية رجلا رشيدا يقلب التناحر على المكيدة البريطانية التي طالت امدها قرنا من الزمن ويبني من التعددية على ارض الخيرات دولة التاخي والدستور والامن والاستقرار ويسحب البساط من تحت اقدام الفاسدين والعابثين بجنة الله  ؟   .

قد يعجبك ايضا