تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم

سردار سنجاري

محاولات عديدة جربها الآخرون للحد من طموحات الشعب الكوردي ، واختلفت الوسائل والأدوات من حصار اقتصادي وقمع واعتداءات الى حملات إبادة جماعية واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا وشرعيا وحرق القرى وتهجير المواطنين من مناطقهم ، ولكن كل تلك المحاولات اليائسة بائت بالفشل ،و خرج الكورد أقوى من الماضي بعد كل تلك المحاولات المقيتة وذلك لإيمانهم القوي بحقوقهم المشروعة والمسلوبة باتفاقيات دولية تارة وبمؤامرات جانبية تارة اخرى .

التاريخ الكوردي الحافل بالبطولات والتضحيات كان مكان فخر واعتزاز ليس لدى الكورد أنفسهم فقط وإنما حتى عند هولاء الذين وقفوا ضد طموحاتهم . و التاريخ البشري لا يحمل في صفحاته نقاط سوداء للكورد الا ماندر وذلك ربما للقيم الأخلاقية والانسانية التي يتمتع بها الكوردي وطالما يشاع ان الكورد كرماء والكرم من الشجاعة والشجاعة والجبن والغدر والانتقام لايجتمعان .

لقد حاول الكورد عبر مسيرتهم النضالية ان يثبتوا لجيرانهم انهم اصحاب حق وان الحقوق التي سلبت منهم بالقوة لا يمكن استرجاعها بالقوة فقط وإنما بالحوار والتفاهم لذا كانت شعارات الكورد دوما تدعوا الى الاخاء والسلم والتعايش السلمي من اجل حقن الدماء والحفاظ على العلاقات الأخوية مع كافة المكونات . وبالمقابل كانت معاملة الجيران للكورد قاسية وفي كثير منها كانت تخلو من البصمات الانسانية وبالاخص في القرن الماضي حيث عانى الكورد الكثير من الظلم والماسي والآلام .

لقد أثبت التاريخ انه لا يمكن محو تاريخ أمة بكاملها من خلال استخدام اسلوب القوة والاضطهاد ، وان الحروب دوما لها نتاج سلبي على كافة الأطراف ولا غالب او مغلوب في اَي نزاع والخاسر الأكبر هو المواطن البسيط .

انتقل الكورد اليوم من مقولة ان ليس للكورد أصدقاء الا الجبال الى مرحلة بناء الدولة وتعزيز العلاقات مع كافة الدول وبالاخص تلك الدول التي تستقطع اجزاء من ارض كوردستان ، حيث لعب الكورد في العقدين الآخرين دورا هاما في ارساء أسس السلام ومحاربة التطرف والإرهاب وقدم لذلك خيرة ابنائه شهداء لينعم العالم بالأمن والاستقرار . وكان بجانب تلك الأسس مخططات لاعمار المنطقة وتوفير فرص العمل للعديد من الجاليات والشركات العربية والأجنبية وبلغ تعداد العرب العاملين في الاقليم قبل ٢٠١٤ من غير عرب العراق حوالي نصف مليون شخص اغلبهم من الجالية اللبنانية حيث بلغ تعداد اللبنانين العاملين في قطاعات مختلفة في اقليم كوردستان اكثر من ١٢٠ الف مائة وعشرون الف شخص وكذلك وفر الاقليم فرص العمل للعديد من شركات النفط والغاز وبدأ بضخ كميات من النفط الخام عبر تركيا ووفر بذلك أيضا إنعاش للاقتصاد التركي .

ورغم ما قام به الاقليم كانت حكومة بغداد دوما تحاول ان تعيد الكورد الى خانة الصفر وعملت على ايجاد قوانين للحد من واردات الاقليم المالية وبعد مباحثات ومن اجل المضي في طريق السلام والبناء وانتعاش العراق اقتصاديا وافقت حكومة الاقليم على قانون النفط والغاز واتفقت مع بغداد على بنود تضمن للإقليم مستحقاته المالية ، ولكن بغداد تاخرت في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه ونقضت العهد . وكذلك عمل الاقليم على إنعاش قطاعي الزراعة والسياحة وجلب الخبراء والمستشارين المختصين من دول الجوار للبدء في وضع الخطط الاستراتيجية التي تمكن المنطقة في النهوض بالشكل السليم والصحيح .

وخلال العقد الأخير كان اقليم كوردستان محط إعجاب العالم بالنقلة النوعية الاعمارية التي شهدها والتي جعلته مميزا ومنفردا بالمنطقة من حيث توفير كافة الوسائل الممكنة للرفاهية والعيش الكريم للمواطن الكوردي وغيره ممن يسكن الاقليم .
لقد بدأت معالم التغيير السياسي تتضح اليوم في كوردستان اكثر مما كانت عليه في الامس وذلك من خلال الانتقال السلمي والديمقراطي للسلطة بين الجيل الاول الثوري الذي وفر سبل النضال القومي واعد فكرا قوميا وانسانيا وتحمل اعباء المرحلة المثقلة بالصعاب والآلام ولم يبخل ذلك الجيل في تقديم الغالي والنفيس من اجل حياة افضل للجيل الحاضر الذي حمل الراية وهو مؤمن بانه يحملها من أيادي قدمت الكثير من الدماء والتضحيات من اجله . اليوم دخل الكورد مرحلة جديدة بامكانيات وطموح وفكر جديد يتناسب مع العصر ويواكب العالم في تطوره وتقدمه ، وهذه المرحلة لن تكون بالسهلة وان كانت قد تجاوزت العديد من الصعاب ولكنها ستواجه تحديات من نوع اخر وعلى القادة الكورد الجدد ان يكونوا في مستوى الوعي والمسؤولية لأي أزمة قد تواجههم وبالاخص تلك الأزمات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط واهمها الأزمة الاقتصادية التي ربما يكون لها تاثير سلبي على بطء نمو الاقليم .

وكذلك هناك أزمات اجتماعية وإثنية حيث ان الاقليم اليوم يضم العديد من المكونات العرقية والدينية مما قد يولد نوعا من الخلافات الاجتماعية بسبب اختلاف اللغة والدين والعرق وعلى القادة الكورد الجدد ان يعملو جاهدين لتوفير الأمن والامان للأقليات والمكونات الدينية والعرقية وان يتم التعامل مع الجميع بالعدالة والمساواة وان تلغى كافة القيود والشروط على الذين يرغبون بالعيش في الاقليم مع حق الاحتفاظ بالإجراءات الأمنية الروتينية للحفاظ على الأمن والاستقرار .

ان العلاقات الكوردية العربية التي مرت باضطرابات عديدة خلال الفترة الماضية ان الأوان لها بان تعود الى وضعها الطبيعي الذي عرفناه عبر قرون عديدة من الصفاء والاخاء والتعايش السلمي وتقبل الاخر . ان فكرة محو الاخر لا تجدي اليوم ووسائل القوة التي استخدمت للحد من طموح الشعوب بائت بالفشل فالشعب اذا أراد الحياة لا تقف في طريقه التحديات ولذا ندعو العقلاء في كل مكان ان يجعلو المرحلة القادمة مرحلة وئام وسلام ومحبة وبناء وان نعمل جميعنا من اجل مستقبل افضل لأوطاننا وابنائنا الذين فقدوا الأمل بمستقبل مشرق بسبب الخلافات والحروب التي استغلها أعداء الشعبين للزج بالمزيد من الوقود على نارها الملتهبة .

ان حكومة اقليم كوردستان التي تنشط في عدة مجالات ومنها السياسي والاعمار ي وتعمل من اجل بناء العراق كافة وارسال رسالة حضارية العالم لتغير من نظرة العالم اتجاه العراق وسمعته .وقد فتحت ابواب الاقليم للملايين من اخوانهم العرب والتعامل معهم بكل لطف وانسانية ، ولكن بالمقابل كانت معاملة بغداد مع الاقليم وشعبه ليست بالمستوى المطلوب .

ان زيارة السيد مسرور البارزاني رئيس حكومة الاقليم الى بغداد والتي سبقتها اكثر من زيارة من اجل الوصول الى حل كامل وشامل وتام يضمن أستقرار العراق وشعبه والعمل على نبذ اي فكر يزعزع من وحدة العراق وشعبه والتعامل مع كافة المكونات العراقية العرقية والدينية والاثنية بنفس القدر والمسافة .

ان الكورد الذين شاركوا اخوانهم العرب في كافة مراحل تاريخهم منذ دخولهم الاسلام والاحتكاك معهم وقدموا للبشرية العديد من المفكرين والفلاسفة والاُدباء والشعراء وقادة عسكريين في مجالات مختلفة وحققوا الانتصارات الكبرى للامة الإسلامية بكافة مكوناتها ، يحق لهم ان يوفا بحقهم تلك الإنجازات وان ينعموا بالحياة الكريمة وأن يكونوا عونا لهم وسندا . فإذا كان التاريخ يكتب حسب رغبة السلطان فان الجغرافيا والأرض والأوطان لا تتغير مواقعها حسب رغبة السلطان .

لذا الكورد والعرب والفرس والأتراك وغيرهم من الأقليات الدينية سوف يبقون على هذه الارض حتى ما يشاء الله تعالى . فتعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ان نعمل من اجل مستقبل افضل وان ننبذ الطائفية والعنصرية والشوفينية وان نبني اوطاننا على المحبة والسلام وان نعاهد الله تعالى ان نحقن الدماء وان نبسط أيادينا للضعفاء والمساكين وان نحترم إرادة الآخرين في معتقداتهم وإيمانهم وان نكون جميعنا بشر من دون مسميات سميناها نحن وآبائنا .

قد يعجبك ايضا