متابعة ـ التآخي
مع انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع يبرز التساؤل الملح عن علاقة ذلك بالبيئة، ومدى تأثيره على الانماط البيئية المتعددة وطبيعة تلك التأثيرات ونوعها.
وطرأت كثير من التغيرات على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لكنها تخلق في المقابل بصمة كربونية كبيرة. فكيف تسهم هذه التطبيقات في الإضرار بالبيئة وكيف يمكن معالجة ذلك؟
يوما بعد يوم، يزداد استخدام الذكاء الاصطناعي مع تنامي تطبيقاته، فيما يرجع الفضل في ذلك إلى الضجة الإعلامية التي رافقت إطلاق روبوت المحادثة “شات جي بي تي” الذي ابتكرته شركة “اوبن ايه آي”.
ومنذ تدشينه، استحوذ تطبيق “شات جي بي تي” على اهتمام كثيرين حول العالم وحاز على إعجابهم، بخاصة قدرته على التحدث والكتابة وحتى تأليف الشعر والمقالات بطريقة تحاكي البشر.
وقد أشعل ذلك صراعا وسباقا بين عمالقة التكنولوجيا لإطلاق تطبيقات مماثلة من فئة روبوتات المحادثة ما أدى إلى زيادة ضخ الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، إذ تقدر حاليا قيمة السوق العالمية للذكاء الاصطناعي بنحو 142.3 مليار دولار، فيما يتوقع أن تصل إلى ما يقرب من تريليوني دولار بحلول عام 2030.
وبمرور الوقت، احتلت أنظمة الذكاء الاصطناعي جزءا كبيرا من حياتنا، فقد باتت تقدم يد العون للحكومات والشركات وحتى الأشخاص الاعتياديين لمساعدتهم على العمل بشكل أكثر كفاءة واتخاذ أفضل القرارات التي تعتمد بشكل كبير على البيانات.
بيد أن هذا لا يعني أن ثورة الذكاء الاصطناعي ليست لها جوانب سلبية.
يقول نشطاء إن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تتسبب في بصمة كربونية كبيرة ما يعني أنها تلحق أضرارا بالبيئة والمناخ برغم الدعوات والمؤتمرات والقمم الداعية إلى محاربة ظاهرة الاحتباس الحراري، بخاصة مع تكرار ظواهر الطقس المتطرفة.
ولتوضيح ذلك بمثال عملي فإن نماذج الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى معالجة كم كبير من البيانات، فعلى سبيل المثال من أجل التعرف على صورة سيارة فإن الخوارزميات تحتاج إلى معالجة ملايين صور السيارات، فيما يتعين تغذية تطبيق شات جي بي تي بقواعد بيانات نصية ضخمة من الإنترنت حتى تتعلم كيفية التعامل مع لغة البشر.
ويُطلق على المنشأة التي يتم فيها معالجة هذه البيانات الكبيرة اسم “مراكز البيانات”، وهي تتطلب كثيرا من أجهزة الكمبيوتر والحوسبة ما يعني استهلاكا أكبر للطاقة.
وفي ذلك، تقول، آن مولين، الباحثة في منظمة Algorithmwatch البحثية، غير الحكومية ومقرها برلين بالمانيا، إن البنية التحتية لأحد مراكز البيانات وشبكات إرسال البيانات “تمثل ما بين 2 إلى 4 بالمئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، لا يتعلق الأمر فقط بالذكاء الاصطناعي، ولكن للذكاء الاصطناعي جزء كبير من ذلك على قدم المساواة مع انبعاثات قطاع الطيران”.
وقد وجد باحثون من جامعة “ماساتشوستس أمهيرست” الأمريكية أن تدريب انموذج للذكاء الاصطناعي يتطلب انبعاثات قد تصل إلى 284 ألف من مكافئ ثاني أوكسيد الكربون أي نحو خمسة أضعاف الانبعاثات التي تسبب فيها السيارة على مدار حياتها بما في ذلك مرحلة التصنيع.
بدورها، قالت بينيديتا بريفيني، الأستاذة في جامعة سيدني بأستراليا ومؤلفة كتاب “هل الذكاء الاصطناعي يصب في صالح كوكب الأرض؟” إنها شعرت بالصدمة عندما قرأت النتائج التي خلص إليها باحثو جامعة “ماساتشوستس أمهيرست”.
وأضافت “إذا قام الشخص بالسفر جوا من لندن إلى نيويورك، فإن انبعاثات الكربون الخاصة سوف تصل إلى 986 كيلوغرامًا. لكن تعليم خوارزمية واحدة يتطلب انبعاث 284 ألف كيلوغرام”.
وتساءلت عن السبب وراء عدم إجراء مناقشات حيال سبل تقليل الانبعاثات الكربونية الصادرة عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
يشار إلى أن دراسة جامعة ماساتشوستس ركزت على انموذج ذكاء اصطناعي كثيف الطاقة بشكل خاص، لكن قد يعمل أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي على جهاز كمبيوتر محمول ما يعني أنه سوف يستهلك طاقة أقل.
بيد أن تقنية “التعلم العميق” التي تعمل على تطوير شبكات عصبية صناعية تحاكي أسلوب عمل الدماغ البشري مثل شات جي بي تي، في حاجة إلى قوة حوسبية كبيرة.
ولا يتوقف الأمر على ذلك بل عقب معالجة البيانات يجرى إطلاق انبعاثات في مرحلة التطبيق العملي وهو ما يتكرر مرات عدة، بخاصة مع استعمال تطبيقات الترجمة أو الاستعانة بروبوتات المحادثة.
وفي ذلك، تقول مولين إن “مرحلة التطبيق تمثل ما يصل إلى 90٪ من الانبعاثات الصادرة في دورة حياة الذكاء الاصطناعي”.