الكاتب والباحث : سردار علي سنجاري
الجزء الثاني
العلاقات بين الحزب الديمقراطي
الكردستاني وقاسم بدات بالتدهور الشامل عام 1961 عندما هاجمت صحيفة الحزب (خه بات )أسلوب السلطة في إدارة شؤون البلاد وطالبت بإلغاء الأحكام العرفية وإنهاء فترة الانتقال وإجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة وسن دستور دائم للبلاد وإطلاق سراح السجناء السياسيين الأكراد واحترام الحياة الحزبية وحرية الصحافة . عندها اعتبر قاسم هذا تحدي له ولسلطته وقرر انهاء اي شكل من اشكال التعاون او العلاقة مع البارزاني . في أواخر شهر تشرين الثاني من عام 1960 طلب قاسم من وزير الأشغال والإسكان عوني يوسف يبعد البارزاني من رئاسة الحزب الديمقراطي الكردستاني بحجة كون البارزاني زعيم قبلي لا يصلح لزعامة الحزب ولكن المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني رفض طلب قاسم . في عام ١٩٦١ كان البارزاني الخالد في زيارة الى الإتحاد السوفياتي بعد عودة البارزاني من زيارته إلى بغداد في شهر كانون الثاني من سنة 1961 حيث قابل البارزاني عبد الكريم قاسم في شهر شباط أي بعد شهر من عودته إلى العراق لم يظهر قاسم الود والترحيب كماكان في السابق للبارزاني والذي حاول تجديد الولاء للحكومة العراقية والتي كان يرأسها قاسم نفسه وبعد هذه المقابلة أحس البارزاني من إن الجو لم يعد ملائماً لبقائه في بغداد خشية من إعتقاله أو تدبير محاولة لإغتيالهِ فقرر البارزاني ترك بغداد والرجوع إلى كوردستان وذلك في شهر آذار من نفس العام . وعندما وصل الحزب الديمقراطي الكوردستاني والخالد الملا مصطفى البارزاني الى طريق مسدود مع قاسم اضطر الحزب الى التعامل مع الاحداث بالسلاح واعلان ثورته الكبرى ثورة ايلول المجيدة ١٩٦١ التي وضعت الحركة التحررية الكوردستانية والحزب الديمقراطي الكوردستاني في مقدمة الحركات التحررية العالمية في ذلك الوقت ومن خلال تلك الثورة بدات اصداء أنين الشعب الكوردي تصل الى احرار العالم والشعوب الحرة التي بدات تقرا وتسمع وتساند القضية الكوردية وبالاخص الشعوب الاوروبية التي ارسلت الكثير من المراقبين والصحفيين الى كوردستان للقاء قائد الثورة وقيادي الحزب ومعرفة مطالبهم المشروعة وسبب قيام ثورتهم .
ظن عبد الكريم قاسم أن اللجوء إلى السلاح سينهي الأزمة خلال أيام ويصفي كل معارضة لسياسته في البلاد ،لكن حساباته كانت خاطئة وبعيدة جداً عن واقع الحال وكانت تلك الحرب في كردستان أحد أهم العوامل التي أدت إلى اغتيال ثورة 14 تموز يوم الثامن من شباط 1963 . لقد رد الزعيم عبد الكريم قاسم بدفع المزيد من قطعات الجيش في 9 أيلول 1961 لضرب الحركة الكردية مستخدمأً كافة الأسلحة والطائرات وهكذا امتدت المعارك وتوسعت لتشمل كافة أرجاء كردستان وكان الشعب الكوردي في تلك الحقبة الزمنية موحدا خلف راية البارزاني الخالد ونهجه السلمي الذي كان مكان اعجاب واحترام العالم باجمعه عدا بعض العشاير والاغوات الذين كان لهم عداء سابق مع البارزاني وحزبه وفضلوا الانتماء الى الطرف الاخر المعادي للحركة للثورة والبارزاني وفيما بعد ابدوا ولائهم للحكومات المتعاقبة حتى تبين لهم الحق من الباطل فالتفتوا اخيرا وراء راية البارتي التي استخدمت معهم اسلوب التسامح والعفو . لقد استخدم قاسم كل ما يمكن استخدامه من وسائل عسكرية لضرب الثورة الكوردية وقائدها البارزاني الخالد وقد تم تدمير العديد من القرى وحرقها وزج العشرات من ابناء الشعب الكوردي بالسجون ولكن ورغم كل هذا ثورة ايلول كانت صامدة واعتمدت على قدرات الشعب وتضحياته وصموده وصبره وسطر الشعب الكوردي في تلك الثورة العظيمة اروع صور البطولات والتضحية وكان الشعب والقيادة في خندق واحد مما اعطى الشعب الكوردي دافعا معنويا كبيرا للاتفاف حول الثورة وقائدها .
وعند الاطاحة ب عبد الكريم قاسم سنة ١٩٦٣ ومقتله واستلام القوميين العرب زمام الحكم بقيادة عبد السلام عارف الذي عرف عنه تمسكه بالفكر القومي وحزبه الاتحاد الاشتراكي العربي والقريب فكريا من حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان في مرحلة التهيء لاستلام الحكم وهذا ما تم حيث تم منح رئاسة مجلس الوزراء لحزب البعث وكان احمد حسن البكر رئيسا للوزراء انذاك والذي اصبح رئيسا لجمهورية العراق فيما بعد . كان عبد السلام عارف معتزا بذاته وبفكره الذي مهد لصعود البعث العراقي الى زمان الحكم سنة ١٩٦٣ لاول مرة مما جعله ينظر الى القضية الكوردية نظرة شوفينية وكذلك الى ثورة الكورد على انها مجرد حركة تمردية يمكنه القضاء عليها متى وكيف ماشاء وكان في البداية وعندما كان مساعدا واحد الضباط الاحرار مع قاسم له مواقف سلبية من الكورد والبارزاني بالتحديد .
ولكن تفاجأ بشراسة القتال ومقاومة الثوار الكورد وتحقيق الانتصارات على جبهات القتال مما دعاه الى الاتفاق مع البارزاني الخالد على توقيع اتفاقية ١٠ شباط/ ١٩٦٤حيث تضمنت عدة بنود أبرزها، إقرار الحكومة العراقية للحقوق القومية للكورد في الدستور المقترح للبلاد. لكن الاتفاق لم يدخل إطار التنفيذ بسبب تداخلات دولية وانشقاقات داخل الحركة الكردية وبدأت خلافات جوهرية تظهر بين الزعيم الكردي مصطفى بارزاني ومؤيديه من جهة وابراهيم احمد وجلال الطالباني من جهة أخرى. إذ انفصل الأخيران عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ليشكلا المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني موقتا حتى تمكن الخالد البارزاني من اعادة تشكيل المكتب السياسي واللجنة المركزية من جديد واستمر في كفاحه الثوري لتحقيق اهداف ثورة ايلول المجيدة . ولكن كانت هذه احدى النكسات التي تعرض لها الحزب ومازال الشعب الكوردي في كوردستان العراق يعاني من تداعيات ذاك الانشقاق الذي قسم كورد العراق الى اقسام متصارعة وذهب ضحية ذاك الانقسام خيرة شباب الكورد من الجانبين . بعد المماطلة من قبل حكومة عبد السلام عارف بعث الخالد الملا مصطفى البارزاني بمذكرة مطولة وتاريخية اليه في تاريخ ١١-١٠-١٩٦٤ مؤكدا على اهمية الحوار والعودة الى تحكم العقل بدلا من اراقة الدماء الطاهرة من الجانبين الكوردي والعربي وكانت المذكرة تحمل العديد من النقاط الهامة لو استجابت الحكومة العراقية لها انذاك لجنبت العراق ويلات الحروب والصراعات الداخلية والخارجية حتى يومنا هذا وكان العراق وشعبه من اكثر الشعوب استقرارا ورفاهية . ولكن عبد السلام اعتبر تلك المذكرة مجرد استعطاف من البارزاني وانه و بمساعدة الجحوش والمرتزقة من الكورد بمقدورهم القضاء على الثورة الكوردية وانهاء البارزاني وحزبه . ولكن شاءت الاقدار ان يقتل عبد السلام عارف في حادث طائرة غامض وبدات صفحة جديدة من العلاقات بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والرئيس الحديد عبد الرحمن عارف … يتبع