اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 29- 8- 2023
قام الشاعر محمد دارا المندلاوي عند تشكيل جمهورية مهاباد في أربعينيات القرن العشرين بقراءة قصيدة ( چه و بي كه ره و) التي تعني ( يجب الانتباه بشدة) أمام البارزاني الخالد والقاضي محمد رئيس جمهورية كوردستان حينها.
ورد في صحيفة ( 16 آب) التي كانت تصدر عن الفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكوردستاني ببغداد في العام 2009 عنه:
– ( ان المرحوم محمد دارا المندلاوي كان شاعراً وصحفياً وسياسياً، ولد بباب الشيخ في محلة الصدرية عام 1920، تعلّم الكتابة ومبادىء قواعد اللغة الكوردية في حي الگيلاني التي كانت تســمى ( بيوت اللـور) آنذاك عند الملا حميد ملا احمد لوري، والفارسية عند الملا رحيم عام 1934، والعربية عند الملا عارف في سوق البزازين، وكان معه عند الأخير الخطاط العراقي المشهور هاشم الخطاط، وكان قد درس اللغة الانكليزية في المجلس الثقافي البريطاني. وفي العام 1942 كتب في صحيفة صوت الاحرار، ثم في صحيفة البلاد. ومن أجل نشر شعره ومقالاته راسل مجلات عراقية وعربية عديدة في خمسينيات القرن العشرين، عمل محرراً في صحيفة الوفد المصرية، نشر قسماً من مقالاته في صحيفة التقدم، إنتمى للحزب الشيوعي في أربعينيات القرن العشرين، وبسبب ملاحقته من قبل اجهزة النظام في العراق بعد انقلاب 8- شباط- 1963 سافر الى ايران. كان عضواً في الهيئة الادارية لاتحاد الأدباء في العراق. ولقد أهدى الشاعر دارا قسماً من مكتبته الى الشاعر عبد الوهاب البياتي، عند ذهابه الى البصرة كان يبيت عند الشاعر بدر شاكر السياب، كان مصححاً لغوياً للكثير من الشعراء والادباء في مقهى الحيدرخانة، كتب في مجلة ( په يام) التي أصدرتها الاستعلامات الامريكية في الخمسينيات من القرن العشرين، التي كان بكر دلير مسؤولا عنها، وفي مجلة ( ئه ستيرة) للاطفال التي صدر منها عددان. زار المغرب واسبانيا واندونيسيا، ففي اندونيسيا عمل كمراسل حربي وشارك مع المقاتلين كضابط بصفة ( مراسل حربي) عندما كانوا يحاربون ضد الهولنديين والبريطانيين، وبعد مرضه هناك نقل الى بورما ثم الى الهند الى مدينة بومباي، وفي طريق عودته الى العراق مرّ بافغانستان وشاهد ممر خيبر ثم وصل الى ايران، ومن ثم غادرالى تركيا، ثم إلى سوريا ثم الى العراق).
في طفولته تمكن محمد دارا من حفظ القرآن الكريم بأكمله في مدة قصيرة وتعلم اللغة الفارسية على يد الملا رحيم. التحق بعدها بالدراسة عند الملا عارف في سوق البزازين، فتعلم الخط والأجرومية والفقه. وبعد أن تمكن من ناصية اللغة العربية انهمك في قراءة الأشعار الجاهلية والمراحل التي تلتها وتمكن من حفظ أغلبها وحفظ القصص والحكايات القديمة وعرج على الأدب الحديث وقرأ أغلب ما كان يصدر من كتب في هذا المجال.
أما عن بداية رحلته مع كتابة الشعر، فكانت مع الملا عارف الذي فطن لموهبته الشعرية وكان ينشئ نصف بيت من الشعر أي الصدر ويطلب منه أن يكمل له العجز فيقوم بذلك بكل براعة حتى تمكن من العروض.
أما عن أول قصيدة نشرها فكانت في جريدة الكرخ لصاحبها الملا عبود الكرخي. ونشرت له قصائد في جريدة أخبار المساء لصاحبها مهدي الصفار في الخمسينيات من القرن العشرين.
أما عن كتاباته باللغة الكوردية فقد نشر العديد من الأعمال الشعرية في جريدة ( بيش كه وتن) أي التقدم، وعمل بشكل طوعي دون مقابل كمصحح فيها، حيث قام بترجمة رواية الحرب والسلام باللغة الكوردية ( اللهجة الكلهورية).
في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين قام بزيارة إلى المناطق العشائرية الكوردية في كوردستان إيران كعشائر قصر شيرين وكرند و كرماشان و إيلام و لورستان الصغرى والكبرى وبقي هناك عاماً ونصف العام من أجل جمع الأعمال الشعرية والأدبية للشاعرات والشعراء والأدباء الكورد القدماء والمعاصرين، حيث دونها في كشكول ضخم، وفي العام 1946 عَمِـلَ مديراً لسينما الملك فيصل في خانقين.
عندما كان في ايران قام فيها بتدريس الأدب والتاريخ الإيراني من أجل لقمة العيش. وقد عَمِلَ محرراً في مجلة ( شفق) التي كانت تصدر في مدينة المنصورة بمصر، وقدّم حينها كراساَ من تأليف الأستاذ توفيق وهبي بك بعنوان ( عيون الأدب الكوردي) الى الصحيفة ليتم نشرها. بعدها بفترة سافر إلى المملكة المغربية ومن ثم تونس فالجزائر التي غادرها إلى أسبانيا.
وبعد إعلان الجبهة من قبل حكومة عبد الكريم قاسم ( 1958- 1963) كتب في صحيفة أخبار المساء مقالاً بعنوان:
– لماذا تُنسى الجبهة؟.
بعد نشر هذا المقال الذي تزامن مع إصابة رئيس الوزراء في العراق حينها ( عبد الكريم قاسم) في شارع الرشيد أتاه مرافق عبد الكريم قاسم، وصفي طاهرالى كراج أبيه ( كراج مندلي- الواقع خلف حمام الكولات الحالي في النهضة) وقال له:
– ان الزعيم يريدك.
وعندما ذهب إليه سأله عن قصيدته التي كتبها بخصوص شكوى الموقوفين من التيارات الديمقراطية في العراق، خصوصاً موقوفين الحزب الديمقراطي الكوردستاني، التي طالب فيها بإطلاق سراحهم. بعد تلك المقابلة قرَّر الزعيم الاستجابة لمطالبهم.
بعد أتفاقية 11- آذار- 1970 عمل مع المناضل الكوردي صالح اليوسفي في صحيفة التآخي، وبعد إحالته على التقاعد بعدة أعوام، في عام 1991 أرسل الدكتور بدرخان السندي في طلبه للعمل في دار الثقافة والنشر الكوردية فعمل هناك حتى سقوط النظام السابق في عام 2003.
كان لمحمد دارا علاقات صداقة مع الشعراء والكتاب والأدباء العراقيين والعرب مِنْ أمثال محمد مهدي الجواهري وإبراهيم طوقان وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وعبد القادر رشيد. وقد توفي عام 2008.
من الحوادث التي لا تنسى التي بقيت في ذاكرة الكثيرين من أهالي مندلي تورد الحاجة المرحومة أم عبد الله ما يأتي:
– ( ان المرحوم محمد دارا عندما كان طفلاً صغيراً في اللفة- الگماط، سحبه ذئباً من مخدعه وسار به بعيداً الى بساتين مندلي، بدأ العديد من أهالي مندلي بالبحث عنه خوفاً من تعرضه الى مكروه، بعد فترة وجيزة تمّ العثورعليه بعد ان تركه الذئب خوفاً من جلبة الاصوات في البساتين التي أثارها أهالي المدينة، فأعادوه الى الدار التي كان فيها).
وتضيف المرحومة: ( كنت قد سألته أحد الايام عن هذه الحادثة وعن شعوره بنتائجها أجابني باللغة الكوردية:
– (( كه شكا له او وخته بچگيام- التي تعني: يا ريت كنت قد مُتُ منذ ذلك الحين)).
وذلك لشدة ما كابده من مآسي في حياته، وفقده لامه عندما كان طفلاً رضيعاً).
ومن شعره:
منذ أيام الشباب
جاءتني من مندلي لا بدلة أو ثيــــــــاب
والرطب المــستطاب من بعد طول الغياب
الجوع
ما وراء الجوع فالجوع جريمة؟ يا حليمة
من عصور دراسات والمعاناة قديمة
قد عرفناه اخطبوطاً مارداً يأكل فينا
أترومين بقاء الوضع نزداد أنينا؟
خدمة للاحتكار ولا يغال الدمار
ألذي يرعبه أي انتصار؟
في بقاع الارض في كل مسار
الغارات وسلب أو لنهب القرصنة؟
فأعلمي ولّت تلك الازمنة
بعد أن ثار العبيد
منذ كومونة باريس الى العصر الجديد
فشعوب الارض ما زالت تثور تتذمر
جوعنا هزم قيصر ساحقاً أيتام هتلر
جوعنا أكثر مما ذلك الوحش تصور
جوعنا أن يصبح الانسان حرّاً والاراضي تتحرر
جوعنا ان تصبح الخيرات ملك الشعب
ان الشعب أقدر لم يكن خبزاً لان الجوع للحرية
أسمى واكبر جوعنا أن نتنور
جوعنا في بسمة الاطفال قوس وقزح
للسماء الصافية لا لغربان تحوم
ألتي تغتال من وجه السموات النجوم؟
كلما أطلق نوع العصر في الجو حمامة
جوعنا في موسم الزرع تباشير غمامة ومطر
تنبت الارض وتخضر الحقول
عندما يأتي الحصاد والطموحات تطول
قرص خبز كالقمر وأمانينا الأخر
لا لسوداء الغيوم تمطر اليوم القنابل
ثم حصداً بالبشر
تحرق الحرث لتخريب المنازل والمعامل
فتكون المجزرة والحياة مقبرة!
نحن لن يرهبنا التهديد من خلف التخوم
فالعيون ملؤها الاشواق حباً وفرح
طالما القلب أنشرح، ما بنيناه يدوم
موكب الانسان نحو الشمس مزهواً يسير
يلفظ التاريخ تجار الحروب فإلى بئس المصير
وفي مجلة ( روژي كوردستان- شمس كوردستان) في الاعداد 39 و 40 اللتان صدرتا في حزيران و تموز من العام 1976 نشرت له القصائد التالية:
معاناة شاعر
ما زلت أبحث عن ليل بلا سهر!! صفو بلا كدر درب على الاثر
عن الشموس التي تغنيك عن خبر عما أخلفه بعدي من الثمر
في قعر جب قبيل الفجر عن قمر قميصي يا ذئب حتى قد من دبر
تكرر اللدغ دون الآخذ بالعبر يا فاقد السمع والمعدوم من بصر
ما زلت أبحث عن عيش بلا بطر عن صدر بيت وعجز البيت في الصور
عن شبه مأوى وعن بيت من الشعر في بيدر القش عن خيط وعن أبر!!
قد ينبت الزهر في المستنقع القذر وينبع الماء بين الصخر والحجر
ويخرج الفطر بعد الرعد والمطر ويولد الطفل عرياناً من السير
ما زلت أبحث عن نفسي وعن قدري وعن سياحة عمر دونما سفر
وعن ضمانة عجز تحلو في النظر أكون كالبشر يا قاطع الوتر!!
ما زلت أبحث عن حس بلا حذر بين الحروف لكي آتيك بالدرر
اللامبالاة
طرقت الباب نصف الليل والناس أسارى ونيام!!
هبــــّوا من رقدتهم ضــــّجوا وهاجوا أقعدوا الدنيا أقاموا
خرجوا من ذعرهم موتى سكارى كالمجانين فلاموا
سألوا ما الأمر ما تبغي من الحمق بما جئت حرام!
قلت ان الشر آتٍ إنما الخطب جسام
لغطوا ثاروا بوجهي ســُدت الأبواب ناموا!!
ذكرى
رغم ظلال السنين والشوق في الذاكرة
يبرز عندي الحنين أنتشي بالخاطرة
لا لحظة عابرة هدية العيد لي
الفريسة
أتعبني العد حتى ملني العدد والروح ضاقت بشكوى بثها الجسد
فصادني الصيد في أيام محنتنا عن غفلة لم يكن صيادي الاسد
فريسة كنت للفئران وأنكبي قالوا احمد الله هو الواحد الاحد
فخدروني كما عاشوا على وهم ذاقوا الأمرين من بعدي بما وعدوا
أرادو عمداً وقوعي في حبائلهم كأبتر بين بتران همو قصدوا
أكون أضحوكة الأجيال بعد همو أنا الغبي الذي قد ناله الحسد
فمن ألوم سوى نفسي وما نزلت بي المصائب والأرزاء والنكد
نهايتي حبكت في غيهب نسجت فألبسوني رداء الغيل وابتعدوا
يا ويل من يزرع شراً لصاحبه ينال من نبته ما شيب الولد!
كم هابط لحضيض السوء من بشر وكم تراهم الى العلياء قد صعدوا
لكنما البعض في تقديم منفعة والبعض منهم على الخازوق إذ قعدوا
بيت القصيد هنا ليس هو الزبد لا يطفىء النار إلا الماء والمدد
أيا بطلي
على مهل على مهل للآثار بالطلل!! أأبدو مثل مرفوض فأصبحت رهين القيد والإذلال وبطالٍ بلا عمل؟! بالتهديد أو بالبطش والحيل
سوى التصفيق للتلفيق وكم غيرت أمكنتي على عجل في مزدحم العلل!! على أملٍ تمنيت ولم أنل أيا ( قدوتي) يا مَثلي نصيبي جاء بالفشل!!
أنا المعجب بالمنطيق فلا نلت هدوء البال يا وهمي ومنشغلي والراحة من رعب ومن وجل!! لقد أسكرتني ومن خلفي وقدامي
ما زلت كالثمل! حشود تفتي بالدجل! فلا أدري متى أصحو أيا بطلي وهل أبقى إلى أجل؟! لقد حاصرتني المرات بالتجويع
أيا بطلي والشلل! أنا المأخوذ والمشدوه وتوجت حصار اليوم بالايذاء
عن لبا من هنا خطلي سفل توقعت وجدت الحل ألا يا مضرب المثل!!
هذا يأتي بالحلل!! فما أبديت من زعل!! ويبني الصرح للمستقبل العسلي!! أنا المحروم من تَمرِي أنا المخدوع بالألفاظ والجُمل ومن زيتي ومن بصلي
ومن تحوي من الإغراء في السبل ومن زرعي ومن ضرعي
فلم أسمو إلى زحل وأغنامي ومن إبلي!! بوعد كاذب من دونما جدل!! لقد جردتني من كل ما إنا الغارق في الخجل!! يحمي هذا الجسم من عطل!!
فيا ويحي من المطل ولم تزل ومذ ودعت سجن الكهف على الاصرار أن تسلب غادرت الى جبلٍ مني الروح إذ تسعى على عجل!
ومن سهلٍ ومنحدرٍ فهل عوضت عن نقص إلى الغابات والوحل شعور النقص في القلل؟! ومنها تهت في الصحراء فأنت الواهم المفضوح
في البيداء يا بطلي يا بطلي من الخبل!! على مهلٍ على مهل
توقفت بقرب الساحل يحين الحين ساعتها والنهر لي أملي فلا لوم على النغل!! بنيت في ضفاف النهر أخلت الشعب كالنسوة!
كوخاً كان ألف الباء للدول! إذ تختال كالفحل؟! وللتاريخ بنيان.