بقلم الناقد/ حسن الموسوي
وسط هذا الكم الهائل من المؤلفات التي اكتظت بها المكتبات فليس بالأمر الهين ان نكتب قصة تنال إعجاب الجميع كما يعتقد البعض. فهي تحتاج إلى كاتب متمرس يمتلك الموهبة ومتسلحا بالأدوات التي تساعده في كتابة شيء مميز على ان يراعي فيها الزمان والمكان والحوار والشخصيات والحوار والفكرة والعقدة والحل.
والروائي سالم بخشي من الكتاب الذين استطاعوا ان يتركوا بصمة مميزة من خلال اعماله الأدبية. والمجموعة القصصية السمفونية المكورة التي نحن بصددها خير شاهد على إبداع هذا الكاتب.
فمن العنوان نجده قد اختار عنوانا فيه الدهشة التي تثير فضول القارئ.
يشير بسام قطوس إلى أن العنوان هو سمة العمل الفني او الأدبي الأول من حيث انه يضع النص الواسع في حالة اختزال. وقد قسم الكاتب هذه المجموعة إلى فصول وأسماها باقة سردية باتجاهات مختلفة لكتاب واحد.
كما تعمد القاص على تصنيف فصوله وفق رؤيته المسبقة، ففي الفصل الثاني أو الشكل الثاني كما يحلو للكاتب ان يسميه نجده قد صنفه ضمن الاتجاه الفلسفي من خلال قصته (القفص) ومن بداية القصة نجد الحوار الفلسفي بين أبطال القصة وهم: الطائر، وانثاه، وفرخهم الصغير. وقد تمحور الحديث حول الحرية والطعام الجاهز داخل القفص والذي يأتيهم من دون عناء.
وهنا تثار عدة أسئلة حول موضوع الحرية والعبودية. هل الحرية أثمن من الغذاء؟ وهل الحرية مع فرضية عدم توفر الغذاء مع المخاطر الكبيرة التي قد يتعرضون لها خارج القفص هي الحل المثالي للتخلص من العبودية؟ وهل الطعام الجاهز الذي يأتيهم إلى القفص بسهولة هو سبب كافي للرضوخ إلى العبودية؟!
فلسفة جميلة كتبت بطريقة الحوار الممسرح رغم الخيبة التي تلقاها الطائر حينما ماتت انثاه وهي تحاول أن تبين لفرخها الصغير قيمة الحرية.
وهذا الموضوع يقودنا إلى جدلية الحرية والعبودية حيث نجد في الآية 256 من سورة البقرة {لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم}
ان الحرية والدين امران متلازمان، لكن الأشكال الكبير يكون حينما تفسر الحرية كيفما اتفق. وعلى قاعدة ان الأمور لا تعرف إلا بأضدادها فقد بات مفهوم الحرية والعبودية من الأمور المتلازمة وان كان لكل مفردة المعنى الذي يناقض الآخر.
فالعبودية بمعناها العام تعني الخضوع والتذلل التام وتكون مرتبطة بصورة مباشرة بالجهل والتخلف، اما الحرية فهي كسر كل القيود ولها علاقة مباشرة بالمعرفة والتعليم، ولأن الحياة لا تكون حرة ولا كريمة إلا مع الحرية وحتى الموت لا يكون موتا مطمئنا إلا من أجل الحرية.
وفي الفصل الأخير والذي أسماها الكاتب الاتجاه الحداثي وهذه حالة جديدة تحسب للكاتب من حيث تصنيف فصوله وفق مسميات واتجاهات خاصة به ونجد في القصة الأخيرة (نونة والذئب) انها قد كتبت بالشكل العجائبي والغرائبي من أجل إيصال رسالة ما، او لتسليط الضوء على حدث بشع ومرعب وكان علامة فارقة في الذاكرة العراقية وأعني بذلك المقابر الجماعية والتي راح ضحيتها الكثير من أبناء الشعب العراقي من غير ذنب ارتكبوه سوى إنهم قد عاشوا في زمن ملعون وفي بلد لفظ أبناءه في غفلة من الزمن!
ومن الناحية الفنية فلقد كان القاص بارعا جدا في هذا التوظيف حيث الجثة المدفونة في هذه المقابر الجماعية وقد أخذت تناجي نفسها وتتمنى الخلاص من هذا المصير على الرغم من انقضاء سنين عديدة وهي على هذا الحال.
لقد كانت الجثة تتأمل ان يأتي من ينقذها بعد أن سمعت أصوات بشرية في هذه البقعة المقفرة. لكن الضربة القصصية المبهرة هي عندما نكتشف أن الجثة المتحدثة، لم تكن غير دمية أطفال، أنسنها السارد ببراعة وكشف عبرها جرائم القبور الجماعية.
ان الكاتب الجيد هو الذي ينظر إلى الأدب على أنه وسيلة لتمرير رسالته سواء كان ذلك بالأسلوب المباشر او الأسلوب المرمز وان يستخدم جميع التقنيات المتاحة التي تمكنه من تمرير تلك الرسائل عبر كتاباته الأدبية.
بقي ان أشير إلى أن هذه المجموعة هي من إصدارات منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق للعام 2021 وهي من القطع المتوسط وتتكون من 173 صفحة.