الكاتب والباحث : سردار علي سنجاري
الجزء الاول
دراسة عن تاريخ الحزب الديمقراطي الكوردستاني منذ تاسيسه الى يومنا هذا والمراحل التي مر بها باختصار لان تاريخ الحزب الذي يدخل عامه السابع والسبعون لاتكفيه اجزاء معدودة بل نحتاج الى مجلدات تمكن الاجيال القادمة من معرفة افكار واهداف الحزب وسبب استمراريته رغم العديد من النكسات والمؤامرات المحلية و الدولية التي واجهته.
تمر علينا اليوم الذكرى السابعة والسبعون لتاسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي جاء تاسيسه في مرحلة تاريخية هامة وبشخصية تاريخية هامة حيث انبثق الحزب الديمقراطي الكوردستاني في ١٦/٨/١٩٤٦ حيث شهدت تلك السنوات احداث هامة على الساحة الكوردستانية خاصة والشرق اوسطية عامة ومنها تم إعلان ولادة (جمهورية مهاباد الشعبية الديمقراطية) الكوردية بواسطة زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني في إيران الشهيد قاضي محمد في 22 كانون الثاني عام 1946 وعاصمتها مهاباد والتي كانت تضم في صفوفها القائد الخالد الملا مصطفى البارزاني الذي اسس في دوره الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق في مثل هذا اليوم وقبل سبعة وسبعون عاما .
كما شهدت تلك السنوات استقلال العديد من الدول العربية منها الجمهورية العربية السورية والمملكة الاردنية الهاشمية وفِي نفس العام اندلعت انتفاضة فبراير 1946 أساساً بين الطلبة في القاهرة بعد ان افتضح أمر مفاوضات سرية أجرتها الحكومة المصرية انذاك مع انكلترا . وكانت الانتفاضة الشاملة في أغلب مدن مصر الكبرى تعبيراً عن فقدان الطبقات الحاكمة سيطرتها على جموع العمال والطلاب والفقراء في مصر نتيجة لعجزها الواضح عن إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادي والاجتماعية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. وكذلك شهدت تونس والجزائر احداث وتغيرات وشهدت ولادة احزاب محلية وطنية جديدة وكذلك تم تاسيس الاتحاد العام التونسي للشغل في نفس السنة الذي يعتبر احد اهم المؤسسات التنفيذية لصنع القرار في تونس وله تاثير كبير في كافة المجريات والاحداث . وقد دب الحماس في الشباب من كافة المكونات منادين بالاستقلال والحرية ونبذ الاحتلال بكافة اشكاله وادواته ومنهم الشباب الكورد الذين وحدوا صفوفهم ونشطوا في المجالات الثقافية واسسوا حزب ( هيوا – الأمل) الذي برز دوره في فترة تاريخية مهمة من تاريخ الشعب الكردي, نظرا لما مرت تلك الفترة من احداث خطيرة ومهمة و منها الحرب العالمية الثانية(1939-1945) وما كان لها من أثر على كوردستان العراق فضلا عن وجود بعض الجمعيات والتيارات السياسية والفكرية العديدة التي اهتمت بالمسألة الكردية انذاك, الا ان حزب هيوا كان بمثابة الوعاء الذي تجمعت حوله غالبية هذه التيارات . لقد تأسس حزب هيوا في كركوك سنة 1939 , على أنقاض جمعية ( داركه ر – الحطاب) التي قد تأسست سنة 1936 في اربيل ومن ثم تحول الى حزب سياسي له مكانته البارزة, حيث التفت حوله غالبية فئات وشرائح المجتمع الكردي.
ثم جاء تأسس الحزب الديمقراطي الكوردستاني في 16 آب عام 1946 بقيادة الخالد الملا مصطفى البارزاني في البداية كان اسم الحزب هو (الحزب الديمقراطي الكردي) ولكن في المؤتمر الثالث بتاريخ 26/1/1953 المنعقدة في مدينة كركوك، تقرر تغيير الاسم إلى (الحزب الديمقراطي الكوردستاني). مر الحزب الديمقراطي الكوردستاني بمراحل هامة ومتغيرات كبيرة خلال مسيرته النضالية وكانت انطلاقته الاولى اعتمدت على تبني الفكر القومي الكوردي وسط مجتمع مؤمن بالعشائرية والطاعة والولاء لزعيم العشيرة وهذه المرحلة كانت تحتاج الى الحنكة والصبر والتحمل لاقناع المجتمع الكوردي وبالاخص في مناطق بهدينان حيث تعتبر العشيرة ركن هام من اركان المجتمع الكوردي الذي لم يكون مستعدا للولاء لشخص خارج عشيرته وهنا كانت الصعاب في اقناع العديد ان لم نقول غالبية العشائر الكوردية في منطقة بهدنان للانضمام الى حزب كوردي سياسي يقوده شخص من عشيرة بارزان التي عرفت عبر تاريخها انها اكثر العشائر الكوردية ايمانا بالفكر التحرري الكوردي وساهمت بشكل فعال في تبني ذاك الفكر وواجهت الحكومات المتعاقبة منذ العهد العثماني حتى قيام الدولة العراقية .
وبسبب وجود مؤسس الحزب الخالد الملا مصطفى البارزاني في منفاه في الاتحاد السوفيتي فقد قام بعض رفاقه بالعمل الجاد من اجل نشر مباديء ورؤية الحزب بين الجماهير الكوردية وقد التفت غالبية الطبقات حول تلك المبادي والاهداف التي تدعوا الى الديمقراطية والحرية للشعب العراقي عامة بكافة مكوناته والحكم الذاتي لكوردستان العراق .
بعد قيام ثورة ١٤ تموز التي غيرت نظام الحكم من ملكي الى جمهوري والتي عاهدت الشعب على الانفتاح والحريات والعمل المؤسساتي وفتح الافاق العلمية امام الشعب العراقي والتي تبين فيما بعد على انها كانت مجرد شعارات وهمية للسيطرة على دفة الحكم والعمل على تحويل العراق من دولة ملكية دستورية الى جمهورية عسكرية يحكمها بعض الضباط الذين فشلوا في تحقيق التوازن بين رغبات الشعب المدنية المشروعة وبين طموحاتهم اللامحدودة في خوض الحروب وادخال العراق في نفق مظلم مازلنا ندفع ثمنه الى يومنا هذا . في تلك الحقبة الزمنية كان البارزاني الخالد يراقب الاحداث في العراق باهتمام وكان يحمل الامال في التغيير الحقيقي والتحول الديمقراطي للعراق ومن اجل هذا بعث ببرقية تهنئة الى قائد الثورة عبد الكريم قاسم مهنئا الشعب العراقي وقائده بالانتصار وتحقيق طموح الشعب العراقي وطلب منه الاذن بالعودة مع رفاقه الى العراق وقد وافق عبدالكريم قاسم على عودة البارزاني للعراق والعمل معا من اجل عراق حر ديمقراطي يبنى على اسس الاخوة وتقبل الاخر بين الشعبين العربي والكوردي .
وعند عودة الخالد الملا مصطفى البارزاني من براغ الى العراق عبر القاهرة في ٣ تشرين الاول ١٩٥٨ حيث قام وفد رفيع المستوى من اعضاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني في استقباله في القاهرة وكان من ضمنهم المرحوم مام جلال الطالباني وفي القاهرة تم استقبال البارزاني بحفاوة كبيرة من قبل الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر مما اثار تحفظ كل من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانية ونستدل على ذلك من خلال البرقيات المرسلة من قبل سفراء تلك الدول في القاهرة الى حكوماتهم . وفي السادس من تشرين الاول ١٩٥٨ وصل البارزاني الخالد الى بغداد مع عائلته و تم استقباله بحفاوة واحتفالات كبيرة في بغداد من قبل كافة مكونات الشعب العراقي وفتحت صفحة جديدة من العلاقات العربية – الكوردية التي كانت بحق تعتبر من اقوى وامتن العلاقات بين قوميتين مختلفتين في وطن واحد في الشرق الاوسط . وفي ١٦ نيسان ١٩٥٩ عاد رفاق البارزاني الخالد من الاتحاد السوفيتي عبر البحر و كانت جماهير البصرى في استقبالهم بحفاوة كبيرة عكست مدى محبة الشعبين وتقبلهم لبعض في تلك الفترة الزمنية المميزة من تاريخ العراق الحديث .
مر الحزب الديمقراطي الكوردستاني ابان ثورة تموز التي قادها الزعيم عبد الكريم قاسم بمراحل متعددة كانت بدايتها ترتكز على تقبل الاخر واحترام حقوق الشعب الكوردي ومتطلباته المشروعة والعادلة ضمن جمهورية فتية تسعى الى تركيز ركائزها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالطرق الصحيحة . وتم الاعلان الرسمي من قبل حكومة قاسم على ان العراق بلد قوميتين العربية والكوردية وانهم شركاء في الوطن ونص الدستور العراقي على ذلك وتم تخصيص وزارات للكورد .ساند البارزاني الخالد عبد الكريم قاسم ووقف الى جانبه في محطات هامة وحساسة خلال حكمه واهمها موقفه من حركة الشواف في الموصل الذي كان للحزب الديمقراطي الكوردستاني وضباط والجنود الكورد دورا في اخمادها في اللواء الخامس . رغم الانجازات التي تحققت خلال فترة حكم قاسم كالغاء قانون العشائر والغاء الاقطاع وساهم في بناء المشاريع العمرانية للموظفين وذوي الدخل المحدود وبناء المستشفيات والمدارس والجامعات الا ان هذه الاعمال كانت تقابلها ديكتاتورية فتية ترسخت في فكر قاسم مما جعله وحيدا ومنعزلا من قبل كافة الاحزاب التي وقفت وساندت ثورته ومنهم الحزب الديمقراطي الكوردستاني . تدهورت العلاقة بين عبد الكريم قاسم والقيادة الكوردية بعدعدة تصرفات غير مسؤولة قام بها عبد الكريم قاسم باتجاه البارزاني ومنها استقباله اغوات كورد من مناوئيين للبارزاني مما ازعج البارزاني واعتبر هذا التصرف اهانة بحقه وجاء ذلك في فترة انعقاد الموتمر الخامس للحزب في بغداد بين الفترة ٥-١٠ ايار ١٩٦٠ في مقره الجديد في شارع سعدون . وفي ١٥ تشرين الاول ١٩٦٠ تم توقيف المناضل الشهيد صالح اليوسفي الذي كان عضوا في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني ايذانا من قاسم ببدء الحملة على الحزب واعضائه . اخذ عبد الكريم قاسم يدعم منافسي البارزاني بالمال والسلاح ودعم اغوات الكورد وتحريضهم على البارزاني وحزبه .