٢-٢
د.توفیق رفیق التونجی
اما التوركمان خاصة بعد انهيار الدولة العثمانية وتأسيس الدولة العراقية عام 1921 ولاحقا إعلان استقلال العراق عن بريطانيا عام 1932 وحتى ثورة الرابع عشر من تموز وإعلان النظام الجمهوري في العراق 1958 وإلغاء الأحزاب السياسية كانت تتمحور على أساس عدم تأسيس أحزاب سياسية علنية خاصة بالتركمان بل بالعمل ضمن إطار الأحزاب السياسية العراقية العاملة على الساحة السياسية وعدم خوض اي صراع مسلح مع الدولة من اجل الحقوق القومية الثقافية والسياسية وكان من نتائج تلك السياسة السلمية الحكيمة والحيادية ان أبناء الشعب التركماني قد وجدوا مكانتهم وباستحقاق في معظم الأحزاب العراقية حتى القومية العربية والكردية منها حيث تبوء العديد منهم مناصب وزارية ووظائف مرموقة عالية في دوائر الدولة ومؤسسات الجيش. تغيرت هذه الصورة بعد عام 1995 وصاعدا. هذه الخارطة الثقافية التاريخية مهمة جدا في دراستنا عن ادب اهل المنطقة. ان مجمل الانتاج الابي الثقافي التعددي كان ذو طابع تسامحي انقلب وكما ذكرت لاحقا الى نوع من التقوقع العنصري القومي الثقافي.
هذا نموذج رائع لروح تلك المرحلة يتغنى بها شاعر كركوك الكاكائي هجري د هده (1877-1952) وهو جالس كعادته في مقهى جوت قهوة ويقول:
أيها النسيم ألهاب
اعرض حالي على أهلي
الغربة، حتى لو كانت جنة
لا تكون وطنا
يقول شاعر كركوك فاضل العزاوي:
قل للقابع في كهفه
متروكا للوحدة والنسيان
انهض لترى وجهك في مرآة الحجر العمياء
انهض من نومك وأطلق صرختك المكتومة
صرختك المرة في الاذان الصماء
يجب ان لا ننسى كذلك بان معظم الصحف الصادرة في تلك الفترة كانت تعبر عن روح التسامح بين ابناء المنطقة فقد صدرت باللغة التوركمانية والكوردية ويعد صلاح الدين ساقي اوغلو ومحمد خورشيد داقوقي اكثر من 69 صحيفة كتب فيها بالتوركمانية والكوردية والعربية. هؤلاء بعض الاسماء في عالم الادب الثقافي التعددي الذين ما برحوا يعكسون هموم ابناء المنطقة وامالهم في كتاباتهم الادبية الابداعية امثال:
زهدي الداوودي ، صلاح فائق، حمزة حمامجي، عمر قزانجي، الاخوان محمد و نصرت مردان، جليل القيسي، فاضل العزاوي، مؤيد الراوي، سركون بولص، أنور الغساني، فلك الدين كاكئي، هجري ده ده، عبد اللطيف بندراوغلو، يوسف الحيدري، اسماعيل سرت توركمان، لطيف هلمت،عبد الله كركوكلي، د. عبد الله ابراهيم، محمد بيات، صلاح نورس، رمزية مياس، خاجيك كرابيت، حسين علي مبارك، ملكو احمد، حسام حسرت، فائق كوبرلي، فهمي كاكئي، حسن كوره،عمانوئيل ماركو، فاروق فائق كوبرلو، شيخ رضا الطالباني، عمر اغا ترجيللي، جوبان حيدر، ابراهيم الداقوقي، قاسم صاري كهية، خير الله كاظم، نوزاد عبد الكريم، حكيم نديم الداوودي،رمزي جاوش، اشتي كمال، سنان سعيد، عواد علي، محمد عزت خطاط، توفيق جلال اورخان، محمد خورشيد داقوقي، عطا ترزي باشي، اسعد نائب، حبيب هرمزلي، أبتسام عبد الله، عوني النقاش، الاب يوسف سعيد، الخوري دانيل شمعون، محمد خضر محمود، أرشد هرمزلي، شاكر صابر ضابط، الخطاط رفعت، حقي اسماعيل بياتلي، فاروق صيري، ياسين الحديدي، نوزاد احمد، خضر لطفي، قحطان هرمزلي، اسماعيل ابراهيم العبيدي، عبد السلام حلمي، فاروق مصطفى،عواد علي، محي الدين زنكنه وكاتب المادة واخرون لا يمكن عدهم وحصرهم وقد أكون نسيت بعض الأسماء ودون قصد فإليهم جميعا أقدم اعتذاري.
ان ما يميز ادب هؤلاء الجمهرة من المبدعين انتمائهم الى مجتمع كركوك الكبير بتكوينه العقائدي والقومي وعكسهم لهموم ابنائها بصورة حيادية في فترة زمنية تاريخية في حياة المنطقة. طبعا هناك استثناءات في نصوص البعض منهم حيث يسودها نوع من القومية العنصرية متأثرين بالحوادث المؤسفة التي رويت قسما منها، قارئي العزيز.
قد اكون لا احيد عن الصواب اذا ادعيت بان قلما تجد في المدن العراقية تسميات مشابه لتك المسميات للأحياء كركوك وخاصة التنوع الثقافي في تلك التسميات انظر مثلا أسماء مثل :
بكلر , قلعة ، بولاغ , جوقر محله سي، عرصة , قيصري، ام الربيعين، كاور باغي، دمير باش، امام قاسم , تعليم تبة، طريق بغداد، شاطورلو، الماز، قورية، اخر حسين، مصلا، تسن، ينكي تسن، بريادي، حمام علي ، قورية، عرب محله سي، حديديلار، كاور باغي، برتكيه، تبه ملا ملا عبد الله، رحيم اوا ، قصابخانه، ازادي ، حمزلي، صاري كهية، عرفة، ينكي عرفة، إسكان، شورجة، . . . وأسماء أخرى استحدثت ولكن مع الأسف بنفس قومي عربي دون الأخذ بالاعتبار لتركيبة القومية لأبناء المدينة خاصة خلال فترة الحكم الدكتاتوري الذي دام 35 عاما.
التسميات حصيلة التنوع الثقافي العرقي والاثني لأبناء المدينة من ، الكرد، التركمان، الكلدو اشوريين، العرب والأرمن كما نجد محلات لليهود ومتاجر كانت خاصة بهم قبل نزوحهم الجماعي الى فلسطين عام 1948 خاصة على قطوف القلعة حيث محلة بريادي (البير من الألقاب الدينية للكاكئين) يسمى الحي كذلك طوقات محلسي نسبة الى مدينة طوقات في جمهورية تركيا الحالية، حيث بيت اجدادي واسواق القيصرية القديمة. كما نرى مقابر ابناء المدينة من الراحلين من الديانات السماوية الثلاث والعقائد الدينية الاخرى على اطراف المدينة وفي القلعة القديمة التي هدمت حيها. وهناك احياء اطلق اسم احد الوجهاء من ساكنيها عليها ولحد يومنا هذا وربما تجد هناك قبرا او تكية لأحد التقات او الدراويش او السادة في وسط الحي “دمير باش” ,” عبعولك” , ” تكيه شيخ جميل طالباني” “مقام دانيال” ومن الملاحظ ان بعضها تسميات احياء حديثة كـ”عرفة ” التي تعود الى العهد الملكي حيث كانت المدينة تسمى في عهد الحضارات القديمة (ارباخا او اربخا)، وحي الاسكان، ازادي الذي انشأ بعد ثورة الرابع عشر من تموز حيث البرنامج الاسكاني الطموح الذي باشر بتنفيذه المغفور له الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم لانشاء دور لذوي الدخل المحدود والفقراء والنازحين من فلاحي القرى والأرياف اللذين قدموا من اجل العمل والكسب. اما التسميات الأخرى فيبدو إن المهنة أحيانا تطغي على تسمية الحي كحي العمال او المعلمين ودور الضباط وتسميات اخرى حديثة ظهرت في السنوات الاخيرة وبصورة خاصة بعد عام 1968 اثر السيطرة الشمولية للبعث على السلطة في العراق طغى التعريب على مسميات الأحياء كالقادسية والواسطي والسابع من نيسان والعروبة والبعث وهذه التسميات الاخيرة سمة عامة من سمات اسماء الاحياء الجديدة التي استحدثت بنفس قومي بعثي.
تبقى مدينة كركوك وأهلها الكرام نموذجا طيبا تسود فيها الحوار السلمي الحضاري بعيدا عن جميع الأفكار القومية السلبية المدمرة للشعوب. شعب من عليه الرحمن ان يقرأ بأربع لغات ويطرب لاغاني بأربع لغات وينبع من أبارئه النار والنور خيرا لجميع العباد.
السويد
أشارات:
قصيدة الأديب المرحوم د. زهدي الداوودي جزء من قصيدة طويلة مهداة خصيصا للكاتب وتنشر لأول مرة. (الكوردية والتوركمانية) اكتبها بالواو لتسهيل اللفظ لان الأسماء رغم عدم جواز تسكين أولها قواعديا و لكن في معظم اللهجات العربية تسكن الحرف الاول من الأسماء.
*ورد التراكيب الثقافية لمكونات النسيج السكاني لمدينة كركوك في اتفاقية عام 1932 المادة 19 الفقرة الأولى الموقعة بين حكومة دولة العراق الملكية وقوات الانتداب البريطاني باعتبار اللغة الكوردية والتركمانية اساسيتان في المدينة بجانب العربية لغة الدولة وهذا نص المادة:
Art.9-1…………… In the qadhas of kifri and kirkuk, however, in the liwa of kirkuk, where a considerable part of the population is of Turcoman race . the official language, side by side with Arabic. Shall be either Kurdish or Turkish.
Declaration by the Kingdom of Iraq. Signed at Baghdad, May 30, 1932
الفقرة (أ) من المادة 58 (من قانون إدارة الدولة المؤقت):
“تقوم الحكومة العراقية الانتقالية ولا سيما الهيئة العليا لحل النزاعات الملكية العقارية وغيرها من الجهات ذات العلاقة، وعلى وجه السرعة، باتخاذ تدابير، من اجل رفع الظلم الذي سببته ممارسات النظام السابق والمتمثلة بتغيير الوضع السكاني لمناطق معينة وضمنها كركوك، من خلال ترحيل ونفي الأفراد من أماكن سكناهم، ومن خلال الهجرة القسريه من داخل المنطقة وخارجها، وتوطين الأفراد الغرباء عن المنطقة، وحرمان السكان من العمل، ومن خلال تصحيح القومية. ولمعالجة هذا الظلم، على الحكومة العراقية الانتقالية اتخاذ الخطوات التالية:
- فيما يتعلق بالمقيمين المرحلين والمنفيين والمهجرين والمهاجرين، وانسجاما مع قانون الهيئة العليا لحل النزاعات الملكية العقارية، والإجراءات القانونية الأخرى، على الحكومة القيام خلال فترة معقولة، بإعادة المقيمين الى منازلهم وممتلكاتهم، وإذا تعذر ذلك على الحكومة تعويضهم تعويضا عادلا.
- بشأن الأفراد الذين تم نقلهم الى مناطق وأراض معينة، على الحكومة البت في أمرهم حسب المادة 10 من قانون الهيئة العليا لحل النزاعات الملكية العقارية، لضمان إمكانية إعادة توطينهم، او لضمان إمكانية تلقي تعويضات من الدولة، او إمكانية تسلمهم لأراض جديدة من الدولة قرب مقر أقامتهم في المحافظة التي قدموا منها، او إمكانية تلقيهم تعويضا عن تكاليف انتقالهم إلى تلك المنطق.
- بخصوص الأشخاص الذين حرموا من التوظيف او من وسائل معيشية أخرى لغرض إجبارهم على الهجرة من أماكن إقامتهم في الأقاليم والأراضي، على الحكومة ان تشجع توفير فرص عمل جديدة لهم في تلك المناطق والأراضي.
- أما بخصوص تصحيح القومية فعلى الحكومة إلغاء جميع القرارات ذات الصلة، والسماح للأشخاص المتضررين، بالحق في تقرير هويتهم الوطنية وانتمائهم العرقي بدون إكراه او ضغط.”
المادة 136 (من الدستور العراقي الدائم).
أولا: تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها.
ثانيا: المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور على أن تنجز كاملة (التطبيع، الإحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الأول لسنة ألفين وسبعة.”
الصورة الاولى ابناء كركوك عام 1958من كتاب:
Kurdistan- report and photos Archive 1957-1962, M. Zikmund, J. Hanzelka, J.Novrotny, 1962 , Czechoslvika.