د. قحطان احمد الحمداني
شخصية عراقية وطنية بسيطة كبساطة البيئة الريفية التي ولد فيها، وعاش طفولته وفتوته بين مزارعها وحقولها مع اضرابه من فتيان عشيرته (الحميدات) في قريته (الايشان) في ريف الشامية، التي رضع منها حب الارض، فقد درس الابتدائية في مدرسة الشامية، والمتوسطة في النجف، وانتقل الى بغداد العاصمة للدراسة في الثانوية المركزية، فوجد بيئة جديدة مختلفة في عاداتها وتقاليدها، واستمع الى النقاشات السياسية في الوسط الطلابي، وقرا الصحف، وشاهد المظاهرات السياسية التي تملا شوارع بغداد، والتي شارك فيها زملاؤه الطلاب وتشبع بالأفكار السياسية ، ومفردات الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وما لبث ان التحق بكلية الحقوق، ودرس الحقوق والحريات العامة والواجبات المنصوص عليها في الدساتير، ومواد العلاقات الدولية ، والقانون الدولي العام، فايقن بوجود خلل في العملية السياسية في العراق، وان احزاب المعارضة تعمل وفقا لمبادئها في نقد السياسات الحكومية، وبعد جدل ذاتي، وحيرة نفسية، استقرت جوارحه فاختار الحزب الوطني الديمقراطي للتعبير عن طموحه السياسي، وانتظم في صفوفه، ليتخرج بعدها عام 1950، حاملا شهادة البكالوريوس في الحقوق، وممتهنا مهنة المحاماة، ويبدو ان اسرته لم يكونوا بعيدين عن النشاطات السياسية المحظورة، فقد كان اخوته كل من مجيد الحاج حمود ومحمد الحاج حمود أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي، واخرين ،ولكنهما تراجعا، واصيح مجيد الحاج حمود عضوا في الحزب الوطني الديمقراطي، بينما سافر محمد لإكمال دراسته، تاركا صفوف الحزب الشيوغي.
شارك هديب الحاج حمود البدن في كل نشاطات الحزب، سواء في بغداد او الشامية، وكتبت دوائر الامن العامة عنه، بانه من عناصر اليسار المعتدل، وبانه ” حاول اخراج الفلاحين من دائرة الاقطاعيين الموالين لنوري السعيد “.
وبما انه ابن ملاك، وثري فقد بنى في قريته قصرا لنفسه يجتمع فيه بأبناء عشيرته، وقيادات الحزب الوطني الديمقراطي، ورجال الفكر والوطنية، لكنه لم يكن بمنأى عن عيون الامن الذين كانوا يرصدون حركاته ونشاطاته السياسية، فكتبوا عنه :” ان المحامي هديب من رؤساء عشيرة الحميدات، ويجمع اقطاب المعارضة في دار ضيافته، وما زال في رقابة مشددة ” ، وفعلا فقد انتخب عضوا في اللجنة المركزية للحزب، وكان يدعو الى تشكيل جبهة وطنية من احزاب المعارضة تضم اليساريين والقوميين، والتي تحققت عام 1957، من اجل الاطاحة بالنظام الملكي، واقامة نظام وطني شعبي ديمقراطي، وتنفيذ اصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية، وفي مقدمتها انصاف الفلاحين، ومنحهم حقوقهم الطبيعية في امتلاك الارض وزرعها، والحصول على انتاجها، من خلال قانون الاصلاح الزراعي, وقد تعرض للاعتقال اكثر من مرة من قبل قوات الشرطة والامن، ولكن الحاج رايح العطية من شيوخ الحميدات كان يتوسط لإخراجه من السجن بفعل علاقاته مع المسؤولين العراقيين آنذاك .
ولعل من اهم مآثره وهو مالك للأرض منحه الفلاحين العاملين في ارضه نصف الانتاج، بدلا من ثلث الانتاج الذي كان معمولا به في ذلك الوقت، وبذلك فقد اكتسب شعبية كبيرة بين الفلاحين في منطقة الفرات الاوسط، واندلعت مظاهرات فلاحية تحييه، وتطالب بان تكون حصة الفلاحين من الغلة نصف المحصول، وفعلا اقر مجلس الامة طلبهم، بمناصفة الانتاج. وتقول بعض المصادر انه رغم كونه ابن ملاك فقد شارك في ثورة الفلاحين ضد الاقطاعيين عام 1954، مما جعله قريبا من الشيوعية في نظر البريطانيين.
ورشحه الحزب الوطني الديمقراطي في انتخابات مجلس النواب عام 1954 باسم الجبهة الوطنية، لكن السلطات اعتقلته، وحالت دون نجاحه. كما رشحه الحزب لوزارة الزراعة، من اجل تنفيذ الاصلاح الزراعي في العراق.
بعد ثورة 1958 تراس الوزير لجنة الاصلاح الزراعي التي الفها مجلس الوزراء لدراسة الوضع الزراعي في البلاد، واعداد لائحة قانون الاصلاح الزراعي التي كان من بين اعضائها الدكتور طلعت الشيباني، والسيد عبد الرزاق الظاهر، ومسعود محمد، وقرني الدوغرمجي، وهم من اعضاء الحزب الوطني الديمقراطي او اصدقائه، اضافة الى فريد الأحمر المحسوب على الحزب الشيوعي، والذي كان أقرب الى جماعة عبد الفتاح ابراهيم من الحزب الشيوعي.
وفي 30 ايلول 1958 اذاع عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء قانون الاصلاح الزراعي رقم (30) لسنة 1958 ، الذي اقر تحديد الملكية الزراعية للملاكين، وتوزيع الاراضي المشمولة بالقانون الى الفلاحين الذين لا يملكون ارضا زراعية، والذي يعتبر اهم تشريع صدر في تلك المرحلة.
ورغم المشاكل التي اكتنفت تطبيق القانون، ووجود ثغرات فيه، واتهام الحزب الشيوعي للقانون بانه برنامج البرجوازية الاولى، فقد تم توزيع ما يقارب مليون ونصف المليون دونم من أصل اربعة ملايين ونصف المليون من الدونمات المصادرة من الملاكين والاقطاعيين. وتولى هديب الحاج حمود وزارة الاصلاح الزراعي، اضافة الى وزارة الزراعة، لكن الخلافات في الحزب اجبرت الوزير على تقديم الاستقالة بناء على طلب رئيس الحزب، وحين حدث انشقاق في الحزب، وشكل محمد حديد حزبا جديدا باسم الحزب الوطني التقدمي، آثر هديب الحاج البقاء مع جناح الجادرجي وأصبح نائب الرئيس في انتخابات الحزب عام 1960. وبعد ذلك ضعف الحزب، وتوقفت جريدته عن الصدور.
ان هديب الحاج حمود كان عازفا عن السلطة، وقد التزم بالانسحاب من الوزارة بناء على طلب الحزب، وشارك في كل نشاطات الحزب وانتخاباته، وتحمل شظف العيش، وبقي امينا على مبادئه، نزيها، لم ينزلق الى المهاترات السياسية، ولم يتطرف، وحين نحى بعض السياسيين منحى بعيدا عن الواقع ارتأى ان ينزوي في قريته، ملازما كتبه واوراقه، ويجتمع بأبناء عشيرته واولاده واحفاده، يحنوا عليهم، ويزرع فيهم الطيب والاخلاق وحب الوطن.