متابعة – التآخي
في وجه آخر لتصاعد التهديدات الناجمة عن تفاقم ظواهر التطرف المناخي والتدهور البيئي التي تعصف بالعالم، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، أنها بصدد التوصية بإدراج مدينة البندقية الإيطالية المشيدة فوق الماء على قائمة المواقع المعرضة لخطر الانقراض.
وبحسب وثيقة صدرت عن المنظمة فإن المدينة التاريخية تواجه مخاطر كثيرة بفعل آثار تغير المناخ، والسياحة الجماعية والتنمية الحضرية.
وقالت لجنة التراث العالمي التابعة للأمم المتحدة في بيان، إن الحكومة الإيطالية لم تحرز تقدما كافيا في تنفيذ التدابير اللازمة لحماية المدينة العتيقة، مشيرة الى ان مجلس الوزراء الإيطالي “لم يتعاون مع الجهود الرامية لمعالجة الأضرار التي لحقت بالنظام البيئي في البندقية”، ومبينة “أن المتخصصين في علم المناخ، راقبوا عن كثب التأثيرات البيئية على البنية التحتية الهشة للجزيرة الإيطالية، وحذروا مرارا من النتائج”.
وسيحسم التصويت على وضع البندقية في القائمة المهددة بالانقراض توصية اليونسكو، وذلك في اجتماع المنظمات الأعضاء في الوكالة، والبالغ عددها 21 منظمة، المقرر في ايلول 2023، خلال القمة التي ستعقد بالعاصمة السعودية.
يقول خبراء البيئة والمستشارون في سياسات واستراتيجيات المياه، انه مع الأسف البندقية باتت من المناطق الهشة والمهددة بالتأثيرات البيئية والمناخية السلبية المتفاقمة خلال السنوات الأخيرة، فدرة شمال إيطاليا المعروفة بقنواتها المائية الشهيرة ومبانيها الأثرية، ومعالمها السياحية والثقافية العريقة باتت في عين عاصفة التغير المناخي.
لكن كذلك بسبب الضغط السياحي والتوسع العمراني والنشاط التجاري غير المراعيين لخصوصيتها، فإن المدينة تواجه تحدي التآكل الهيكلي بسبب تذبذب مناسيب المياه وتلوثها، وموجات الجفاف التي تضرب جنوب أوروبا وخاصة إيطاليا.
وقامت الحكومة الإيطالية والجهات المعنية باتخاذ إجراءات وخطوات للحفاظ على التراث الثقافي للبندقية، ولكن على ما يظهر فإنها غير كافية للحيلولة دون فقدان ملامحها السياحية والتاريخية وضياع هويتها البيئية والجمالية المميزة؛ وهكذا فتحذير اليونسكو من انقراض هذه المدينة الملهمة، يرتبط بالتهديد الداهم لها بفعل عوامل طبيعية وبشرية متداخلة، سيما وأن المياه التي تجري في شوارعها وأزقتها هي من أهم عناصر اللوحة الجمالية للبندقية.
ولكون المياه تشكل الشريان الحيوي لها، حيث أن القنوات المائية هي الوسيلة الرئيسة للتنقل في المدينة، بوساطة القوارب والزوارق كوسيلة للتنقل بين الجزر والأحياء المختلفة في المدينة، فانها توفر بيئة سياحية فريدة تجذب السياح من جميع أنحاء العالم، ومع ذلك تواجه البندقية حاليا تحديات وضغوطات بيئية ومناخية متعاظمة، وخاصة الارتفاع المستمر لمستوى سطح البحر، ما يضع هذه المدينة أمام خطر الاندثار.
وتعاني البندقية من السياحة الجماهيرية منذ أعوام وبمعدل بلغ 25 مليون زائر سنويا قبل جائحة كورونا، اذ انه في يوم واحد فقط من أيام كرنفال 2019، احتشد نحو 200 ألف شخص في المركز التاريخي للمدينة؛ لكن هناك تهديدات أحدث وأكثر إلحاحا، تتمثل بتغير المناخ، بما في ذلك ارتفاع منسوب البحار والظواهر الجوية المتطرفة.
ويحذر علماء المناخ من أن البندقية يمكن أن تغمرها المياه بالكامل بحلول عام 2100، فقد اجتاحتها فيضانات قياسية في عام 2019، وألحقت أضرارا جسيمة بكنيسة القديس مارك وأغلقت المواقع الثقافية بشكل مؤقت.
وأوصى خبراء بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) بإدراج مدينة البندقية وبحيرتها على قائمة المنظمة للتراث العالمي المعرض للخطر، إذ إن إيطاليا لا تفعل ما يكفي لحماية المدينة من أثر تغير المناخ والسياحة الجماهيرية، بحسب قولهم.
ويجري خبراء مركز التراث العالمي التابع ليونسكو مراجعة منتظمة لحالة 1157 موقع تراث عالميا مدرجا بالمنظمة، وستراجع لجنة مكونة من 21 دولة من أعضاء يونسكو أكثر من 200 موقع وستقرر أيها ستضيف إلى قائمة التراث المعرض للخطر خلال اجتماع في الرياض في ايلول.
وبالنسبة لعشرة من هذه المواقع تقريبا، يوصي الخبراء بأن تدرجها الدول الأعضاء على قائمة الخطر، ومن بينها وسط مدينة أوديسا الأوكرانية، وقرية تمبكتو في مالي، وعدة مواقع في العراق وسوريا وليبيا؛ ومن المواقع الأخرى الموصى بوضعها على القائمة في هذا العام مدينتا كييف ولفيف في أوكرانيا.
وتقول اليونسكو “مشكلات قديمة لكنها ملحة تستعصي على الحل بسبب الافتقار إلى الرؤية الاستراتيجية العامة المشتركة للحفاظ على المواقع فضلا عن ضعف كفاءة الإدارة المتكاملة المنسقة للأطراف المعنية على جميع المستويات”. وذكرت يونسكو أن التدابير التصحيحية المقترحة من إيطاليا “غير كافية وليست مفصلة بما يكفي في الوقت الحالي”.