علي نجم العبدالله
تعد انتخابات مجالس المحافظات من أهم العمليات الديمقراطية التي تجري في العديد من دول العالم، ومن التجارب الاستثنائية التي تسهم في ترسيخ النهج الديمقراطي على مختلف المستويات. وتسهم انتخابات مجالس المحافظات في توسيع قاعدة المشاركة السياسية، وتنويع مستوياتها، من المستوى الوطني، الى المستويات المحلية. كما يمكن اعتبار مجالس المحافظات بمثابة مؤسسة محلية تلعب دورًا رئيسيًا في تحسين حياة المواطنين وتحديد السياسات المحلية، ومنح الناخبين فرض اضافية في المشاركة في صناعة القرار السياسي الذي يتعلق بحياتهم مباشرة. وتمثل هذه الانتخابات المحلية أهمية بالغة أيضًا في تحديث المشهد السياسي، وتمكين الناخبين من التعبير عن آرائهم واختيار من يمثلهم في المجالس المحلية، فضلًا على أنها فرصة لتحقيق التغيير الإيجابي في المستوى المحلي، إذ يمكن أن تؤثر بشكل كبير في حياة الناس وتحسين الخدمات العامة. في هذا المقال، سنلقي نظرة مختصرة على بعض التحديات التي تواجه انتخابات مجالس المحافظات ٢٠٢٣، ونستعرض التوازن بين الواقع والطموحات الشعبية.
الواقع السياسي
تواجه انتخابات مجالس المحافظات جملة من التحديات التي يفرضها الواقع السياسي (الوطني والمحلي) على الساحة المحلية، ويمكن إيجازها بالآتي:
التحدي السياسي: إن أبرز التحديات التي يمكن تؤثر في هذه الانتخابات هو الصراع السياسي بين الاحزاب والقوى السياسية الذي يحاول ان يقفز على الاطر القانونية. كذلك يمكن أن تكون ضغوط بعض الاحزاب التي تمارس على العملية الانتخابية بادوات مختلفة من التحديات المؤثرة جدًا.
التحديات الاقتصادية: إن غياب القدرة المالية بين الاحزاب، أو بين المرشحين يؤثر في العملية الانتخابية، كذلك فإن المستوى الاقتصادي للناخب يمكن أن يفعل فعلًا مؤثرًا في توجهاته الانتخابية. وجدير بالاشارة هناك بعض الاحزاب والشخصيات السياسية قد تحاول أن تؤثر في خيارات الناخب محاولة استغلال وضعه الاقتصادي.
التحديات الاجتماعية: لا تزال بعض القيم والآراء الاجتماعية تقف في طريق تحقيق مشاركة جماهيرية واسعة، وهذا ما يمكن أن نسميه بالمشاركة السياسية السلبية عندما تلعب التوجهات الاجتماعية دورًا في زيادة مساحة الامتناع عن المشاركة الانتخابية، وفقدان المواطن ثقته بالعملية الانتخابية على المستوى الخاص، والعملية السياسية ككل على المستوى العام؛ وبالتالي التأثير على المستوى العام للمشاركة الانتخابية، التي بدورها تنعكس في نوعية من سيصلون الى مجالس المحافظات كأعضاء فيها.
التحديات الأمنية: على الرغم من التحسن الكبير في الوضع الأمني إلا أننا لا يمكن في هذه المرحلة ان نستبعد تأثير الجوانب الأمنية في مشاركة الناخبين، إذ لا يزال التخوف من الاستهداف الأمني يقلق قطاعات كبيرة من المواطنين، وهو عبارة عن هاجس وليس بالضرورة أن يكون عاكسًا للواقع.
الطموحات الشعبية
يسعى الناخبون في المحافظات العراقية إلى تحقيق العديد من المتطلبات والاحتياجات، سواء على المجال السياسي أو الاجتماعي والمجالات الأخرى، ويمكن اختصار تلك التطلعات والطموحات بالأتي:
تحسين البنية التحتية: يتطلع الناخبون إلى اختيار أعضاء مجالس قادرين على تحسين البنية التحتية في مناطقهم، بما في ذلك الطرق والمدارس والمستشفيات.
تعزيز المشاركة المحلية: يسعى الناخبون إلى اختيار أعضاء مجالس يعززون المشاركة المجتمعية ويضمنون تمثيلًا فعالًا لمختلف الفئات والمجتمعات داخل المحافظة. كما تمثل هذه الانتخابات فرصة للمواطنين للمشاركة الفعالة في عملية صنع القرار السياسي وتحديد مستقبل محافظاتهم ومصيرها.
تجديد الهياكل السياسية: يتطلع العراقيون من خلال هذه الانتخابات إلى تجديد هياكل السلطة المحلية وتحفيز الابتكار والتغيير الإيجابي في إدارة المحافظات.
مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية: يرغب الناخبون في انتخاب أعضاء مجالس ملتزمين بمكافحة الفساد وتحقيق الشفافية في أعمال المجلس.
التركيز على القضايا البيئية: يتزايد الاهتمام بالقضايا البيئية في الآونة الأخيرة، ويتطلع الناخبون إلى مجالس تعمل على تحقيق الاستدامة البيئية.
لتحقيق هذه الطموحات، يتعين على المرشحين والأحزاب السياسية أن يعملوا على توضيح أجنداتهم وبرامجهم وكيفية تحقيق التغيير الذي ينشده الناخبون، كما يتعين على الناخبين أن يمارسوا حقهم الديمقراطي بحرية ووعي، وأن يختاروا الأفراد الذين يمثلون مصالحهم ويعملون على تحقيق تطلعاتهم.
وأخيرًا، يمكن القول أن انتخابات مجالس المحافظات ٢٠٢٣ تمثل تحديًا بين الواقع السياسي والطموحات الشعبية، ويعتبر التصويت في هذه الانتخابات فرصة للناخبين للمساهمة في تحقيق التغيير وتعزيز الديمقراطية المحلية، بالعمل المشترك والالتزام بالمبادئ الديمقراطية، كما يمكن أن تكون هذه الانتخابات منصة لبناء مستقبل أفضل للمجتمعات المحلية وتحقيق التنمية المستدامة.