اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 8 / 8 / 2023
صدرت الطبعة الرابعة المزيدة والمنقحة لكتاب بعنوان ( قصة الفيليين العراقيين) للبروفيسور الدكتور ( محمد تقي جون) في العام 2019 وصفحاته ( 415) تطرق فيها الى مختلف شؤون الكورد الفيليين من التسمية حتى تراثهم وشخصياتهم وأمور عديدة أخرى، اخترنا لكم منها ضمن عنوان فرعي ( شخصيات فيلية مؤثرة):
– ” ظهرت في تاريخ الفيليين المشرّف شخصيات مهمة وكبيرة أشرتهم شعباً خطيراً وفاعلا وممجّداً، وكانت لهذه الشخصيات الريادية للفيليين لتقديم المزيد والسير الحثيث لإكمال مسيرتهم. ولبعض هذه الشخصيات ظل وارف على حياة العراقيين عموماً لأخذها مدى فعليا في ضمير العراق وشعبه العظيم.
ذو الفقار خان بن نخود سلطان الكلهوري:
هو شخصية قيادية من عشيرة ( كلهور) الفيلية، برز أثناء الحكم الصفوي للعراق. وقد استطاع القضاء على الحكم الصفوي في بغداد، بعد قتله إبراهيم خان موصلو حاكم بغداد من قبل الشاه إسماعيل في منطقة ( ماهي دشت) ([1])، مستغلا ضعف الحاكم وتردي الأوضاع على الصعد كافة.
وقد استطاع بعد احتلال بغداد فرض سيطرته على مناطق واسعة من العراق. وخُطب له على المنابر وسُكَّت باسمه النقود، واستمر يحكم العراق موحدا ست سنوات ( ١٥٢٤-١٥٣٠)، حتى قتل مسموماً على يد أتباع الصفويين.
ومهما يكن من دوافع ذي الفقار، فانه حكم العراق حكماً ايجابيا صلحت فيه الأمور في زمانه. ويمثل ذو الفقار الكلهوري ( الحاكم الكوردي) للعراق والعراقيين لأول مرة، مما يجعله قيادياً عراقيا يفخر به الكورد والعرب معاً. ويؤشر ذو الفقار حقيقة عراقية الفيليين وليسوا نازحين لا يهمهم مصلحة الوطن.
حسين قلي خان:
هو أشهر ولاة پشتكو تمتع بشخصية قوية وقام بأعمال لا يتمكن منها غيره فلقب بألقاب كثيرة تبين ذلك منها: ( أبو قداره) لقوته، و ( أمير التومان) لجمعه الضرائب العالية من الناس وإرسالها إلى خزينة الحكومة و ( صارم الدولة) لهيبته، و ( سه ردار أشرف) لقدرته القيادية فـي المعارك..
وكان يدفن المتمردين أحياءً، ويقطع آذان المتجاوزين على حدود منطقته الغربية من العثمانيين ([2]). إلا أن هذه الشدة طالت شعبه ([3]) ايضاً فأثقلهم بالضرائب وغير ذلك، وفي زمانه نزحت أعداد ضخمة من الفيليين من پشتكو الى الكوت والعمارة.
الا انه كان الصق بالفيليين وأكثر تمثيلا لهم حتى سمّوا جماعة حسين قلي خان. كان الوالي حسين قلي خان مخلصاً لپشتكو وللعراق وحسب رواية احد حفدته، طلب منه الانكليز استغلال أراضي أمارته للدخول إلى العراق مقابل تمليكه الإمارة ومنحها الاستقلال الكامل كالكويت فرفض.
وكان ولاة پشتكو يحكمون إمارتهم بشكل شبه مستقل عن الدولة الإيرانية. وخلف حسين قلي خان ( غلام رضا) آخر ولاة پشتكو الذي كتب تاريخ سلاطينهم. وفي زمانه قام رضا شاه باحتلال پشتكو بعد خروجه منها لتنتهي إمارة الفيليين، واطلق يده في التصرف بأمرهم فقسَّم أراضيهم وأوغل في ظلمهم حتى اضطروا إلى الثورة عليه عام ۱۹۲۹ بقيادة ( شا محمد شامگه). وقد اختار غلام رضا خان السفر والإقامة في بغداد إلى وقت وفاته. وغلام رضا مؤثر في الشعب العراقي فابناؤه نسباء قبائل عربية عريقة، وكان هو أحد المرشحين ملكاً على العراق.
قدم خير:
يلفظ الكورد اسمها ايضا ( قـَيَمْ خير، ويسمون بناتهم باسمها). وهي بنت الأمير قند القلاوندي من اللور. ثارت على شاه إيران رضا بهلوي بعدما قتل قادة لورستان غيلة، اذ استدعاهم للحوار بشأن ضربهم باستمرار قوافله التي تمرّ عبر لورستان.
وقد ظنَّ الشاه أن اللور أصبحوا بلا قادة وقيادة فتفاجأ بثورة لورستان الشاملة تقودها الأميرة قدم خير وقد لبست ثياب زوجها وأصبحت القائد الأوحد لشعبها. استطاعت قدم خير تحقيق انتصارات واضحة على الجيش الإيراني بالكر والفر وطهَّرت أراضي كثيرة من لورستان.
إلا أنها أدركت النقص الكبير في أسلحتها ومعداتها للاستمرار فراسلت القائد الكوردي الشيخ محمود الحفيد الذي كان يُعد العدّة ليكون ملكاً لكوردستان؛ اذ ثار في السليمانية وكفري وتوغل خمسين ميلا في كوردستان الإيرانية. ([4]) فاعتذر مدعياً أنه يجاهد الانكليز ولا يستطيع مساعدتها، وقيل غير ذلك.
ابتدأ الشاه رضا بهلوي معها بالتهديد فأرسل لها رسولا ومعه كيس رز، وقال للرسول أكفئ الكيس وبدد الرز وقل لها للشاه جيش بقدر هذا الرز. فارجعت قدم خير كيس الرز مع ثلاث دجاجات جائعات، وقالت للرسول:
( أكبب الرز أمام الشاه وأطلق الدجاجات ليأكلن الرز كله، وقل له تقول الأميرة قدم خير):
– (( إن جيشي قليل ولكنه سيأكل جيشك الكثير)). ([5])
بعد ذلك اضطر الشاه إلى مهادنتها، فطلبها للزواج ووعدها بجعلها أميرة على اللور، لكنها رفضت. ثم عاود الكَرّه، وقيل ان الشاه بعث لها في المرة الثانية رجال دين ورؤساء طوائف وادراريين ومعهم مصحف عليه أثر كفه دلالة على قسمه بالقرآن الكريم. ([6])
وقد اختلفت الأقوال في نهايتها، فمنهم من قال:
( إنها قبلت الصلح أو اضطرت إلى قبوله بسبب تخاذل قسم من جيشها).
وقائل:
( إنها بقيت تقاتل حتى إطلاق آخر رصاصة على الشاه).
ثم القي القبض عليها وقتلت بشدّها على بغل هائج كما رآها شاهد عيان وقيل غير ذلك.
أصبحت قدم خير أسطورة فأضيف إليها الكثير، ويذكر أن صورها طبعت على الجداريات ونسجت على البسط ولم يخلُ بيتٍ فيلي من صورة لها في بغداد وغيرها في النصف الأول من القرن العشرين.
وسبب تعظيمها أنها بقابلياتها البسيطة وأتباعها القليلين أعلنت الحرب على ملك لدولة كبيرة معترف بها وبقوتها عالمياً، ولأنها كانت شجاعة بقرارها الحرب بلا تردد أو تخاذل حين سمعت بمقتل قادة لورستان.
وقد أشبعت قدم خير بثورتها النهم البطولي الذي يعيشه الواقع الكوردي المتعطش للثورة، فانطلق مستجيباً لهذا البركان. وقد ظلت قدم خير بعد موتها نشيدا في الضمائر يختزن الثورة ويسليها بالبطولة ويستعيد القائدة الأسطورية التي صفعت الشاه وهزت كبرياءه.
كما كُتبَت الأغاني والأناشيد والأشعار فيها فحفظتها الصدور وغنتها الشفاه وهام بها البسطاء والمثقفون على السواء ومنها:
قدم خير
قدم بده
ئيمه تفنك وشانت
ومعناها:
( تقدمي يا قدم خير كلنا بنادق على كتفك).
وغنى لها المطرب الكوردي الأشهر ( حسن زيرك) أغنية من وحي ثورتها مطلعها:
دايه دايه وختي جه نگه
فتاره بالا سه رم پرش فشه نگه
ومعناها:
( إنها الحرب يا أمي .. وعلى كتفي حزام مليء بالرصاص).
وهكذا استحوذت قدم خير على مشاعر عموم الشعب العراقي كورده وأعرابه بمحاربتها العدو المشترك ( الشاه المقبور).
وأورد الدكتور زهير عبد الملك كلمات لأغنية مشهورة يحفظها فيليوا ايران والعراق مترجمة عن الكوردية تقول:
نزلت قدم خير من أعالي الجبال
عازمة على الحرب والقتال
وفي طيات حزامها الحريري
مسدس محشو بالرصاص
قدم خير يا ذات الحذاء المخملي
والشعر المحتَّى
أبهرني جمالك الفتان
وألهب السلاح في يدك حماسي
سيلوذ أعداؤك بالفرار من الميدان
ويكون نصيب من يبقى النكبة والخسران
بادري سيدتي بالقتال
ولسوف أبني لك هودجا
من الريحان
كي يقي من وهج الشمس
عينيك الجميلتين”. ([7])
[1] – مذكرات مأمون بك بن بيگه بك : ۲۳ ( الهامش).
[2] – الفيليون: ۳۹.
[3] – الكورد وكوردستان: وليد حمدي، ص ٤٠٢.
[4] – نقلا من كتاب فقد مني بعنوان ( حسن زيرك).
[5] – الفيليون: ص ۱۰۸.
[6] – من تراث النساء الثائرات: قدم خير د. زهير عبد الملك، انترنت.
[7] – شبكة المرأة الكوردية الفيلية، انترنت.