التاخي- ناهي العامري
أقامت مؤسسة نخيل عراقي أمسية إستذكارية للكاتب والإعلامي عدنان منشد، والاستماع الى الدراسات النقدية حول روايته التي صدرت بعد رحيله، وهي رواية (الدولفين)، ادارها الاعلامي حسين رشيد، الذي افتتح الجلسة بتقديم الشكر الى القاص والروائي جهاد مجيد، لجهوده الكبيرة في أقامة حفل الاستذكار، لشخصية ثقافية، كان قريب من الجميع وأحد أعمدة الصحافة والثقافة العراقية، قبل وبعد ٢٠٠٣، تاركا بعد رحيله ارث كبير من الكتابات في المسرح والفن ، وتحقيقات لا حصر لها تحاكي هموم الناس وتهتم بشؤونهم اليومية.
بعد ذلك قرأ الشاعر عدنان الفضلي رسالة جهاد مجيد، التى يكشف بها الابعاد الانسانية التي كان يتحلى بها الراحل عدنان منشد، ومشواره المسرحي والفني الممتد لاكثر من خمسين عاما خلت، واصفا اياه بفتى العهود المتقدمة، وفتى الازمان الذي قارع النظام الدكتاتوري بصبر لا يلين، عبر اشتغالاته المسرحية وكتاباته القصصية.
تلاه الناقد فاضل ثامر، الذي بدأ
حديثه عن بدايات لقاءه بالراحل في فترة السبعينات، وقال عنه انه كان بمنتهى النشاط، في ممارسة اشتغالاته الفنية والاخراجية المسرحية والكتابية. ثم عرج على روايته الدولفين، وقال انه كشف بها عالما مظلمًا ودمويا، بحيث لا يمكن التنفس خلالها، وهي تنتمي لعوالم الكوميديا السوداء.
واستطرد ثامر في ملاحقة خفايا الرواية ومضامينها، قائلا انها تبدأ بسرد ذاتي، يقدمه بطل الرواية المكنى بالدولفين وهو بروفسور يضع خبراته في البايولوجيا في خدمة عصابات القتل والاغتيال، التي يتزعمها المكنى الضبع أو الحاج فلاح، بابتكار طريقة علمية للتخلص من الجثث التي يجلبها الضبع وعصابته، عن طريق اذابتها في محاليل قوية، وصرفها بعد ذلك مع دورة المياه الصحية.
ويبدأ الراوي وبطل الرواية المركزي باكتشاف عوالم فنطازية ودستوبية يعيشها الضبع وعصابته، فتحت للرواية مسارات جديدة تعمق فيها جوهر بنية الكوميديا السوداء، حيث تبدو جرائم القتل وتذويب جثث القتلى عملية اعتيادية.
يضيف ثامر: الرواية ذات طابع بوليفوني، حيث تخصص فصول مستقلة لكل شخصية اساسية من شخصيات الرواية للحديث عن حياتها وعلاقاتها، حينما دارت رحى الجرائم وطحنت كل المشاركين في عمليات الاغتيال والقتل وتذويب الضحايا، وباسلوب فنطازي غرائبي ذهبت الشخصيات في سرد لحظات موتها، تنم عن مخيلة هائلة قادرة على خلق مثل هذا العالم الدستوبي الاسود، وملاحقة صعوده وسقوطه، حيث استطاع الروائي من تحقيق معادلة العدالة القدرية حينما تلقى الاشرار نفس مصير الضحايا في نهاية الامر.
أعقبه الناقدة دكتورة نادية هناوي، التي قالت عن الدولفين انها بصمة مهمة في تاريخ السردية العراقية، لاكتنازها بالاشتغال الفني، وهي رواية استثنائية اذا ما أخذنا بعين الاعتبار ان الراحل عدنان منشد قد وظف خلال كتابتها التوليف الفني وجميع التقنيات المسرحية، لانه كان ناقدا ومخرجا وكاتبا مسرحيا، ولو اجرينا له مقارنة مع الكاتب غائب طعمة فرمان، لوجدنا ان فرمان جاء بشخوصه من طبقة وثقافة واحدة، معتمدا على نسق التناوب السينمائي، فيما جاء عدنان بشخوصه من طبقات وثقافات مختلفة، معتمدا على نسق التوليف الحواري المسرحي، وهذا هو الاختلاف بين رواية خمسة بيبان لغائب طعمة فرمان ورواية الدولفين لعدنان منشد، وختمت هناوي حديثها قائلة، رواية الدولفين عزائنا لرحيل المبدع عدنان منشد.
جاء دور الناقد محمد جبير، الذي تطرق الى بدايات الراحل منشد، وقال: عدنان قاص من جيل ما بعد الستينات، طرح اسمه بقوة، لكنه ابتعد عن القصة بعد دخوله قسم المسرح في معهد الفنون، وقد توج نفسه برواية الدولفين، وهو عمل ليس سهلا اذا ما قلنا عنه صعب جدا، والرواية تختلف عن سرديات ما بعد ٢٠٠٣، فهي ممتلئة بالاحاسيس والمشاعر والحوار الدقيق المتقن، وهي سردية واقعية تعبيرية، ورسالتها: ان الانظمة الشمولية القاتلة تنتج انظمة مشابها لها، كما حدث في بلادنا ما بعد ٢٠٠٣.
في خاتمة الامسية جرت مداخلات قيمة، بدأها دكتور عقيل مهدي الذي استذكر بدايات منشد في العمل المسرحي، ثم مداخلة الفنان عزيز خيون الذي بدأ حديثه بقوله: اذا أردنا ان نقول ان الانسان موقف، فعدنان منشد هو موقف، وهكذا ينطبق عليه القول أن بعض الافراد يبقون احياء ولا يموتون.
ثم مداخلة الفنان والكاتب فخري عرب، الذي ذكر ان علاقته بمنشد تمتد لخمسين سنه، واصفا اياه بالطيبة والخلق الرفيع، ويمتلك كل مواصفات الانسان.
واخيرا مداخلة ابن الاخت لخاله، مجاهد آبو الهيل رئيس مؤسسة نخيل عراقي، الذي عبر في كلمته عن حزنه الشديد لرحيل الاقرب فكرا وروحا ورحما، وقال انه بكى كثيرا لسماعه خبر الرحيل، أثناء سفره خارج الوطن.