شيركو حبيب
لم تمر سوى أعوام ثلاثة على معاهدة سيفر، إلا ووقع الحلفاء والدولة التركية في تموز – يوليو عام 1923 معاهدة جديدة سميت “لوزان”، نسبة إلى مدينة لوزان السويسرية التي تتميز بهندستها المعمارية وطبيعة تضاريسها المتنوعة، وتعتبر من أشهر وجهات السياحة في سويسرا.
معاهدة لوزان اتفاق تم توقيعها بين الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وعلى رأسهم بريطانيا وفرنسا، من جانب، وحكومة الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا، ومر عليها 100
عام حيث تم التوقيع عليها في أعقاب حرب الاستقلال التركية ضد الحلفاء، وتمت من خلالها تسوية أوضاع الأناضول والقسم التركي الأوروبي من أراض الدولة العثمانية، وذلك بعد إلغاء معاهدة سيفر التي كانت قد وقعتها الدولة العثمانية في العاشر من أغسطس 1920، وتسمى أيضا معاهدة الصلح وقبلت بها تركيا العثمانية في 0ا أغسطس/آب عام 1920 عقب الحرب العالمية الأولى مع قوات الحلفاء لكنها لم تبرم على الإطلاق بل إن الحركة القومية التركية بزعامة مصطفى كمال أتاتورك بعد أن تولت الحكم في تركيا رفضت ما جاء في هذه المعاهدة، واعتبرت أن بنودها تمثل ظلما وإجحافا بالدولة التركية، وذلك لأنها أجبرت على التنازل عن مساحات شاسعة من الأراض التي كانت واقعة تحت نفوذها”، وأن هذه المعاهدة أدت إلى انفصال الحركة القومية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك عن الباب العالي في اسطنبول، وتم تشكيل برلمان في أنقرة عام ١٩٢٠م.
وهنا ظهر عدم جدية دول الحلفاء للتوقيع على المعاهدة، باستثناء إيطاليا، وبعد تولي الحركة القومية التركية الحكم ١٩٢٣ بقيادة مصطفى كمال أتاتورك وتأسيس الجمهورية التركية التي اعتبرت أن بنود هذه المعاهدة تمثل ظلماً بالدولة التركية بسبب خسارة تركيا لحجم هائل من المناطق التي كانت تابعة للدولة العثمانية، حاولت تركيا إقناع دول الحلفاء بتوقيع معاهدة جديدة هي معاهدة لوزان في عام ١٩٢٣.
تأتي معاهدة لوزان لإلغاء معاهدة سيفر والتي بموجبها تحصل كوردستان على الاستقلال حسب البندين 62 و63 من الفقرة الثالثة، والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى كوردستان استنادا إلى البند 62، وقد رفضت حكومة أتاتورك قبول هذه المعاهدة وأصرت على تسوية جديدة وتحققت لها بالفعل في معاهدة لوزان عام 1923 التي تجاهلت ما أقرته معاهدة سيفر من حقوق للكورد.
وأهم بنود اتفاقية سيفر البند ٦٢ وفيه “تقوم لجنة مؤلفة من ثلاثة أعضاء معينين من قِبل الحكومات البريطانية والفرنسية والإيطالية مركزها اسطنبول، خلال ستة أشهر من تاريخ تنفيذ مفعول هذه المعاهدة، بإعداد مشروع حكم ذاتي محلي للمناطق التي يشكل فيها الكورد الأكثرية والتي تقع إلى الشرق من الفرات وإلى الجنوب من الحدود الجنوبية لأرمينيا، كما تحدد فيما بعد، وإلى الشمال من الحدود التركية مع سوريا و ميزوبوتاميا بشكل متوافق مع الوصف الوارد في الفقرة (٢ ، ٣ ، ١١) من البند السابع والعشرين من المعاهدة، وفي حال حدوث اختلاف في الرأي حول موضوع ما،يعرض الاختلاف من قِبل أعضاء اللجنة على حكوماتهم المعنية ويجب أن تتضمن هذه الخطة الضمانات التامة لحماية الآشوريين- الكلدان وغيرهم من الأقليات القومية أو الدينية الداخلة في هذه المناطق، ومن أجل هذا الغرض تقوم لجنة مؤلفة من ممثلي بريطانيا و فرنسا و إيطالي و إيران و الكورد بزيارة الأماكن لدراسة التغيرات التي يجب إجراؤها، عند الحاجة في الحدود التركية حيثما تلتقي بالحدود الإيرانية، و لتقريرها، بحكم قرارات هذه المعاهدة”.
كما يقر البند ٦٣ بأن” تتعهد
الحكومة التركية من الآن بالاعتراف بقرارات اللجنتين المذكورتين في البند ٦٢ والقيام بتنفيذها خلال ثلاثة أشهر من تأريخ إبلاغها بها”. ويؤكد البند ٦٤: “إذا رجع الكورد القاطنون في المناطق الواردة ضمن البند ٦٢، مجلس عصبة الأمم خلال سنة من نفاذ هذه المعاهدة، مبينين أن أكثرية سكان هذه المناطق يرغبون في الاستقلال عن تركيا، وإذا وجد المجلس آنذاك أن هؤلاء جديرون بمثل ذلك الاستقلال وإذا أوصى- المجلس – بمنحهم إياه، فتتخلى عن كل ما لها من حقوق وحجج قانونية في هذه المناطق، وتصبح تفاصيل هذا التنازل موضوع اتفاق خاص بين الدول الحليفة الرئيسة وتركيا، وإذا وقع قبل هذا، وفي الوقت الذي يحدث فيه، فإن الدول الحليفة الرئيسة لن تضع أي عراقيل بوجه الانضمام الاختياري للكورد القاطنين في ذلك الجزء من كوردستان الذي مايزال حتى الآن ضمن ولاية الموصل، إلى هذه الدولة الكوردية المستقلة”.
وهكذا جاءت هذه الاتفاقية او المعاهدة ضد آمال الشعب الكوردي في بناء دولته كسائر الشعوب الأخرى، ويتضح لنا أيضا بان مصالح الدول الاستعمارية آنذاك كانت ضد إرادة و طموحات الشعب الكوردي، ولازالت هذه الطموحات إلى الآن حيث رأينا عند إجراء الاستفتاء في أيلول سبتمبر 2017 أن مصالح هذه الدول لعبت دورا بارزا في عدم استقلال كردستان رغم نجاح العملية بتصويت الأكثرية الساحقة من شعب كوردستان، ولابد أن
يأتي يوم يكون فيه للكورد دولتهم عاجلا أم آجلا ولكن هذا يتطلب توحيد الجهود و الكلمة الكوردية من أجل المصلحة العليا لشعبنا.
ورغم تلك الاتفاقية التي خيبت آمال الكورد، فبعدها ارتكبت المئات من الجرائم اللاإنسانية.
واليوم في ذكرى هذه الاتفاقية على الدول طلب الاعتذار من شعب كوردستان، وعلى الحكومة العراقية أن تفي بوعدها تجاه شعبنا جراء الممارسات الشوفينية و استخدام الغازات الكيمياوية وجريمة الأنفال ومحاولات التغيير الديمغرافي التي اجريت على مر العقود الماضية.