متابعة – التآخي
تؤدي البيئة الخضراء والمساحات الخضر دورا كبيرا في حياة الناس؛ لذلك تفرد لها الدول مساحات واسعة في تخطيطها العمراني وفي تصميم المدن وتضع نسبا مئوية لتلك المساحات لما لها من دور كبير في النواحي الصحية والترفيهية. وفوائد العيش بالقرب من المساحات الخضر، أو حتى زيارتها بانتظام كثيرة على المناخ والصحة.
باحثون من إسبانيا وأمريكا توصلوا إلى نتائج مدهشة في أحدث دراسة قاموا بها. فما تأثير الحدائق والغابات على المناخ والصحة؟
التأثير الإيجابي للمتنزهات والغابات والحدائق، لا يقتصر على المناخ، بل يشمل الصحة أيضاً، إذ وجد فريق بحث إسباني أمريكي أن الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من المساحات الخضر، يظهر مظهرهم أصغر بعامين ونصف العام من أولئك الذين لا يعيشون بالقرب من الحدائق والمساحات الخضر، وفق مجلة “واتسون”.
وقال كيتسو كيم، الباحث المشرف على الدراسة من كلية فينبرغ للطب بجامعة نورث وسترن “العيش بالقرب من المساحات الخضر يمكن أن يجعلك تظهر أصغر مما أنت عليه في الواقع”. يعتقد الباحثون أن نتائج الدراسة يمكن أن يكون لها آثار مهمة على التخطيط الحضري، ويوضح كيم للموقع الأوروبي “يورونيوز” “توسيع البنية التحتية الخضراء، يهدف إلى تعزيز الصحة العامة وتقليل التفاوتات الصحية بين السكان”.
وتلعب المساحات الخضر في المدن أيضاً دوراً مهماً بالنسبة للاحتباس الحراري؛ لأن التوسع في المناطق الحضرية قد يؤدي في بعض الأحيان إلى تشكل ما بات يعرف بـ “الجزر الحرارية” في فصل الصيف. الخرسانة والأسفلت تمتص أشعة الشمس وتنبعث منها على هيئة حرارة ترفع من حرارة الجو بهذه المناطق. وهنا يمكن للمساحات الخضر ان تساعد في تبريد المدن.
ثبت علميا في الآونة الأخيرة أن قضاء الوقت في الغابات والمتنزهات له تأثير إيجابي على الصحة ، و توصل باحثون في دراسة فنلندية إلى أن زيارة المساحات الخضر تقلل من تناول أدوية الربو أو ارتفاع ضغط الدم، ويمكن أن تقلل الزيارات المنتظمة إلى المتنزهات أو الغابات أيضًا من تناول أدوية العلاج النفسي بنسبة تصل إلى 33 بالمئة.
من جانبها أكدت ميريام شندلر، أستاذة الجغرافيا البشرية في جامعة فيكتوريا في ويلينجتون، لـ”يورونيوز”: “تقدم هذه الدراسة رؤى قيمة يجب على مخططي المدن وصانعي القرار أخذها بعين الاعتبار، لاسيما في المناقشات الجارية حول استراتيجيات الإسكان”. القرب من المساحات الخضر هو إكسير “الصحة والشباب نتيجة قدرتها على إبطاء الشيخوخة اللاجينية”.
تشير إحصائيات صادرة عن “المنتدى الثقافي لمدن العالم” للفروق الشاسعة في تخطيط المدن حول العالم. ففي مدينة شينزهن الصينية يتم تخصيص 40% من المساحة للمناطق الخضراء، برغم ازدهار قطاع البناء. كما تعمل العاصمة بكين على زيادة المساحات الخضر بها، التي تزيد اليوم عن 45 % من المساحة الكلية.
وتشجع الحدائق العامة على ممارسة الرياضة، كما يساعد قضاء الوقت وسط الطبيعة على الحفاظ على صحة نفسية أفضل حيث يساعد على تفريغ الضغوط بالإضافة إلى تنمية التواصل الاجتماعي. وبالرغم من سمعتها كمدينة إسمنتية، يحمل حوالي ربع مساحة مدينة نيويورك اللون الأخضر بفعل الحدائق المنتشرة بمناطق صناعية سابقة للسماح لسكان المدينة الأمريكية بالاستمتاع بها.
وتنقي الأشجار والنباتات الهواء، ولهذا فإن وجود المساحات الخضر يعمل بفاعلية على توفير هواء نظيف نتنفسه. وتزيد أهمية ذلك في المدن المزدحمة مثل العاصمة اليابانية طوكيو، التي تحتوي 7.5% من مساحتها على مناطق خضر، وفقا لدراسة أجراها مكتب التطوير الحضري. ويعاني كثير من سكان عاصمة اليابان، الذين يزيد عددهم عن 9 مليون نسمة، من الحساسية نحو تلوث الهواء.
ويؤدي الإسمنت إلى ارتفاع الحرارة بالمدن ويجعل السكان أكثر تأثرا بموجات الحرارة المرتفعة، وهذا يعرف باسم “أثر الجزر الحرارية الحضرية”، أي أن المدن تكون أكثر حرارة من المناطق المحيطة بها. إلا أن المساحات الخضر تقدم حلا للمشكلة لعملها على خفض حرارة الجو. وبرغم أن الحدائق العامة تمثل حوالي 35% من مساحة مدينة لوس أنجلس الأمريكية، فإن المدينة مازالت تعاني من ظاهرة ارتفاع درجة الحرارة.
وتتمثل أهمية أخرى للمساحات الخضر في امتصاص المياه للحد من فيضان المياه الذي شهدته باريس في عام 2018، حيث تغطي الخضرة 9.5% من مساحة العاصمة الفرنسية. يمكن للمساحات الخضر المخطط لها صد المياه المصاحبة للعواصف وحماية المناطق السكنية منها، بما يجعل تلك المساحات الخضر عاملا ضروريا في نظام إدارة الفيضان بالمدينة. وعملت باريس على زراعة 20 ألف شجرة جديدة في عام 2020.
أما بوغوتا في كولومبيا فهي واحدة من المدن النشطة، التي تخصص نحو خمسة بالمئة من مساحاتها للمساحات الخضر، ففيما تنمو مساحة المدن وتزداد ثراءً، تحتاج إلى تحقيق التوازن ما بين التنمية الاقتصادية على المدى القصير والتأثير على المناخ العالمي وصحة السكان على المدى الطويل.
وبحسب الباحثين، فإنه بحلول عام 2050، سيعيش أكثر من ثلثي البشر في الحضر بحيث سيتمكن جزء منهم فقط من الحياة في مدن ستتيح لهم الاستمتاع بالطبيعة، وفقا للأمم المتحدة. ومثلا تعد اسطنبول في تركيا واحدة من أقل المدن امتلاكا للمساحات الخضر في العالم، فقد خصصت إدارة المدينة 2.2% فقط من مساحتها للحدائق العامة بداية من عام 2015. ومن ثم اقترحت الحكومة تحويل الساحات العامة القديمة لمتنزهات.