اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 18– 7- 2023
في العام ( 2014) صدرت الطبعة الاولى من كتاب بعنوان ( صفحات من الادب والفن الكوردي) للاستاذ والباحث التراثي جمال سليمان برواري عن دار الثقافة والنشر الكوردية التابع لوزارة الثقافة في جمهورية العراق الفدرالي، تحت التسلسل ( 141) فيها قراءة لبعض اصدارت البعض من زملائه، وحوارات كان ضمنها حواراً مع الشاعر الرحّال ( بدل رفو المزوري) حيث كتب:
– ” الشاعر الرحّال بدل رفو المزوري.. عشق وشعر ورحلات بين الامم، أراه كالسندباد في مشيته وكالباز في طيرانه بعقله فوق الحدود المرسومة من قبل البشر. أراه منسيا في وطنه لأنه يأبى نسيان الوطن في قلبه وذاكرته حتى لا يكون ترسا في آلة بيد الآخرين، يتحكمون في فكره وأدبه. فالأديب يجب أن يكون حرا، والأدب بحاجة إلى الحرية، لذلك ينبغي أن لا يكون عبدا أو مقيدا بأغلال أحد أياً كان فهل اختار المنفى في الغربة المرّة مثلي وأنا الذي أبحث عن هوية وطني الضائعة مثله، فلا أجدها إلا في البعد البعيد عن الوطن، كما قال ديغول في فترة الاحتلال النازي لوطنه: ( إذا أردت أن تعرف الحقيقة عن وطنك فسافر بعيدا عنه). هذا المزوري الذي يحمل حقيبته الصغيرة ويرحل بكلماته في ذاكرته. حقيبته ثقيلة بالثقافة ومحفظة خفيفة لا تحمل إلا بضعة أوراق نقدية بعيدا عن الرائحة الكريهة التي تتصاعد من مخازن دولارات عتيقة بين الرطوبة. هذا ما كتبه الأستاذ د. خالد يونس خالد أستاذ الآداب العربية ومترجم للوثائق والكتب في المركز الرئيس للترجمة التحريرية في ستوكهولم حول أديبنا بدل رفو المزوري. لقد كتب الكثير من الأدباء والنقاد حول هذا الشاعر والمترجم الذي تعود صداقتي معه حين كان طالباً في جامعة بغداد وهو يتردد على الإذاعة الكوردية، وجمعية الثقافة الكوردية والصحف الكوردية. وفي دهوك أعطاني نسخة من كتابه الذي صدر حديثاً، الذي كان بعنوان ( قصائد حب)، ورأيتها فرصة جميلة بأن التقي بالشاعر بدل رفو الذي يُعد بدَوره احد كتّاب جريدة التآخي الغراء وفي بيته الشاعري الجميل كان هذا الحوار:
– ماذا يعني السفر لأديب كوردي معاصر والرحيل بالوطن والكلمة إلى بلاد لم تسمع باسم الكورد؟.
– الرحلات تعني لي الحياة والتجديد والتغيير رحلات، برفقة الأدب الكوردي ووطن عشقته واحمله معي في ترحالي كي اعرفه على أوطان ومن امازيغستان حتى كازاخستان لا وطن لي سوى آفيفان كما قالها الكاتب الكبير ( جلال زنكابادي). احمل في رحلاتي حبي وصورة حبيبتي وحقيقتي وحقيقة وطني الذي يبحث عن التعايش السلمي مع الآخر، ففي سفراتي ورحلاتي لا احمل سوى حقيبتي الظهرية وأوراق نقدية قليلة من جهدي وبتكليف من ضميري وجواز سفر ممتلئ بتأشيرات دخول ومعها روحي المهاجرة عبر محطات الغربة.. رحلة بدأت حين أنهيت دراستي الثانوية في مدينة الموصل وضاقت بي ارض الموصل في العاصمة واتجهت صوبها لأكمل دراستي في جامعة بغداد بعد أن تحول الوطن إلى سجن كبير وملئ بالحروب البشعة ومنذ اليوم الأول من إحساسي بالادب عشق قلمي الملهم به قضية شعبي وماسيه. ففي رحلاتي قصص وحكايات ستدون يوما في كتاب تحت عنوان من أدب رحلات شاعر كوردي رحال وطن وشعب وادب انساني وقلم عاشق نسافر معا عبر المحيطات والبحار، ففي المغرب وبالأخص في إقليم تازة صفق الشعب المغربي الطيب جداً كثيراً للشعر الكوردي ووقف احتراما لهذا الشعب وكادت الدموع أن تنهمر من مقلتي… التقيت شخصيات كثيرة حملت كل الحب والاحترام لشعبي اذن الرحلة مستمرة.
– متى كانت البداية للأديب بدل رفو ومن أين انطلقت؟.
– البداية تعود لعام ۱۹۷۷ وانطلقت من أزقة الموصل القديمة وبالأخص من حـــــــــــــــــي ( المشاهدة) الذي أكن له بالفضل على نتاجي الأدبي والصحفي وقد ذكرت الموصل في أعمالي بأنها أحلى مدن التاريخ. وبالذات في ديواني الصادر في القاهرة عام ۲۰۰۹ ( وطن اسمه آفيفان) لهذه المدينة العريقة التي كانت يوما ما عاصمة للإمبراطورية الآشورية أثر ووقع على النفس ومن يقطن هذه المدينة فمن الصعب نسيانها وفيها تعلمت العشق للكلمة الكوردية والأدب الكوردي الإنساني”.
عن مطبعة الحوادث ببغداد في العام 1986 صدرت مجموعة قصص كوردية معاصرة تحت عنوان ( بسمة) لعبد الله عزيز خالد وترجمة حسن الجاف، ورد فيها العديد من القصص نذكر منها عن قصة بعنوان ( في حفل احدى ليالي هذه المدينة):
– ” بعد أيام مليئة بالحزن والمرارة من التفكير العميق، قررت أن تدوس على قلبها وتستبدل بأيد مرتجفة ملابسها السوداء، التمعت قطرات من الحسرة والفرح في مآقيها الجميلة ورغم بكائها الصامت فأن ابتسامة حزينة ارتسمت على شفتيها المتيبستين، وكان الناس العاديون الساذجون يلومونها: ( ولكن لم يمض بعد سوى أشهر قليلة على قتل زوجها وولدها!)، كانت ( أم آزاد) امرأة فارعة القامة ممتلئة الجسم ذات لون حنطي في الخامسة والثلاثين من العمر، عيناها سوداوان جميلتان، يتناثر على كتفيها شلالات شعرها الطويل، وكانت عندما تضحك تتكون في وجنتيها ما يشبه واحتین عمیقتین تزيدانها جمالا وبهاء وكانت -هي – تُرى في كل مرة بصورة مختلفة، أحيانا تبدو أنيقة
وفي أحايين أخرى يظهر على سيمائها حزن عميق وكأنها غارقة في لجة من الخيالات مفكرة في أمر خطير ومرعب”.
وفي مكان آخر من نفس القصة أورد الاستاذ عبد الله:
– ” كانت ( أم آزاد)، في تلك الليلة وحيدة بائسة، أعماقها المضطربة تسبب لها بآلاماً حادة، تمور نظراتها أحيانا على كتب ( آزاد) وتقلبها وتشم رائحتها، تحت الكتب وجدت كراسة قديمة عزيزة قلبتها سريعا ولكنها لم تتمكن من قراءتها، في تلك اللحظة سمعت أصواتا في الزقاق، ولكنها لم تهتم، تذكرت الليلة التي داهم فيها لص دار الارملة ( خاتون)، فهرعت هي قبل والد ( آزاد) الى الدار وفرّ اللص خجلا.
كانت غارقة في لجة هذه الافكار عندما دق الباب:
مــن؟. افتحي الباب.
كانوا قد وضعوا درجات على الجدران وصعد عدد منهم الى سطح الدار، أما البريگادير بيتر، فقد كان واقفا أمام الباب. همس جندي في أذن صاحبه:
أن بيتر يعمل ما يعمل من أجل نفسه.
لا تخافي، أريدك أن تطمئني، فإني لم أحضر الا من أجل الدار المقابل لكم.
توزعوا … كما قلت لكم.
عندما ذهب الجنود، اقترب من أم آزاد:
هل أجد عندكم سُلّماً؟ كيف يمكنني الصعود الى السطح؟.
ثم قال لنفسه: ما أجمل الملابس الكوردية.
أجابت المرأة بهزة من رأسها.
قال بيتر كرجل غريب: أن بلادكم جميلة ورائعة. كانت المرأة صامتة، اقترب منها ( بيتر) مزهوا. أنا حاكم هذه المدينة الآن، ولا يستطيع أحد أن ينبس أمامي واستطرد مقهقها: آه… تذكرت، ماذا حدث في البيت المقابل ليلة أمس؟ انني عطشان. اتجهت أم آزاد، نحو المدخل وجليت كوب ماء، قائلة لنفسها: أنظر الى الهدوء والفرحة الذين يرتسمان على وجهه ودمائه التي تكاد أن تفور”.