علي حمود الحسن
المبدع جعفر علي، أحد أشهر رواد ومؤسسي السينما العراقية، مات كمداً في طابور لتسليم الادوية المزمنة. جعفر علي مؤسس قسم السينما سابقاً والسمعية والبصرية لاحقاً، اخرج اهم فلمين في تاريخ السينما العراقية هما الجابي والمنعطف
كتب واخرج الكثير من المسرحيات المنحازة اصلاً لهموم الناس، ناهيك عن كتابه المهم فهم السينما الذي ترجمه بسلاسة وتشويق، ليصبح واحدا من اهم المراجع التي يعتمد عليها طلبه قسم السينما في معهد وكلية الفنون الجميلة، كان المرحوم مدرساً تربويباً فذا لا يجامل، مثقفاً ثقافة سينمائية نظرية وعملية، لم يكن يبخل على تلامذته بعلمه الغزير، فهو يحمض وينتج ويشتغل على افلام تلامذته، كأي عامل مختبر وفي نفس الوقت كان الاستاذ المهيوب الذي يوجه ويعلم ويشرف على البحوث والأطاريح، لم يكن بعثياً مما سبب له الكثير من المشاكل التي هدت نفسه الجميلة، لكنها لم تحبط عزمه في اداء رسالته لان همه العراق والانسان العراقي، ولان السينما في معتقده اداة لتطوير المجتمع، فقد راح جعفر علي يسابق الزمن لبناء ركائز صلدة لأرضيته.
” كان جعفر علي رسالة رائعة للأجيال اللاحقة “
تجولنا في القسم الذي اسسة المرحوم جعفر علي والتقينا الدكتور جاسم الصافي ليحدثنا عن استذكارته قائلاً:
هذا الموضوع يعود بي الى 1980، كان المرحوم رئيس قسم السينما، يقدم المواد العلمية النظرية والعملية بشكل فيه الكثير من الرقي بالمناهج معه، كنت اتي بالطلبة (السمعية والبصرية) ونذهب بهم الى التلفزيون التربوي حيث يطلع الطلبة بشكل عملي على خطوات العمل السينمائي.. وفي تقديري كان عام 80 ـ 81 الفترة الذهبية للطلبة، فالأستاذ جعفر علي يعطي دروسه النظرية ثم يطبق ذلك في المختبرات التي أنشأها ـ تصور كان يحمل حزمه من المفاتيح (اليوم المختبرات هي اطلال ـ والموفيولات سكراب) وهذا يفسر ان هؤلاء الطلبة الذين تدربوا في مختبرات جعفر علي استطاعوا ان يحصلوا على الشهادات العليا وهم اليوم اساتذة اكفاء.
حيثما يذهب جعفر علي في النادي في المهرجانات في الشارع دائما يكون القطب الذي يستقطب الاساتذة والطلبة والناس كان المرحوم رسالة للاجيال التالية.
((جعفر علي يجمع بين الخبرة النظرية والتدريس والعمل السينمائي))
مازالت خطواتنا تجوب المكان.. وكان طيف المرحوم جعفر علي حاضراً، طاغيا على المكان الذي بناه بجدية وصدق شديدين. في غرفة الاساتذة التقينا الدكتور طاهر عبد مسلم السينمائي والباحث ورئيس جمعية سينمائيون بلا حدود، وشاركنا استذكار المرحوم جعفر علي قائلا:
الراحل جعفر علي يحق له علينا ان نستذكره، وان نتوقف عند البصمات التي تركها عندما انشئ قسم السينما، ولاحقا السمعية والبصرية. ان اجيالاً بأكملها قد تخرجت على ايدي هذا الرائد الكبير، الذي كانت له مميزاته الخاصة في كونه مبدعاً يجمع بين الخبرة الاكاديمية والتدريس والعمل السينمائي من خلال الافلام التي اخرجها او شارك في إنجازها.
ما استذكره عن استاذي جعفر علي، إني كنت في يوم من الايام قد انجزت مادة بحثية. كان اللقاء الاول بيننا نظر الى الافق البعيد ثم قال سيكون حواراً طويلاً بيننا، في هذه الفترة كنت طالباً في السنة الاولى.
كان استاذاً بارعاً متمرساً، اذكر ايضا ايام تخرجنا حينما قدمنا اطروحاتنا للبكالوريوس، كان جعفر علي يقوم بدور الموظف البسيط الذي يحمض افلامنا. وفي نفس الوقت الاستاذ الكبير المشرف على الاطاريح والموجه لنا. كان جعفر علي يمتلك تواضع العلماء.
المختبرات التي هي حاليا اطلال كانت ايام جعفر علي خلية نحل وفي احدى الاجنحة ثمة مكتبة كبيرة. كان مريباً ومؤسساً لفن جميل.
تجولنا في اروقه اكاديمية الفنون الجميلة، ضريح واماني رغبات جعفر علي لنلتقي الاستاذ ياسر عيسى الياسري التلميذ النجيب والقريب جدا من الفقيد استذكر المرحوم جعفر علي قائلاً:
ياسر الياسري التدريس في الاكاديمية الفنون الجميلة: حينما شيعنا الدكتور جعفر علي لم نجد صورة نضعها على التابوت. استذكار جعفر علي استذكار ذو شجن على الاقل بالنسبة لي فجعفر علي صاحب تجربة المنعطف، والجابي والكثير من الاعمال المسرحية، والنقدية بالإضافة انجازه السفر التعليمي الكبير ”فهم السينما“ بالنسبة لي كنت معه في اللحظات الاخيرة لكوني المدرس المساعد الذي ادخل معه الى قاعة المحاضرات ماذا استحضر عن جعفر علي استحضر موته المأساوي وهو يقف في طابور مع حفيدته ليتسلم دواء الامراض المزمنة وحينما يسقط يؤخذ الى الطب العدلي.
وحينما ذهبت من الجادرية الى الطب العدلي لأجد الدكتور ماجد الخطيب والدكتور اسماعيل خليل.. وعندما استلمنا جثمانه لم أجد صورة له كي نعلقها على التابوت.
كانت ايامه الاخيرة توحي بموت بطيء فقد بدأ يفقد كل شيء فزوجته قتلها متهور في نفق الشرطة. وابنته الدكتورة قد ماتت هي الأخرى. اما حبيبته وابنته العزيزة السينما فكان يشاهد موتها البطيء. كان حزنه كبيراً.
كان جعفر علي يزرع الامل رغم كل شيء الحصار والدمار. كان يقول صوروا بالفيديو. المهم المعالجة هي الاساس.. صورنا افلام” ف. ج. س “
اذكر وكنت محرر في احدى الصحف اعددنا والزميل صفاء جنكور ملف عن جعفر علي.. ولكن جاء الرفض من رئاسة التحرير وعندما توفى المخرج الايطالي فليني وافق رئيس التحرير على ذلك فوراً.
استذكر المخرج والناقد السينمائي حسين السلمان لمرحوم جعفر علي: الفنان جعفر علي واحد من اهم الفنانين العراقيين، الذين تركوا اثراً لا ينسى على تاريخ الفن السينمائي والمسرح العراقي، هذا الرجل يحتاج الى تسليط اضواء كثيره عليه، لأنه غبن كثيراً وهمش كثيراً، رغم الامكانية الفنية والادبية التي يتمتع بها، فهو مخرج سينمائي ومسرحي ومترجم واستاذ أكاديمي وصاحب موسوعة معرفية بالثقافة والادب. واحد من افلامه هو الجابي الذي كتبت عنه كثيراً عن هذا الفيلم والجابي استطاع ان يلخص الهم العراقي والمشاكل الاجتماعية في هذه الشخصية المنفردة، هذا الفيلم جسد قدرة وامكانية هذا الرجل.. وجعفر على تأثر كثيراً بأفلام الواقعية الايطالية الا انه حاول ان يجد سمه داله للسينما العراقية.
عن ذكرياتي الخاصة قدمت انا ومجموعة من المدرسين لنقل خدمتنا الى الاكاديمية عندما اطلع على الطلبات قال اني اختارك لأنك الاكفأ ورفض الباقين على مؤهلاتهم الحزبية والمحسوبية علما اني كنت منتمياً لحزب سياسي غير حزب البعث وقد تحمل ما تحمل من هذا الموقف لكن كان فناناً وانساناً نبيلاً.
المخرج سعد نعمة أحد التلاميذ المحبين والمخلصين للقيم الابداعية الفنية والتربوية التي ارساها جعفر علي حدثنا طويلا عن ذكرياته ما الذي استذكره عن استاذي ومعلمي، منذ لحظة الاختيار الاولى، كنت قلقا أتصبب عرقا، حاول جعفر علي وكان رئيس لجنة القبول ان يخفف عني فقال:
أهدأ يا عزيزي انه اختيار، حتى لو لم تقبل فهذا لا يعني نهاية العالم.
قلت له: استاذ انا جئت لأقبل فقد اتشرف واكون تلميذك وكانت بداية صداقة الى حد رحيله المفجع.
لم يكن استاذا تقليديا، يعطي لنا دروسا خارج المنهج في العطلة، مطعما محاضراته باستقدام محاضرين في علوم اللغة واللسانيات، ومختصين بتقنية الفيلم، فمثلا كان يدرسنا د. مالك المطلبي ومحمد شكري جميل وحاتم حسين، وحينما يداعبونه بان المسألة لا تستأهل كل هذا التعب يجيبهم بابتسامته الرائعة نحن نصنع سينما.