متابعة – التآخي
بعيون يعتصرها الأسى، ينظر صيادون إلى أكوام من أسماك نافقة جرفتها الأمواج إلى ضفاف نهر “أم شان “في منطقة المجر الكبير، الذي يسحب مياهه من نهر دجلة في محافظة ميسان جنوبي العراق.
يعود نفوق الأسماك بشكل كبير إلى سوء نوعية المياه في حوضي دجلة والفرات، وبرغم ذلك، فإن السبب الدقيق لنفوق الأسماك لم يتحدد بعد ما دفع وزارة الزراعة العراقية إلى تشكيل لجنة لبحث أسباب هذه الكارثة.
وفي محافظة ذي قار المجاورة، يُمكن مشاهدة الأسماك وهي تحتضر من جراء تراجع مناسيب المياه في هور الجبايش بفعل قلة الأمطار.
وقد أشارت الأمم المتحدة إلى أن العراق من بين البلدان الخمسة الأكثر تضررا من تغير المناخ، ووصلت درجات الحرارة في صيف السنوات الماضية إلى 55 درجة مئوية.
يؤدي انخفاض منسوب المياه وارتفاع درجات الحرارة بشكل عام إلى قلة مستويات الاوكسجين وارتفاع نسبة الملوحة في الأنهار ما يؤثر سلبا على الثروة السمكية وقد أعلنت وزارة الزراعة العراقية وهيئة الموارد المائية عن إجراء تحقيقات منفصلة لمعرفة أسباب هذه الكارثة المائية في ميسان.
وبحسب شهود العيان، تفشل جهود السلاحف المعروف أن عمر الواحدة منها يمكن أن يصل إلى 300 عام “المشهورة في الجنوب باسم الرفش” في العيش وسط بيئة مائية سامة وتستسلم للموت؛ ويتدفق 5 ملايين متر مكعب من مياه الصرف الصحي غير المعالجة يوميا إلى نهر دجلة الذي يوفر المياه لنهر أم شان وتؤدي الأسماك المتعفنة إلى تفاقم أزمة رداءة المياه في أم شان.
وتعد هذه المنطقة جزءا من الأهوار العراقية التي جرى إدراجها على لائحة اليونسكو للتراث العالمي عام 2016 اذ وصفتها اليونسكو بأنها “ملاذ تنوع بيولوجي وموقع تاريخي لمدن حضارة ما بين النهرين “ومنذ آلاف السنين، تعيش مجتمعات سكانية كبيرة تعتمد أما على صيد الأسماك أو تربية الجاموس في وئام مع الطبيعة، ودأب سكان المنطقة على استعمال سبل تتأقلم مع الحياة مثل العيش في أكواخ القصب” الصرايف”.
وتعاني منطقة الأهوار منذ سنوات من قلة هطول الأمطار، لكنها منذ عام 2020 تشهد موجة جفاف هي الأشد في 40 عاما، وقد أدت مشاريع تركيا وإيران في بناء السدود والقنوات إلى انخفاض كبير في تدفق المياه إلى نهري دجلة والفرات ويعد سكان الأهوار من أقدم السلالات البشرية على وجه الأرض ويطلق محليا على قسم منهم “المعدان“.
وفي اهوار الجبايش الجنوبية بمحافظة ذي قار، كان من المفترض أن تبحر الزوارق؛ لكنها باتت تقف حائرة في تربة جافة؛ وأدى الجفاف إلى القضاء على مهنة صيد الأسماك ما أثقل كاهل الصيادين المثقل اصلا من جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وإزاء ذلك، يتخذ كثير من الصيادين قرار الهرب إلى المدن لكسب لقمة العيش.
ويعيش صيادو الأهوار في “صرايف” من حصران القصب، فوق أكداس قصب عائمة على سطح الماء تعرف بـ ” الجبايش” قد تظهر الحياة بهذه الطريقة صعبة، لكنها ممكنة لمن ولدوا في هذا المكان.
وبعد أن شح الصيد، لا يجد سكان الأهوار والصيادون ما يسدون به رمقهم اليوم سوى بيع القصب الذي يستخدم كعلف للجواميس والأبقار، وحين يجف يستخدم لبناء الصرايف والأطواف “الجبايش“.
الصياد الشيخ عبد الأسدي، يقول إنّ القصب ونقل السائحين وتربية الجاموس وبيع منتجاته، هي مصادر الدخل الحالية لسكان الأهوار.
مضائف القصب تقام عادة على بقعة أرض يابسة، لكن يمكن إقامتها فوق جبايش القصب أيضا، و هذه المضايف تستعمل اليوم كمحطات ضيافة للزوار والسائحين، ويجري صيد أسماك الهور لعمل ولائم مكلفة لهم؛ وصيد السمك وبسبب شحه، يجري قبل طلوع الفجر بالشباك، وأحيانا بالتيار الكهربائي الذي يصعق جميع الكائنات في بقعة كبيرة من الماء.
كانت منطقة الأهوار تغطي 9 آلاف كيلومتر مربع في سبعينات القرن الماضي لكنها تقلصت إلى 760 كلم مربعا بحلول عام 2002 ثم استعادت نحو 40 في المئة من المنطقة الأصلية بحلول عام 2005 ويقول العراق إنه يهدف إلى استعادة ستة آلاف كيلومتر مربع في المجمل، لكن الجفاف يضرب هذه الخطط في الصميم.
وأُطلق على المنطقة لقب ” فينيسيا الشرق ” حيث كانت مقصدا للسياح، لكن تغير المناخ يهددها ويهدد بقاء ثقافة تعود إلى آلاف السنين، وبدأت المأساة في عهد نظام صدام حسين، حين جفف الأهوار للقضاء على معارضي نظامه بعد الانتفاضة في 1991 بجنوبي العراق. وبعد سقوط النظام المباد عام 2003 هدم السكان كثيرا من السدود حتى تعود المياه للتدفق مجددا في محاولة لبث الحياة في منطقة الأهوار.
والاهوار هي مجموعة المسطحات المائية التي تغطي الأراضي المنخفضة الواقعة في جنوبي السهل الرسوبي العراقي، وتكون على شكل مثلث تقع مدن العمارة والناصرية والبصرة وذي قار وميسان بأعلى رؤوسه. وتتسع مساحة الأراضي المغطاة بالمياه وقت الفيضان في أواخر الشتاء وفي الربيع وتتقلص أيام قلة الماء “الصيهود”.
وأطلق العرب الأوائل على هذه المناطق اسم «البطائح»، جمع بطيحة، لأن المياه تبطحت فيها، أي سالت واتسعت في الأرض وكان ينبت فيها القصب.
في يوم 17 تموز من عام 2016 وافق اليونسكو على وضع الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي كمحمية طبيعية دولية فضلا عن المدن الأثرية القديمة المتواجدة بالقرب منها مثل أور وإريدو والوركاء.