حوار السيف والقلم  

 

د . صباح ايليا القس

 

 

تشتمل الحياة على جملة من المتضادات التي لا يمكن أن يستقيم العيش من دونها التي يطلق عليها بعض المثقفين مصطلح ( الثنائيات ) مثل الخير والشر والليل والنهار والحق والباطل والشرق والغرب ولو بحثنا في عقولنا لوجدنا عددا كبيرا من هذه الثنائيات التي يمكن ان نقول عنها عماد الحياة التي لا يمكن تجاوزها بل هي تعيش معنا يوميا لان الحياة لا تقف على منهج واحد لان التضاد في هذه الثنائيات هو سر الوجود اذ كيف نعرف الحق اذا لم نكن رأينا الباطل وعايشناه وربما اكتوينا بناره وكيف نعرف السلام اذا لم تكن الحرب قد جرحت قلوبنا وأسالت دماءنا وليس من الضروري أن نعيش شخصيا هذه الثنائيات المتناقضة ولكننا نتعلم من تجارب الآخرين اذ الانسان مجموعة تجارب تتراكم في ذاكرته لكي يتدبر امره في ادارة المسيرة اليومية له ولمن يكونون ضمن مسؤوليته .

ومن ضمن هذه الثنائيات مزدوج ( السيف والقلم ) ولو بحثنا تاريخيا لوجدنا ان القلم أقدم من السيف بدليل ( وعلم الانسان ما لم يعلم ) فالعلم يعني القلم بغض النظر عن وجود الكتابة من عدمها وأشهر من أجرى مفاضلة بين الاثنين الشاعر ابو تمام في بيت ضمن قصيدة طويلة يقول :

ألسيـــف أصـــدق أنبـــــاء مـــن الكتـــب     فــــي حــــدِّه الحــــدُّ بيــــن الجــــدِّ واللعــــب

في النظرة الاولى نقول أن القلم يعني الحياة العاقلة التي تعتمد على العقل في التخطيط والتشريع والادارة والثقافة اما السيف فهو يعني الحسم والقوة والسيطرة وهو اداة التنفيذ اذ لا يمكن أن يتحرك السيف بمفرده الا وكان هناك عقل يحركه ويد تفعل وتفرض ما يريده العقل ..

ومعنى هذا إن للقلم قوته العقلية وللسيف قوته التنفيذية وهما متلازمان في القول والفعل ويصلحان في أخذ موقعهما في الخير والشر اذا انحرفا عن السبل المستقيمة التي يتطلبها العيش بأمان وسلام .

لا شك ان عنصر الخير يدعو الى الالتزام بالثوابت الاخلاقية التي تفرضها طبيعة المجتمع بصورة عامة بغض النظر عن خصوصيات بعض المجتمعات لكن البشر برمتهم ميالون الى العيش بحرية وسلام إلا ان هذا لا يمنع من وجود من يخرجون عن السياق العام ويندفعون الى الجانب السلبي والمظلم من الحياة ليكون السيف والدم وسيلتهم لتنفيذ ارادتهم متناسين او متغافلين عن الحقائق المشتركة للانسانية ..

السيف والقلم لا يمكن إنكار وجودهما في الحياة وتأثيرهما في مجمل الفعاليات الانسانية فالمجموعة التي تحتكم الى القلم تسعى الى الاستفادة من عمر الانسان القصير فتستثمر الطاقات نحو الاعمار والبناء وخدمة الذات والمجتمع بينما يكون السيف رمزا للدمار والخراب الذي اوجده العقل .

لكن في الجانب الآخر لا يمكن أن ننسى دور السيف في احقاق الحق وفرض السيادة وسلطة التشريع بحيث يلتزم كل طرف بحقوقه واذا لم يكن السيف وسيلة لخدمة الحياة صار هذا المجتمع العاقل والمسالم موضع طمع واستخفاف عند الاشرار الذين تغذيهم عقول حاقدة ومريضة بحيث تستخدم قوة السيف ليس لاحقاق الحق بل لتنفيذ المطامع والمصالح الذاتية التي تتعارض مع الشريعة الانسانية ..

ابو تمام الشاعر اعطى للسيف منزلة تتناسب مع واقع الحياة اذ فضله على الكتب عندما يكون وسيلة لردع الاشرار بوصفه يضع حدّا للتجاوز واستضعاف الآخر فهو والحالة هذه أفضل من الكتب لان العقل والكتاب والعلم بحاجة الى حماية قادرة مقتدرة اذ بوساطة السيف يكون الفصل بين الجد واللعب إذ انه لم يكن معتديا بل انه خدم العلم والحضارة الانسانية وهذا الذي اكده ابن الرومي في قوله :

كــــذا قضـــى الله للاقـــــــلام مُـــذْ بُرِيـــتْ     أن السيـــوف لهـا مُـــــذْ أُرهفــــــتُ خـــــدم

نجد ان ابن الرومي قد وضع اصبعه على الجرح وأكد ان السيف هو دوما وحتما في خدمة القلم إلا ان هذا الامر لا يلتزم به الاشرار الظالمون .

قد يعجبك ايضا