منارات عراقية … عزيز جاسم الحجية .. اعمال مشرقة في تاريخ بغداد

رياض العزاوي

الاستاذ الباحث والمؤرخ التراثي الكبير المرحوم عزيز جاسم الحجيه يعد واحدا من أبرز وأشهر العناوين والوجوه البغدادية المرموقة التي تميزت بإسهامها وجهدها الكبير في جمع ونشر وتدوين وتوثيق تراث بغداد الاجتماعي ودورها الفاعل الانساني بين الامم والشعوب المعاصرة.

كتب بإسهاب وعمق تفاصيل رائعة ملمة ومحيطة بشؤون وشجون الحياة البغدادية الاصيلة. له أكثر من ثلاثين سفرا تاريخيا خالدا متنوعا متنقلا في سياحة فكرية معرفية بين بساتين وحقول الكتب العسكرية والتراثية لكونه ضابطا مثقفا وعسكريا مهنيا ورياضيا واداريا بارزا.

 

 

تقلد مناصب رياضية مهمة شغل فيها منصب ضابط العاب القوة الجوية الذي كان فارس الرهان العنيد الذي لا يقهر ولا يهزم امام فريق الحرس الملكي. رافق البطل العالمي المعروف السباح علاء الدين النواب في سباق صيدا بيروت الدولي بالسباحة للمسافات الطويلة الذي كان له الدور المميز والفاعل في فوز سباحي العراق بالبطولات الدولية عندما كان مرافقا لوفود العراق بالسباحة الاولمبية.

عزيز الحجية الشخصية البغدادية النشأة عاش وترعرع في (محلة حمام المالح) احدى مناطق بغداد القديمة. ولد في سنة 1921 من القرن المنصرم. منذ ان كان صغيرا تعلم القراءة والكتابة وقراءة القرآن الكريم في(الكتاتيب) أنهي دراسته الابتدائية في مدرسة الفضل والمتوسطة في الغربية ليشكل بعدها الرعيل الاول لأول دفعة من طلبه الدورة الثانوية العسكرية. تدرج في الرتب حتى وصل الى رتبة عقيد احيل على إثرها على التقاعد.

بدأت ميوله الادبية والثقافية تتضح معالمها بعد ان عاش تحت سقف واحد، ابن عمته الضابط الشهيد ثابت نعمان الذي تأثر به بحبه الادبي الذي اصبح عشقه وهاجسه وشغفه اليومي . كان يكلفه بتبييض مسوداته وتأثر في هذه الاجواء والمناخ بخاله الاديب عبد الستار القرغولي الذي كان يشدد عليه بحفظ المعلقات وقراءة اشعار المتنبي العظيم والبحتري. الخال القرغولي كان معاونا ومساعدا فاعلا لفك رموز وغموض بعض معاني كلمات الشعراء الكبار.

 

 

 

يعتبر كتاب الامثال الشعبية الذي كان الكتاب الاول في مسيرته الادبية والذي جمع فيه أكثر من اربعمئة مثل وكناية. وقد احب الامثال الشعبية البغدادية التي كانت تمثل له المرآة التي تعكس بصدق صورة واقع المجتمع البغدادي وقد بذل جهدا كبيرا مخلصا في جمع وترتيب طائفة كبيرة منها وكانت هذه الامثال الشعبية البغدادية تجسد صفات وسمات الشخصية البغدادية المعبرة عن اصالتها وطيبتها التي توارثها عبر الازمان الغابرة واصبحت جزءا من تكوينها قد تداولتها في احوال متباينة من حياتها وما زال الكثير منها يمثل نبض الشارع البغدادي وينطبق على احوالنا وهي احدى نتائج السيرة الاجتماعية للبلد في العصور التي تلت حقبة الكلام الفصيح والصحيح وهي تمثل فطنة وذكاء وطيبة اهل بغداد التي تضمن العديد من العادات والتقاليد والمهن التي كان يزاولها العامة والخاصة من الاهالي بالإضافة الى احداث التاريخ التي وقعت في حوادث الامثال.

 

 

ورأى الحجية ان تسجيلها وتدوينها واجبا وطنيا مهما للأجيال وجمع تراث الشعبي للبلد. الفلكلوري والتراثي الفقيد عزيز الحجية اعتمد طريقة جديدة مبتكرة في تفسير الامثال العامية البغدادية وهي الطريقة التي اتبعها وانتهجها واعتمدها بعده الباحثين في الشأن البغدادي وهي طريقة جميلة ذات ابعاد ومرامي واسس مبدعة صحيحة لاقت قبولا ورضا واستحسانا عند القارئ البغدادي والمهتمين والباحثين في شؤون التراث ومجرياته الذي وقف مندهشا معجبا. ومؤلف الحجية يسرد بمنهجية عالية القصة الاجتماعية التي صاغ فيها الامثال في باكورة انتاج اعماله الابداعية التي عرضها على شكل تمثيلية شعبية سماها(الميوني يغرك) وقد اثنى واشاد بتمثيليته هذه العلامة القامة الدكتور مصطفى جواد الذي تنبأ للحجية ان يكون كاتبا تراثيا متميزا بارزا له بصمة وقامة في تاريخ الادب الشعبي العراقي والمنطقة وفعلا تحققت توقعات العلامة مصطفى جواد من خلال تفوق وتألق الحجية في كتابه الموسوم (بغداديات) الذي قام بتحقيقه عام 1967 وهو تصوير حقيقي وامين للحياة الاجتماعية الذي يجسد بالكلمة الناطقة العادات والتقاليد والمهن والحرف البغدادية عبر قرن .

وقد اصدر المؤرخ التراثي الكبير عزيز جاسم الحجية العديد من الكتب التي تبحث وتوثق في مختلف جوانب الحياة العسكرية المهمة للجندي والضابط انجز هذه الاعمال عندما كان ضابطا في الجيش العراقي والذي بدا في تأليفها في منتصف القرن الماضي الا ان هذه النتاجات الابداعية التي قام بتحقيقها تعد لا شيء اذا تمت مقارنتها بكتابه التراثي الاول(المايوني يغرك) وبعده جاء كتابه المهم المتميز(بغداديات) الذي طبع بثلاثة اجزاء وهو كتاب مهم يعد مرجعا امام الباحثين والدارسين في تفاصيل الحياة البغدادية وشهدت اعوام 67 _68 انعطافة مهمة في حياة الكاتب من خلال غزارة انتاجه الفلكلوري والتراثي لتفرغه وانقطاعه في الكتابة بعد ان اسس مكتبا ثقافيا مشتركا مع الباحث الكبير المعروف الاستاذ عبد الحميد العلوجي الذي اثمر هذا التعاون المشترك بين القطبين الكبيرين الحجية والعلوجي من احداث الاثر الواضح والملموس في اصدار ونشر العديد من الكتب المهمة التي كان لها الثقل الكبير في رفد واثراء واغناء المكتبة العراقية والعربية بروافد مهمه وحيوية من الكتب التراثية والتاريخية التي سدت فراغا حيويا في الساحة العراقية.

وظلت اعمال وابداعات الاديب والمؤرخ والباحث عزيز جاسم الحجية تشكل مرجعا تراثيا مهما لتاريخ بغداد وحياة اهلها.

تعتبر مادة لا غنى لكل دارس وراغب في الاطلاع والاستفادة. وهي منهل ومعين للدارسين والباحثين مع خلود الايام والسنين وتقادم الزمن.

قد يعجبك ايضا