التآخي – وكالات
كشفت السعودية وروسيا أكبر مصدران للنفط في العالم الإثنين ٣ حزيران ٢٠٢٣ عن تخفيضات في الإنتاج والصادرات ما أدى إلى ارتفاع أسعار الخام في تعاملات الفترة الصباحية.
وقالت السعودية إنها ستمدد خفضها الطوعي لإنتاج النفط بمقدار مليون برميل يوميا لشهر آخر ليشمل شهر آب، وأضافت أن الخفض الطوعي قد يمتد إلى ما بعد ذلك.
وبعد إعلان السعودية بقليل، قال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إن بلاده ستخفض صادراتها النفطية نحو 500 ألف برميل يوميا في آب ٢٠٢٣.
وتصل التخفيضات إلى 1.5 بالمئة من الإمدادات العالمية، وترفع التخفيضات الإجمالية التي تعهد بها تحالف أوبك+ إلى 5.16 مليون برميل يوميا.
وكان تحالف أوبك+ قد تعهد بالفعل بتقليص 3.66 مليون برميل يوميا من إنتاج النفط، التي تشكل نحو 3.6 بالمئة من الطلب العالمي على الخام، بما في ذلك مليونا برميل يوميا في اتفاق أبرم العام الماضي وتخفيضات طوعية بمقدار 1.66 مليون برميل يوميا تم الاتفاق عليها في نيسان وتمتد حتى كانون الأول 2024.
وارتفعت أسعار النفط في أعقاب الإعلان ، إذ صعد خام برنت 89 سنتا إلى 76.30 دولار للبرميل بحلول الساعة 09:50 بتوقيت غرينيتش.
ويضخ تحالف أوبك+، الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاء بقيادة روسيا، نحو 40 بالمئة من الخام العالمي.
وعمد التحالف إلى تقليص الإمدادات منذ تشرين الثاني لرفع الأسعار وسط ضعف الطلب الصيني وزيادة الإمدادات الأمريكية، لكن ذلك لم ينجح حتى الآن في دفع الأسعار إلى أعلى من نطاق بين 70 و80 دولارا للبرميل.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر مسؤول بوزارة الطاقة القول “إنتاج المملكة لشهر آب 2023 سيبلغ نحو تسعة ملايين برميل يوميا”.
وكانت السعودية، الزعيم الفعلي لمنظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، تعهدت في وقت سابق بخفض كبير في إنتاجها في تموز إلى جانب اتفاق أوبك+ الأوسع لخفض الإمدادات حتى عام 2024 في وقت تسعى فيه المجموعة لتعزيز أسعار النفط.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن المصدر الرسمي القول “هذا الخفض الطوعي الإضافي يأتي لتعزيز الجهود الاحترازية التي تبذلها دول أوبك+ بهدف دعم استقرار وتوازن أسواق النفط”.
وكانت روسيا، ثاني أكبر مصدري النفط في العالم بعد السعودية، قد أعلنت بالفعل أنها ايضا ستخفض إنتاجها النفطي بمقدار 500 ألف برميل يوميا ليصل إلى 9.5 مليون برميل يوميا من آذار حتى نهاية العام.
وكانت منظمة “أوبك +” التي تضم أكبر الدول المنتجة والمصدرة للنفط، قد كشفت عن نيتها تطبيق تخفيضات طوعية على إنتاجها حتى نهاية 2024.
وعقد تحالف “أوبك+” اجتماعا في 4 حزيران ٢٠٢٣ في فيينا، وسط أجواء وصفها متابعون “بالصعبة” نتيجة خلافات بين الدول المنتجة والمصدرة للنفط، على رأسها السعودية وروسيا، بشأن خفض إنتاجها، وانتهى الاجتماع بتوافق جميع الدول على البدء بخفض طوعي لإنتاجها بهدف ضبط أسعار السوق التي شهدت انخفاضا ملحوظا مع اعتماد روسيا، إحدى الدول الرئيسة المصدرة للنفط، تخفيضات بالأسعار للدول الآسيوية. هذه السياسة وضعت السعودية، أكبر منتج ومصدر للنفط، أمام مأزق اقتصادي، ما دفعها إلى العمل على إقناع كافة الدول الأعضاء بالمنظمة الدولية على خفض إنتاجها.
وعقب الإعلان عن التوصل للاتفاق، شهدت أسواق النفط العالمية ارتفاعا بالأسعار، اذ وصل برميل خام برنت إلى أكثر من 78 دولارا أمريكيا، بزيادة قدرها أكثر من دولارين. ووافق تحالف كبار المنتجين في “أوبك+” بقيادة السعودية على تمديد اتفاق خفض الإنتاج الطوعي إلى نهاية كانون الأول 2024، ليصل عتبة 40,46 مليون برميل يوميا.
وجاء في البيان الختامي للاجتماع الذي كان محط أنظار العالم، نظرا لأهمية قراراته على أسعار النفط وارتباطها بالصراعات الجيوسياسية وأثرها على سوق الطاقة وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا، “ضبط مستوى إجمالي إنتاج النفط للدول الأعضاء في أوبك والدول غير الأعضاء في أوبك إلى 40,46 مليون برميل يوميا من الأول من كانون الثاني ٢٠٢٤ وحتى 31 كانون الأول 2024”.
وأورد البيان أنه “على روسيا ضبط حجم إنتاجها بحدود 9,828 مليون برميل يوميا ابتداء من 2024″، معتبرا أن “أوبك +” اتخذت هذا القرار “للحفاظ على استقرار سوق النفط وإرساء قدرة طويلة الأمد على التنبؤ بحركته”.
من جهتها، وزارة الطاقة السعودية، كانت قد اعلنت، أنها “ستواصل الخفض الطوعي لإنتاج النفط البالغ 500 ألف برميل يوميا حتى نهاية شهر كانون الأول 2024، بالتنسيق مع بعض الدول المشاركة في اتفاق أوبك+”؛ كما أعلنت المملكة نيتها القيام بخفض طوعي إضافي في إنتاجها من النفط الخام بمقدار مليون برميل يوميا ابتداء من تموز لمدة شهر قابلة للتمديد، على لسان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، خلال مؤتمر صحفي أعقب الاجتماع.
والتزمت موسكو بتمديد خفض إنتاجها الطوعي للنفط بمقدار 500 ألف برميل يوميا حتى نهاية كانون الأول. وعد نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك أن القرار يأتي “في مصلحة السوق العالمية ولا خلافات بين روسيا والسعودية”.
وكان قد سبق الاجتماع مؤشرات بشأن خلافات بين الرياض وموسكو هددت بتعطيله، على خلفية دفع المملكة السعودية باتجاه خفض الإنتاج، الأمر الذي كانت روسيا مترددة بشأنه لما سينعكس بنتيجته على عائداتها النفطية الضرورية حاليا لتمويل أعمالها العسكرية في أوكرانيا. يذكر أنه بسبب العقوبات الغربية على موسكو، جرى فرض سقف سعري للنفط الروسي وهو 60 دولارا للبرميل، وأي تجاوز لهذا السعر سيعرض الجهات أو الدول المعنية به لخطر عقوبات.
من جهة أخرى، فرض سقف سعري على النفط الروسي حفز اقتصادات ضخمة كالصين والهند على الإقبال عليه. هذا كان له أثر كبير على حصة السعودية من سوق النفط العالمية، خاصة مع تراجع صادراتها للاقتصادين الأقوى في آسيا. ووفقا لشركة “فورتكسا” المتخصصة في تحليل بيانات الشحن، سجلت الهند رقما قياسيا لوارداتها من النفط الروسي “الرخيص” خلال أيار الماضي بلغ 1,96 مليون برميل يوميا، فيما تراجعت وارداتها من النفط السعودي إلى أدنى مستوياتها منذ 2021.
ونقلت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية عن سيرينا هوانغ المحللة في “فورتسكا” إن “المصافي الهندية تُظهر شهية قوية للخام الروسي، نظراً لانخفاض أسعاره مقارنة بإمدادات الشرق الأوسط”.
باربارا لامبرخت، من مجموعة “كوميترس بنك”، عدت أن “السعودية تحتاج إلى أسعار أعلى لدعم ميزانيتها”، مشيرة إلى أن عتبة الربح تبلغ حوالي 80 دولارا للبرميل بالنسبة للمملكة.
لكن الإعلان الذي جاء في نهاية الاجتماع عكس رغبة دول التكتل في زيادة التنسيق فيما بينها والعمل على تعزيز الثقة في سوق النفط العالمية، كون تحالف “أوبك +” يضخ نحو 40% من الإنتاج العالمي لهذه المادة، ولقراراته تأثير كبير على أسواق الطاقة العالمية.
وكانت “أوبك” قد عبرت عن تفاؤلها بشأن ارتفاع الطلب على النفط الخام في العام الحالي ما قد يدفعها لزيادة إنتاجها بنحو مليوني برميل يوميا، لكن الأزمة الاقتصادية العالمية جاءت بنتائج مغايرة لتلك التوقعات. فمع تراجع النشاط الصناعي وسعي الدول لترشيد الإنفاق، فضلا عن أسباب أخرى، كلها شكلت أسبابا لتراجع الطلب على النفط منذ نيسان الماضي، هذا ما حفز المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، لدفع “أوبك+” لخفض الإنتاج من أجل دعم الأسعار وتفادي وقوعها في عجز مالي.
ووفقا لشركة “ريستاد إنرجي” للاستشارات، من المرجح أن يؤدي الخفض الإضافي من جانب السعودية إلى زيادة عجز السوق، ما قد يدفع أسعار النفط الخام للارتفاع في الأسابيع المقبلة.
أما محللو “غولدمان ساكس” فعدوا أن الاجتماع كان “صعوديا إلى حد ما” لأسواق النفط، ويمكن أن يرفع أسعار برنت في كانون الأول 2023 إلى 6 دولارات للبرميل، اعتمادا على المدة التي تحافظ فيها السعودية على إنتاجها عند 9 ملايين برميل يوميًا خلال الأشهر الـ6 المقبلة.
وغالبا ما تسعى منظمة الدول المصدرة للنفط إلى سياسة خفض الإنتاج لتنظيم عملية العرض والطلب في السوق العالمية، ولدعم أسعار النفط خاصة إذا ما انخفضت لمستويات تهدد ميزانيات الدول الأعضاء، ولتعزيز استقرار أسواق النفط وبث الطمأنينة لدى الدول المستهلكة بشأن قدرة الدول المنتجة على ضمان توافر النفط في السوق.
أما البيت الأبيض الامريكي، وتعليقا على قرار “أوبك +” بخفض إنتاج النفط، فاعتبر أنه “أمر يخص منظمة أوبك”.
ونقلت شبكة “سي أن أن” الأمريكية عن مسؤول بالبيت الأبيض قوله “نحن لسنا جزءا في أوبك +، فالمنظمة تتخذ قراراتها الخاصة، نحن نركز على المستهلكين الأمريكيين وليس على سعر البرميل، وقد انخفضت الأسعار بشكل ملحوظ العام الماضي”.
وأضاف المسؤول الذي لم تسمّه سي أن أن، “نعتقد أن العرض يجب أن يلبي الطلب، وسنواصل العمل مع جميع المنتجين والمستهلكين لضمان دعم أسواق الطاقة للنمو الاقتصادي وانخفاض الأسعار للمستهلكين الأمريكيين”.
وجاء إعلان المملكة العربية السعودية بشأن خفض إنتاجها من النفط قبل يومين من موعد زيارة قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين لإجراء محادثات مع القادة السعوديين.
وبرأي خبراء أمريكيين فإن السياسة النفطية السعودية تميزت بمسحة أكثر “عدوانية” منذ بروز ولي العهد محمد بن سلمان على الساحة السياسية الداخلية، الذي يسعى لتحقيق عائدات كبيرة من النفط لتمويل خططه التنموية الطموحة في الداخل، وعلى رأسها تنويع مصادر دخل المملكة.
وفي الماضي، أثارت تصريحات “أوبك” التي تقودها المملكة العربية السعودية احتكاكات مع إدارة بايدن، التي سعت لإبقاء أسعار النفط منخفضة لتخفيف الضغط على أسواقها الداخلية.
وتتهم دول غربية عدة منظمة “أوبك” بتعريض الاقتصاد العالمي للخطر عن طريق التلاعب بأسعار النفط والتسبب بارتفاع معدلات التضخم وتراجع النشاط الصناعي، كما تتهمها بالانحياز لروسيا برغم العقوبات الغربية المفروضة عليها.
وكانت الولايات المتحدة قد وصفت إجراءات “أوبك +” الماضية بأنها “غير مناسبة”، وأعلنت أنها تدرس إصدار تشريع يعرف باسم “نوبك”، يتيح لها مصادرة أصول “أوبك” على الأراضي الأمريكية إذا ثبت “تواطؤها” في تقويض استقرار السوق.