بعد قطيعة طويلة قطر والامارات تستأنفان العلاقات الدبلوماسية

 

 

التآخي – وكالات

بقيت علاقة قطر والإمارات متوترة لمدة طويلة، وطغى عليها الحصار والمقاطعة. ولكن الجارتين بدأتا في تخفيف التوتر. والآن تتبادلان السفراء مرة أخرى. اتجاه عام نحو تخفيف الصراعات في منطقة الخليج.

كانتا في حوار لمدة طويلة، والآن تريد  قطر  والإمارات العربية المتحدة  التحدث مع بعضهما مرة أخرى عبر القنوات الرسمية، وبالنتيجة تبادل السفراء. هذا ما أعلنته الدولتان في بيان مشترك، نشر جاء فيه “أعلنت الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر  استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين”، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام)، بنبرة واقعية.

بهذا الاتفاق تجاوز الطرفان وبشكل نهائي المقاطعة والحصار الذي فرضته السعودية على قطر في عام 2017 وانضمت إليه الإمارات والبحرين ومصر. حينها اتهمت  الدول الأربع  قطر بدعم الجماعات “الإرهابية” والتقارب مع المنافس الرئيس في المنطقة، إيران.

 

ولطالما نفت قطر بشدة هذه الاتهامات، لكن المقاطعة كانت مؤثرة: إذ لم تتمكن قطر من التغلب على تبعات خسارة صادراتها ووارداتها إلا بفضل عائدات احتياطياتها من الغاز وعلاقاتها الوثيقة مع تركيا وإيران. حينها كان للبلدين دور فعال كشركاء تجاريين.

المقاطعة انتهت رسميا في عام 2021. ومنذ ذلك الحين، خفت التوترات في العلاقات بين الجانبين. ففي نهاية العام الماضي مثلا استقبلت قطر، بصفتها مضيفة كأس العالم، ثلاثة من قادة دول المقاطعة. وما تبادل السفراء الذي جرى الاتفاق عليه الآن، إلا نتيجة منطقية، وإضفاء للطابع الرسمي على التقارب.

 

 

 فتح سفارتي الدولتين الصغيرتين، ولكنهما ناشطتان سياسيا واقتصاديا، ومتنافستان في العديد من المجالات، تزامن مع مرحلة من الانفراج العام في منطقة الخليج. ففي البداية، خاضت أكبر قوتين في المنطقة، السعودية وإيران، شهورا من المفاوضات في محاولة للتغلب على توتراتهما، التي كان بعضها عنيفا من خلال صراعات بالوكالة، بما في ذلك في اليمن ولبنان. وفي  آذار الماضي أعلن وزيرا خارجية البلدين بشكل مفاجئ بشكل رسمي تقاربهما، بما في ذلك إعادة فتح سفارتيهما، بوساطة صينية.

ومع ذلك، فإن اقتراب الإمارات الآن من قطر لن يتبع ببساطة مسار جارتها القوية وحليفتها السعودية. وإنما تضع الإمارات مصالحها الخاصة في المقدمة، كما تقول سينزيا بيانكو، الخبيرة بشؤون منطقة الخليج في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

إن أهم ما يقلق الإمارات هو تعامل قطر مع الإخوان المسلمين، فحقيقة أن العديد من ممثلي الحركة الإسلامية، وبعضهم من القيادات البارزة، وجدوا المأوى والحماية في الدوحة، كانت دائما شوكة في عين القيادة المحافظة في دولة الإمارات، على حد وصفها.

و “مشكلات قطر مع مصر والإمارات والسعودية ترجع في المقام الأول إلى دعمها لجماعة الإخوان المسلمين وبعض فروعها ومنظماتها”، وفقا لتحليل أجراه معهد واشنطن. كما “اشتكت هذه الدول من التغطية الإعلامية السلبية لقناة الجزيرة، وهي مؤسسة إعلامية ممولة من دولة قطر”. ولكن يظهر أن هذا الأمر أصبح الآن شيئا من الماضي، وقد اتخذت قطر في وقت مبكر من عام 2021 التدابير الأولى بهذا الخصوص. “لقد تخلت قطر بالكامل تقريبا عن جماعة الإخوان المسلمين”، كما تقول الباحثة سينزيا بيانكو.

 

كما قلصت قطر تغطية ذراعها الإعلامي الأهم، قناة الجزيرة الإخبارية. ولم يعد من الممكن سماع النغمات الانتقادية بشأن الدول المجاورة وحكوماتها، التي كانت في السابق سمة مميزة للمحطة، وبخاصة في برامجها العربية. “لقد تغيرت تغطية القناة”، وفقا لمعهد واشنطن، “إنها تتجنب بعض الموضوعات التي سبق أن غطت عنها – مثل انتقاد حقوق الإنسان في السعودية أو السياسة الخارجية لدولة الإمارات، والتي بدورها وصفت الجزيرة بشكل روتيني بأنها شكل من أشكال التخريب”.

هذا “التراجع” حظي برضا إماراتي؛ ففي  آذار من هذا العام، وبعد أكثر من سبع سنوات، سمحت الإمارات بتشغيل العديد من المواقع الإخبارية القطرية: الجزيرة باللغتين العربية والإنجليزية، و”العربي الجديد”. وثمن ذلك هو تغطية محدودة، لا تتجنب انتقاد حكام قطر فحسب، وإنما أيضا حكام الدول المجاورة، الذين يمنع الآن بث تقارير نقدية بحقهم.  “الانخفاض يتواصل في تنوع الآراء في وسائل الإعلام الإقليمية”، تقول سينزيا بيانكو.

ولا تزال علاقة قطر مع حماس التي تحكم قطاع غزة وتصنف على أنها منظمة إرهابية من قبل الاتحاد الأوروبي وإسرائيل والجهات الفاعلة الدولية الأخرى، معقدة حتى يومنا هذا. كما ينظر إلى حماس بشكل نقدي للغاية في الإمارات، خاصة وأن جذورها تعود إلى جماعة الإخوان المسلمين، وقد أدانت علنا مرارا وتكرارا تقارب الإمارات مع إسرائيل.

وتعلن السلطات القطرية بانتظام أن تدخل قطر في قطاع غزة ذو طبيعة إنسانية بحتة. ولا توجد نية لدعم حماس نفسها؛ ومع ذلك، ووفقا لدراسة أجرتها مؤسسة العلوم والسياسة (ألمانيا)، في الخريف الماضي، يمكن للمرء أن يستمر في افتراض أن المنظمة – التي ما تزال لها تواجد في الدوحة – ستتلقى المساعدة أيضا.

 

 

 

وقد يؤدي ذلك، ولكن ليس من الضروري أن يؤدي، إلى نزاعات جديدة بين الإمارات وقطر. وحتى إسرائيل نفسها قبلت بحكم الأمر الواقع دولة قطر كلاعب يمارس نفوذا على حماس، ويخفف من المصاعب الاقتصادية في غزة بمساعداتها المالية، ولكن في الوقت نفسه لا يتبع أجندة معادية لإسرائيل نفسها، وفق تحليل مؤسسة العلوم والسياسة. “هذا لا يغير حقيقة أن قطر ظلت تنتقد إسرائيل ورفضت السلام مع الدولة اليهودية، حتى عندما أبرمت جارتاها الإمارات والبحرين ما يسمى باتفاقيات أبراهام مع إسرائيل في عام 2020″، يتابع تحليل مؤسسة العلوم والسياسة.

 

وبرغم دعمها المستمر لحماس، يظهر أن قطر تعلق الآن أهمية كبيرة على تنسيق السياسة الخارجية بشكل أفضل مع جيرانها العرب ذوي الثقل مثل الإمارات – أو في الأقل عدم إزعاجهم بشكل كبير.

 من جهتها، رحبت الولايات المتحدة باستئناف التمثيل الدبلوماسي بين قطر والإمارات وإعادة فتح سفارتي البلدين، ووصفته وزارة الخارجية الأمريكية بأنه “خطوة مهمة” نحو تعزيز الاستقرار في المنطقة.

كما أعربت الخارجية السعودية عن ترحيب المملكة باستئناف التمثيل الدبلوماسي بين دولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، تطبيقاً لاتفاق العُلا.

ونوهت الرياض بما وصفتها بالخطوة الإيجابية، التي تؤكد على متانة العلاقات بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتسهم في تعزيز العمل الخليجي المشترك، بما يحقق تطلعات دول وشعوب المنطقة، بحسب وكالة الأنباء السعودية (واس)

واعتمل صراع مرير بين أبوظبي والدوحة لسنوات على النفوذ في المنطقة ودور الإسلام في السياسة وكذلك بشأن دعم الحركات المؤيدة للديمقراطية في أنحاء الشرق الأوسط. وفي عام 2017، قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر جميع العلاقات مع قطر بسبب اتهامات بأنها تدعم الإرهاب وأنها عززت علاقاتها مع إيران. ونفت الدوحة الاتهامات.

وبدأت الرياض والقاهرة بإعادة تعيين سفيرين لدى الدوحة في عام 2021 بعد اتفاق بقيادة السعودية لإنهاء الخلاف، فيما لم تفتح البحرين سفارتها في الدوحة بعد.

كما تأتي الخطوة بعد اتفاق إيران والسعودية على استئناف العلاقات بعد عداء على مدى سنوات هدد استقرار منطقة الخليج وأدى إلى تأجيج الحرب في اليمن.

قد يعجبك ايضا