صادق الازرقي
انتشرت في العراق بصورة لافتة منذ نيسان ٢٠٠٣ عمليات واسعة لما يعرف بتجريف البساتين، وهي تعني إلغاء المناطق التي تعرف بخضرتها وبساتينها وتحويلها إلى أراض جرداء؛ لغرض تقسيمها وبيعها؛ وقد أسهمت عوامل عدة في التشجيع على ذلك منها الفوضى السياسية والأمنية، وانعدام الإجراءات القانونية فيما يتعلق بتلك الامور التي هي بمنزلة الجرائم في دول العالم.
لقد توسعت تلك العملية في ظل ماسمي في حينه الحرب الطائفية وجرت مصادرة أراضي زراعية وبساتين يمتلكها أشخاص منذ القدم بسبب الاختلاف الطائفي أو العرقي.
لقد تركزت تلك العمليات في مناطق عرفت بقيمتها الزراعية، وان أكثر المناطق التي تعرضت للتجريف تقع في محافظات ديالى والبصرة وبغداد وبابل، وعلى سبيل المثال، فإن عدد البساتين التي جرفت في ديالى تجاوز 480 بستانا، تضم أشجار رمان وبرتقال، التي كانت المحافظة تشتهر بإنتاج أنواعها ذات الجودة العالية، أما في البصرة فجرف أكثر من 400 بستان توزعت على ضفتي شط العرب وقضاء الزبير ومناطق متفرقة من المحافظة.
وفضلا عن ذلك لابد من الإشارة إلى ما تعرضت له المساحات المزروعة بالنخيل التي انخفضت إعدادها بصورة كبيرة.
لقد أسهمت عوامل عدة في اندثار البساتين والمساحات الخضر، من أهمها غياب الدولة عن متابعة الموضوع واتخاذ الإجراءات المطلوبة لمنع التجريف ومنع تحويل الأراضي التي ماتزال تصلح للزراعة، ما أدى إلى انتشار أفراد وجماعات يقومون بتجريف البساتين وتقسيمها وبيعها على هواهم؛ وبشأن هذا يقول اتحاد الجمعيات الفلاحية، أن “جهات نافذة جرفت مساحات كبيرة من البساتين في شتى المحافظات لغرض استغلالها عقارياً وتجارياً بعيداً عن كونها مخصصة للمشاريع الزراعية”، كما أن فشل الحكومات المتعاقبة في تفعيل لإنتاج الزراعي ودعمه واللجوء إلى استيراد المنتجات الزراعية تسبب في الاستهانة بالانتاج الزراعي المحلي والأراضي الصالحة للزراعة.
وهنا لابد من الاشارة إلى أن الاخفاق في توفير السكن للناس بخاصة طيلة العشرين سنة الماضية، أدى إلى اضطرار السكان إلى البحث عن أي منفذ لبناء منزل، ولم يجد أكثرهم بدا من اللجوء إلى الاراضي الزراعية التي جرفت وقسمت لتباع كقطع سكنية لرخص ثمنها قياسا بعقارات الطابو السكني؛ ما شجع على انبثاق مزيد من عمليات التجريف والاستيلاء على الأراضي الزراعية في ظل عدم التحرك لحكومي في هذا المضمار.
أما المشاريع السكنية التي أعلن ويعلن عنها حتى الآن ما عدا مشروع بسماية السكني، فتميزت بالفوضى المطلقة وغياب الرؤية السديدة فيما يتعلق بالوعي بأهمية تخصيص المساحات الخضر وزراعة مصدات الرياح و أشجار وشجيرات الزينة وانشاء مسطحات خضر؛ وبسبب ذلك وغيره تواصلت عواصف التراب والغبار وعوامل التلوث التي تحيط بتلك المجمعات اسوة بالمناطق الأخرى.
أن عمليات تجريف البساتين تعمق التدهور البيئي والمناخي وتعمل على زيادة المخاطر المتعلقة بنقاوة الهواء وسلامة الصحة، وتلك الظاهرة يجب أن تتوقف، بل إن علينا أن نلجأ إلى عملية معاكسة يمكن أن نطلق عليها “توسيع البساتين” بدلا من تجريفها، ومن أجل ذلك يتوجب أن توضع خطط حكومية لصارمة لمنع التجريف بصورة نهائية، وتثبيت صنف الأراضي المصنفة للزراعة بخاصة اذا توفر لها الماء، ناهيك عن ملاحقة قضايا التجريف والتحويل والمصادرة التي جرت، باحالتها إلى القضاء.