اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 20- 6- 2023
صدر عن وزارة الموارد المائية كتاباً بعنوان ( العودة إلى الأهوار) ( Return to the Marshes) الذي ترجمه د. حسن الجنابي ( وزير سابق في الحكومة العراقية) بالتعاون مع مؤسسة المدى في العام 2007 بطبعته الثانية، وكانت طبعته الاولى قد صدرت في العام 1998، تحت اشرافه عندما كان رئيس جمهورية العراق الحالي الاستاذ ( د. عبد اللطيف رشيد) وزيراً للموارد المائية.
وكان د. حسن الجنابي مترجم الكتاب قد كتب مقدمة لهذه الطبعة الخاصة ورد فيها:
– ” هذه الطبعة الخاصة لها مذاق مثير. إنه مذاق الانتصار على الدمار المتعمد المساحة من الأرض تختصر تاريخ العراق، وجانب مهم من تاريخ البشرية. فمن هنا بزغت شمس الحضارة وتعلَّم البشر فنون الكتابة وهندسة الأشياء. في هذا الكتاب كما في كتب غافن
يونغ الأخرى قدر من الحب والدفء والصدق والشفافية بقدر ما فيه من لغة متدفقة صافية، وسرد يقترب كثيراً من الشعر. وهو قبل أن يكون مغامرة رجل أوروبي في تنقعات السومرية، كان تمريناً في الكتابة الشعرية في العديد من الشعرية في العديد من أوجهه أنجز فيه يونغ نصا غنيا، وأسس فضاءً شعرياً، يلمس عبر فصول الكتاب التي
عكست وبجمالية عالية سحر الهور العراقي وعجائبيته. لدى المؤلف عينان ذكيتان وبصيره نابهة قادرة على التقاط ملامح المشهد وتفصيلاته ورصد حركة أبطاله، فاستطاع تحويل العديد من البسطاء والأميين من المعدان ممّن يتندر عليهم أبناء المدن الغليظون إلى شخصيات محببة، نثق بحكمتهم ومعرفتهم المتراكمة، وكرمهم الأصيل
وشجاعتهم، وفرادتهم وتاريخهم، كما وصف يونغ انسجام عالمهم وعزلتهم عن ضجيج التمدن المتغطرس وقصديته البغيضة، كاشفا بذلك تفاصيل المشاهد المتوارية عن العين السائحة. كان يونغ مدركاً، منذ أن وقعت عيناه على أطراف القصب وتسلل سحر المكان إلى روحه، أن الرحلة الحقيقية للهور العراقي لا يمكن أن تكون هي الزيارة العابرة التي تتحدد بعدد أيام العطلة السنوية التي تسمح بها شركة ( رالي براذرز) للشحن البحري في البصرة. بل هي الإنقلاب الواعي على القولبة الجامدة، والحدود المصطنعة بين الثقافات، فتمرد ضد الرتابة الوظيفية، وبلادة الغرف المكيفة، والنمطية الكريهة والانفصال المتعجرف عن الوسط الجغرافي بتفاصيله الإنسانية وأبعاده البيئية والإيكولوجية.
هذه الرحلة، بالنسبة ليونغ هي فن الاكتشاف ومغامرة المواجهة مع المجهول والثقة بالنفس وبالآخرين، والإحساس الفطري بالجمال، وقوة الشكيمة، واحترام خبرة السكان المحليين والركون استجابة لهاجس داخلي باحث عن جمال الأشياء في منابعها والولوج لحكمتهم. وهي قبل كل شـيء العميق في محيطها الفيزيائي والروحي، وإقامة علاقة
الندية والمساواة مع عناصرها وهو لم يخف تتلمذه في هذا على يدي واحد من أعظم رحالة القرن العشرين مكتشف الأهوار ويلفرد تسيجر. حين ترجمت الكتاب كنت أرى الأهوار فى الحلم واتسعت لدي تجربة الطفل القصيرة مع الأهوار متسلحاً ببعض المعرفة إلى ذلك الحلم الجميل. وحين قدمت إلى العراق بعد اسقاط نظام التجفيف والكثير من
الأمل، ساعدنى الحظ بالإسهام بإنعاش مساحات كبيرة من الاهوار، ومازلت اسهم من مواقع مختلفة، في دفع عملية إعادة إنعاش الأهوار العراقية لتصبح عملية مستمرة لا تراجع عنها إنها مساهمتي في إحقاق العدالة البيئية والاجتماعية، شاكراً أولئك الذين يدعمون هذا التوجه، من ناشرين، وكتاب، وفنانين ومهندسين ومسؤولين في الوزارات العراقية المختلفة ممن عملت أو سأعمل م من أجل هذا الهدف النبيل.
د. حسن الجنابي- بغداد- كانون الثاني- ٢٠٠٦”.
وفي كلمة تحت عنوان ( كلمة المترجم) ورد:
– ” لماذا لم نكتب نحن عن حياتنا بهذا الدفء والاستقصاء؟ أيكون الغريب أكثر منا تأثراً وتأثيراً؟ هل تناول كتابنا وأدباؤنا مثل هذه الموضوعات والشرائح البشرية في وطننا؟”
بهذه الأسئلة التي ” تدمي القلب” تبدأ رسالة الفنان العراقي الصديق محمد سعيد الصكار، الذي اطلع على بعض فصول الكتاب المترجمة؛ وهي الأسئلة نفسها التي واجهتني عند أول قراءة لي للكتاب وها أنا أعزي النفس بتقديمي ترجمة له لعلها تغطي جزءاً ولو بسيطاً في الفراغ الهائل الذي نشهده في هذا النوع الرائع من الكتب. لا أود الكتابة في هذه الكلمة عن المنجز الحضاري العراقي والإضافات المشرقة التي قدمها العراقيون عبر التاريخ للتراث الإنساني الهائل، والتي ما زال الكثير منها مغطى تحت الطمي والرمال والحطام؛ ولا عن منطقة الأهوار العراقية التي تحرص الحكومة العراقية منذ سنين على تدميرها لاستكمال جولة السقوط المربع في الوحشية والقضاء على قدسية الحياة والتاريخ، بل سأترك ذلك لكافن يونغ مؤلف الكتاب. صدر الكتاب بطبعتين الأولى عن دار وليام كولنز William Collins عام ١٩٧٧ ضمّت عشرات الصور الملوّنة التي لا تقل قيمة عن النص المكتوب، والثانية خالية من الصور صدرت عن دار ها تشنسن Hutchinson عام ۱۹۸۳، وأعادت طبعها دار بنجوين penguin في العام ۱۹۸۹
وتضمنت فصلاً جديداً بعنوان ” خاتمة”. كان بودي أن أقدم هذا الكتاب بكامل حلته، أي بالصور المدهشة التي ظهرت في الطبعة الإنجليزية الأولى، فضلا عن الفصل الجديد ” خاتمة”. غير أن أسباباً فنية منعت تضمين الصور في هذه الطبعة العربية التي ضمت فصل ” خاتمة” بما فيه من آراء غير مدروسة بطبيعة الحرب العراقية- الإيرانية، إلا أن فيه إحساساً عالياً بمخاطرها على الأهوار ودعوة صادقة للحفاظ عليها وإدانة واضحة للمتسببين بتدميرها والجاهلين بقيمتها التاريخية والحضارية. أخيراً أود تقديم آيات الشكر إلى الأصدقاء الذين أبدوا ملاحظات قيمة بشأن المادة المترجمة ومنهم الدكتور غانم حمدون والأستاذ الباحث هادي العلوي والفنان محمد سعيد الصكار، الذين
لهم فضل تطوير صياغة عدد من فصول الكتاب؛ وكذلك زوجتي سعاد التي ما انفكت تغمرني بعاطفة دافئة استوعبت قلقي وهمومي وانشغالاتي المتزايدة مع اتساع دائرة المنفى. لقد استعملت الكلمة ” المعدان” لوصف ” عرب الأهوار” لأنهم يسمون أنفسهم هكذا. لم أحاول شرح معنى الكلمة لأن المعدان أنفسهم لا يفقهون معناها ولا مصدرها، ولم يسبق أن حاول أي كان، رغم ورود مصطلح ” المعدان” فى كتابات الرحالّة العربي الشهير ابن بطوطة في القرن الرابع عشر. لقد شجعني ناجي الحديثي كثيراً على إنجاز الكتاب. كما كان من الصعب جداً إصداره في الوقت المحدد دون المساعدة التي لم تعرف
الكلل للآنسة غريتا ويل، كذلك لم أكن قادراً على إنجازه دون تفضل دونالد تريفولد من ” الأوبزرفر” بمنحي إجازة من العمل لإتمامه. سيدني 27- 10- 1997″.
[1] – كاڤــن يونــــگ: ولد عام 1928، التحق بمدرسة روغبي وعمل نوتياً عادياً في البحرية التجارية بعد أن أمضى عامين ونصف في سلك الحرس الويلزي، درس التاريخ الحديث في ترينتي كولدج في أكسفورد. في العام 1951 انضم إلى شركة مصرفية تجارية باسم رالي بروثرز، التي أرسلته إلى العراق، حيث التقى هناك بعرب الأهوار، وتخلى عن عمله المصرفي ليقضي أوقاتاً أطول في البراري، وتحت رعاية منظمة لوكست الدولية لضبط الصحارى أمضى عامين كاملين متنقلاً في الحجاز وسهول تهامة ومنطقة العسير. ذهب بعدها إلى شمال إفريقيا، وعمل في إذاعة المغرب في الرباط. لاحقاً انضم من تونس إلى هيئة تحرير ( الأوبسرفر) حيث شغل منصب كبير للمراسلين الأجانب في تلك الصحيفة. وبفضل ذلك، سنحت له الفرصة في تغطية حروب وثورات وأحداث كبرى في الجزائر والكونغو ورواندا وأنغولا وموزامبيق وکوردستان وفيتنام وكمبوديا وإندونيسيا وقبرص والشرق الأوسط والولايات المتحدة. في العام 1971 فاز بجائزة المراسل الدولي التي تمنحها منظمة (IPC) عن تغطيته من داكا للحرب الهندية الباكستانية، وولادة دولة بنغلاديش.