هناء بيك مراد
لقد أسهمت المرأة الكوردية، حالها حال المرأة من جميع الطيف المجتمعي العراقي بدور فعال، برفد البنية التكوينية للدولة العراقية بأجيال من الكفاءات، العلمية، والمهنية، كأم اولاً، وكمربية ومشاركة في حماية الاسرة، خاصة بعد التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية أثر سقوط الاستعمار العثماني المتخلف في الحرب العالمية الاولى ونشوء عالم جديد في المنطقة.
وفيما يخص المرأة الكوردية الفيلية كونها تعيش في المناطق الوسطى والجنوبية ومناطق اخرى من العراق مع بقية فئات الشعب العراقي، كرست حياتها وجهودها متفانية في تنشئة جيل سليم وتكوين اسرة صالحة متحابة، مهيأة بذلك عناصر متربية ومتعلمة ومخلصة كان لها الاثر الواضح في المساهمة مع بقية القوميات المتآلفة في تشكيل بنية المجتمع العراقي.. وتحملت حملاً مضاعفاً من ناحية اللغة، وهي تتعامل مع نظيراتها العراقيات في شؤونها الحياتية العامة، ولكنها بذكاءها واصرارها تعلمت اللغة واتقنتها جيداً الى جانب احتفاظها بلغتها الاصلية (الكوردية) وشعورها القومي دون تعصب او تخندق مذهبي. وهكذا سارت الاجيال المتعاقبة، واستطاعت بحسن توجيهها اغناء المجتمع العراقي بالكفاءات العلمية والمهنية بالإضافة الى عناصر بارزة في مجالات اخرى عدة منها في مجال الرياضة والسياسة والفن وغيرها الكثير.
وكانت للمرأة الفيلية اسهامات وتضحيات مشهودة في النضال السياسي في الخمسينات والستينات وتعرضت للتعذيب وفقدان رجالها واخوانها واولادها في السجون والاعدامات.. وأمّر ما مرت بها المرأة الفيلية في العراق من ويلات كانت على يد نظام صدام المقبور ،واشد العذابات واقساها على حياتها كانت تلك التي جرت في العام 1980 حيث جردت هي وعائلتها من عراقيتها وبدون وجه حق، وليزيدوا في مأساتها جردوها من اغلى واثمن شيء في حياتها ألا وهم فلذات كبدها وكذلك سلبوا منها كل ما تملك من مجوهرات واخذو منها الزوج والابن والاخ ليزجو بهم في السجون بلا ذنب اقترفوه، ومنهن من توفي في الحدود من فرط الاعياء والعطش والجوع او بانفجار الالغام تحت اقدامهن، واخريات فارقن الحياة في الغربة حسرة على اولادهن في سجون المقبور صدام منذ عقود ولم يتم العثور على اثر لهم حتى اليوم .. وكنموذج على المئات من جرائم صدام بحق المكون الكوردي الفيلي في مآسي التهجير، اعيد كتابة احداث بعض من تلك المحن والمعاناة التي كنت قد وثقتها من قرب ومن ضحاياها الحقيقين ممن تعرضوا الى التهجير والتشتيت في دول العالم والتغييب الجماعي لشبابهم وشاباتهم من اعمار مختلفة ولم يظهر الى حد اليوم اي اثر لآلاف منهم رغم زوال الطاغية وتشكيل نظام جديد من احزاب وجهات اتخذت من دم ودموع ضحايا صدام سلماً للهيمنة على السلطة دون ان تحقق لهم امل التعرف على مصير شهداءهم او اعادة حقوقهم المسلوبة.
فمن ضحايا تلك الجرائم، ام احمد زوجة الشهيد (شهاب) كانت سعيدة بطفلها الاول الذي لم يكن قد تجاوز اشهر قليلة من العمر حين اعتقلوا زوجها بظروف غامضة ثم رموها على الحدود الايرانية العراقية، ولكنها ابت على نفسها الا ان تحتفظ بوفائها لزوجها المغيب في سجون صدام حيث نذرت ان تربي ابنها احسن تربية على وعد وامل اللقاء بزوجها يوما ما واحمد الان عمره تجاوز الثلاثين ويترقب خبر العثور على رفاة والده الشهيد في المقابر الجماعية لشهدائنا التي لم يعثر عليها حتى اليوم بعد ان ضاع امله في لقاءه حياً.
ساهرة كانت في عام التهجير ابنة العشرين وزوجها طبيب اسمه محمود، ولهما بنتان اكبرهن كان عمرها سنتان ونصف، والاخرى في أشهرها الاولى، اخذوا الطبيب محمود وسجنوه مع الشباب اثناء جرائم التهجير وحتى اليوم لا أثر في القبور الجماعية.. الزوجة الصابرة عكفت على تربية بنتيها سمر وسروة واستطاعت بجهدها وجهادها وصبرها ان تصل بهن الى الجامعة في لندن وهن وردتان تفتحت من دون ان تعرفا عن ابيهن غير ما تسرده عليهن الام من ذكريات حلوة عن الاب المفقود في سجون صدام والى اليوم في ظل النظام الجديد لا أثر له في المقابر الجماعية.
ام رحمن.. كانت وكأنها ملاك في جسد امرأة عالية الخلق. طيبة المعشر، تقدمها في السن اضاف عليها هالة من نور، اخذوا ابنها جبار ورميت هي وبقية عائلتها على الحدود الايرانية. كانت تبكي وتصرخ وتقول، لماذا اخذوه مني. فهو عزيز قلبي، لم يقترف اي ذنب، كان جبار ولدها شاباً خلوقاً ومحبوباً، ضلت امه تتحسر عليه حتى ماتت وفي انفاسها الاخيرة كانت تنادي: ((اريد جبار، اريد جبار، اريد ان اراه)) وكان هذا آخر ما لفظته كلام وروحها يحمل هذا النداء الى باريها شاكية مثلها مثل الكثير من الامهات.
آمنة اسد ام لعدد كبير من الاولاد وابنة مصابة بشلل الاطفال وهي شقيقة اللاعبين الدوليين محمود وعبد الصمد اسد اللذين كانا خارج العراق يومذاك، والكاتب حسن اسد كان في خدمة الاحتياط في الجيش العراقي واللاعب الدكتور صاحب أسد كان يدرس في الاتحاد السوفيتي ، اخروجها والشقيق الاكبر محمد اسد وبناتهم واولادهم القاصرين وكذلك والدتها الكبيرة السن التي كانت بالصدفة تستحم ، وهي بثياب مبللة دون مروءة أو خجل واجبروهم على ركوب سيارة الامن دون ان يسمحوا لهم بنقل اي حاجة او غرض من البيت حتى وثائقهم الثبوتية والجوائز والمداليات والصور والرسائل والصحف التي كانت تحوي على التاريخ الرياضي للاعبين محمود اسد وصمد اسد، هذا من جانب ومن الجانب الاخر تم اخذ ثلاثة من اولاد آمنة والابن البكر لشقيقها محمد، وهم ولدها سمير يوسف دارا خان كان قد مضى عام واحد على مكلفية خدمته العسكرية بعد اكماله الثانوية وهو في العشرين من العمر.. نزار يوسف طالب مدرسة وعمره كان 16سنة، وشقيقهم كان أصغر طفل يحتز معهم لأنه رفض ترك اشقاءه وكان عمره 14 سنة وطالب مدرسة، اما انور محمد اسد فكان عمره 15 سنة وهو طالب ايضاَ.. وقد توفي والد هذا الاخير بالسكتة القلبية وتوفيت ام الشهداء والعمة آمنة اخيراً في السويد بعد ان يأست من رحمة وجحود رجالات الحكم الجديد في العراق دون استثناء..
ام حيدر فوزية صالح الامام.. التي رفضت بإباء وشهامة المرأة العراقية المخلصة لزوجها وعائلتها وهي ابنة السيد صالح الامام مالك تكية الصدرية وعم السيد هاشم المختار القديم لمنطقة باب الشيخ ان تبقى في العراق من دون زوجها المرحوم ناصر سوزان الكوردي الفيلي واولادها في جريمة التهجير الكبرى الى ايران على يد المقبور صدام في العام
صدر قرار من مجلس النواب العراقي في الأول من آب أغسطس من العام 2010 عد بموجبه عملية التهجير والتغييب القسري للفيليين جريمة إبادة جماعية. عيون الضحايا وذويهم يترقبون استرداد باقي حقوقهم القانونية والتعويضات المادية والمعنوية.