متابعة – التآخي
قطعت الملابس المستعملة شوطا طويلا منذ أن كانت تُباع في متجر خيري قديم، ليصل بها المطاف إلى يومنا هذا، وهي تنتشر بشكل واسع وتشق طريقها بقوة في الأسواق العالمية.
وأصبح شراء وبيع الملابس المستخدمة مسبقا أو “المحبوبة مسبقا” كما تدعى مؤخرا في السوق صناعة ضخمة، ويرجع ذلك جزئيا إلى الشركات عبر الإنترنت – أو الأسواق الإلكترونية – مثل ديبوب Depop وفينتد Vinted وإي باي eBay حيث يمكن للناس تجارة الملابس المستخدمة مسبقا.
ولكن هناك أدلة على أن بعض مصممي الأزياء يختارون شراء الملابس المستعملة فقط، ليس فقط لأسباب تتعلق بالقيمة والبيئة، ولكن لأنهم يريدون أسلوبا فريدا.
وقامت إيزابيلا فرانا، 26 عامًا، بعمل تجاري يخص الملابس المستعملة مسبقا، وهو من هوايتها التي بدأتها في ديبوب كطالبة قبل ثماني سنوات، حققت مبيعات بقيمة 800 ألف جنيه إسترليني والعمل ما يزال ينمو.
تقول “كنت أشتري الكثير لنفسي بشكل أساسي. لكنني كنت أحصل عليها جميعًا بأسعار جيدة حقًا لأن كل شيء كان مستعملا، فقررت البدء في بيع هذه القطع مقابل المال وأدركت أنني كنت أحقق ربحًا من كل قطعة”.
وفيما كان زملاؤها طلاب الجامعة يعملون في الحانات أو المطاعم في عطلة نهاية الأسبوع، كانت فرانا، بمساعدة والدتها في بعض الأحيان، تعبئ الملابس القديمة للعملاء وتذهب إلى مكتب البريد بين المحاضرات.
وبعد أن فشلت في الحصول على وظيفة كمشترية أزياء محترفة بسبب نقص الخبرة المهنية، قررت فرانا أن تأخذ زمام المبادرة وتنتقل إلى بيع الملابس المستعملة بدوام كامل، تعترف بأنها كانت خائفة “كنت أغرق بالأفكار. كنت أريد مديرا، وراتبا وإجازة عطلة وإجازة مرضية”؛ لكنها تقول “في الواقع، أنا سعيدة حقا لأنني أسست هذا المجال، لأنني أحب العمل لحسابي الخاص”.
توظف السيدة فرانا الآن ثلاثة أشخاص ولديها مستودع شحن فضلا عن استوديوين حيث يتم شحن الملابس وفرزها وتصويرها وإرسالها إلى العملاء الذين يصلون إلى نشاطها التجاري عن طريق ديبوب.
كما أنشأت مؤخرا نشاطا تجاريا للبيع بالجملة لبيع الملابس القديمة لشركات أخرى عبر الإنترنت بالإضافة إلى استضافة متاجر منبثقة في نيويورك ودبلن وكوبنهاغن، وعليها علامة إيزابيلا فرانا الخاصة بها.
تقول فرانا خلال ثماني سنوات من عملها في هذا المجال، إنها شهدت تغيرات هائلة في الطلب على الملابس المستعملة “لم يكن هذا شيئا طبيعيا عندما بدأت، لذلك رأيت بالتأكيد زيادة في عدد الأشخاص الذين يشترون السلع المستعملة لمحاولة أن تكون أكثر استدامة”، كما تقول.
فضلا عن جودة الملابس القديمة المصنوعة جيدا “هذه العناصر تدوم عقودا ويتم ارتداؤها أيضا. خذ بنطلون جينز عتيقًا – لديّ جينز عليه ملصقات من محلات التنظيف الجاف يعود للتسعينات ولا يزال صامدا،” كما تقول “أعتقد أن الناس يدركون أنك ربما تستثمر أكثر قليلا من التكلفة الأولية، لكنها بعد ذلك تؤتي ثمارها حقا على المدى الطويل”.
يقول آدم جاي ، الرئيس التنفيذي للسوق في تطبيق فينتد لإعادة بيع الملابس، إن النمو في الطلب على الملابس المستعملة كان “استثنائيا”.
وتضم فينتد الآن أكثر من ثمانية ملايين عضو مسجلا في المملكة المتحدة، ما يسجل ارتفاعا مقارنة مع 1.2 مليون عضو في عام 2021. ويرى آدم أن هناك أسباب واضحة تجعل الناس ينجذبون إلى الملابس المستعملة.
وقد يكون شراء الملابس والأحذية الجديدة مكلفا في وقت يعاني فيه الكثير من الناس من تكاليف المعيشة. وبلغ معدل ارتفاع أسعار الملابس والأحذية 6.5٪ في العام المنتهي في نيسان، بحسب مكتب الإحصاء الوطني.
وفي الوقت نفسه، فإن صناعة الأزياء مسؤولة عن توليد ما بين 8-10٪ من الانبعاثات العالمية، وفقا للأمم المتحدة، من زراعة القطن إلى استخدام الزيت لإنتاج مواد تركيبية مثل البوليستر؛ ولكن بالنسبة لمدوّنة الفيديوهات روزي أوكوتشا، التي تعمل في مجال الموضة والاستدامة، تقول “الموضة الكلاسيكية والمُعاد بيعها أصبحت رائعة الآن لأنها أسلوبي الشخصي، ولا يمكن لأي شخص آخر الحصول عليها”.
تنسب المدوّنة الفضل إلى تطبيقي تيك توك وإنستغرام في تغيير النظرة تجاه الملابس المستعملة، ولا سيما مع متسوقي الجيل زد – وهم الأشخاص الذين ولدوا بين عامي 1995 و2000.
وفقًا لـ ديبوب، فإن “Y2K” أو “موضة عام 2000” هي اتجاه شائع لدى مستخدميه: وهو يتضمن الدينيم الضخم والكروشيه الملون والقمصان القديمة. هناك أيضًا طلب على عناصر فريدة من نوعها، بالإضافة إلى الملابس المصنوعة يدويا أو المعاد تشكيلها من القطع الموجودة. ولكن في حين أن الإنترنت قد يغذي هذا الاتجاه، إلا أن هناك أزياء عتيقة يمكن العثور عليها في متجر هاي ستريت الخيري.
تقول السيدة أوكوتشا أن جزءًا من مهمتها هو محاولة “كسر وصمة العار بأن هناك شيئا خاطئا في التسوق من جهة ثانية لأنه حقا ممتع ورائع لكوكب الأرض”.
وبرغم أنه قد يظهر أمرا لا مفر منه أن تكون شعبية التطبيقات قد انتهى بها الأمر إلى إعادة توجيه التبرعات بالملابس بعيدا عن متجر هاي ستريت الخيري، إلا أن جمعية التجزئة الخيرية (CRA) تقول إن الأمر ليس كذلك.
وارتفعت مبيعات المحلات الخيرية بنسبة 15.1٪ بين كانون الثاني الى آذار ٢٠٢٣ مقارنة بالأشهر الثلاثة نفسها من العام الماضي. وتقول الجمعية “هناك الكثير من الملابس المستعملة، لذلك نرى نمو منصات البيع عبر الإنترنت مكملة لعمل المتاجر الخيرية”.
وتوافق السيدة فرانا على أن هناك متسعا كبيرا للمنافسة، وهي تخطط للاستمرار في المجال، تقول “هناك بالتأكيد أموال يجب جنيها”، وتضيف “يمكنك بالتأكيد دعم نفسك ماديا عن طريق القيام بهذا العمل بدوام كامل، وأنا ممتنة حقا له لأنه في بعض الأحيان لا أشعر حتى بأنه عمل لأنني أستمتع به كثيرا”.
وتقول “في غيلفيذر”، خبيرة الأزياء بمؤسسة “أوكسفام” الخيرية، إن الملابس المستعملة تُقدِّم حلا لمشكلة الاستهلاك المفرط. وتنصح أيضا بالحد من غسل الملابس، لخفض انبعاثات الكربون الناتجة عن الملابس والحد من استهلاك المياه وخفض كمية الألياف الدقيقة التي تتسرب إلى أنظمة المياه.
وتضيف: إذا شعرت أنك لم تعد تحتاج لبعض الملابس، فمن الأفضل أن تعطيها لأصدقائك أو ترسلها إلى المؤسسات الخيرية، لكن لا تحاول إخلاء مساحة في خزانة ملابسك لشراء ملابس جديدة؛ أما إذا كانت ملابسك مهترئة إلى حد أنها تستعصى على الإصلاح، فإن أفضل طريقة للتخلص منها تتمثل في إعادة تدويرها، إذ تعيد الآن بعض المصانع تدوير الأقمشة القطنية والمصنوعة من البوليستر وتحولها إلى ملابس أو أقمشة جديدة. وتشتري الآن بيوت الأزياء الكبرى الأقمشة المعاد تدويرها لتستخدمها في تصنيع أزيائها.
وقد يتطلب الحد من الأثر البيئي للأزياء إحداث الكثير من التغييرات على مستوى الشركات والصناع والمستهلكين. وبحسب غيلفيذر، فإن القرارات الواعية التي نتخذها كمستهلكين قد تسهم في الحفاظ على البيئة، ليس هذا فحسب، بل إيضا في تغيير قطاع الأزياء برمته.