توقعات بارتفاع الوفيات بسببه … ما مدى استعدادات الشرق الأوسط لمواجهة الطقس الحار؟

 

متابعة – التآخي

تشير دراسة  مجلة “ذا لانسيت” الدورية و هي مجلة طبية عامة أسبوعية تعد من أقدم وأشهر المجلات الدورية الطبية في العالم، إلى ان توقعات الخبراء تحذر من أن منطقة الشرق الشرق الأوسط ستشهد ارتفاعا في الوفيات المرتبطة بالحرارة في ظل تزايد تكرار موجات الحر الشديدة، وهو ما أثار تساؤلات حيال مدى استعداد بلدان هذه المنطقة لدرجات حرارة قد تلامس الخمسين.

 وقالت خلود العامري، مؤسسة شبكة مقرها بغداد للصحفيات من أجل المناخ، إنه عندما تتجاوز درجات الحرارة عتبة الخمسين درجة في العراق، فإن الموظفين يحصلون على إجازة حيث يُطلب منهم البقاء في المنازل.

وفي مقابلة صحفية، أضافت “نحصل في العادة على معلومات بشأن  الطقس الحار  من القنوات العراقية أو المعلومات المنشورة على صفحات الفيسبوك حيال ضرورة عدم الذهاب إلى العمل وبقاء الفئات الأضعف مثل كبار السن في داخل المنازل وأيضا وضع أوعية مليئة بالماء تحت الأشجار لكي تشرب الطيور والحيوانات”.

وتؤكد الصحفية العراقية أن كثيرا من العراقيين يشعرون في الغالب بأنهم يواجهون هذا  الطقس الحار  بمفردهم من دون دعم من الحكومة، مضيفة “يتعلم الناس أن يتعايشوا ويتكيفوا مع الطقس الحار طوال الوقت بما ذلك الاستعداد الجيد بمراوح وأجهزة تكييف وحتى إغلاق الطابق العلوي في منازلهم في الصيف القائظ”، فيما يشير سكان إلى أن كثيرا من المناطق تكون كمية الكهرباء التي تزود بها البيوت غير كافية لتشغيل أجهزة التكييف ما يضاعف من معاناة الحر.

 

 

وأضافت العامري “يسعى العراقيون إلى حل مشكلة الطقس الحار بأنفسهم لأنهم لا يثقون في أن الحكومة سوف تساعدهم”، بحسب تعبيرها، فيما يتوقع أن تلامس درجات الحرارة في بعض بلدان الشرق الأوسط الخمسين درجة مئوية.

وأشارت دراسة  مجلة “ذا لانسيت”،  إلى أن الوفيات من جراء الطقس الحار في المنطقة سوف ترتفع من حالتي وفاة لكل مئة ألف نسمة في الوقت الحالي إلى نحو  123 لكل 100 ألف نسمة خلال آخر عقدين من القرن الحالى ما يعني أنه بحلول عام 2100، فإنه من المحتمل أن يموت نحو  138 ألف شخص من جراء الطقس الحار سنويا في العراق.

ونوهت الدراسة، إلى أن تأثير الطقس الحار  على سكان المنطقة سيكون مرتبطا بالتركيبة والتغيرات السكانية، مضيفة أنه بحلول خمسينات القرن الحالي فمن المتوقع أن يعيش 70٪ من السكان في المدن الكبرى فيما سيفوق كبار السن تعداد سكان المنطقة من الشباب بحلول عام 2100.

وفي السياق ذاته، قالت دراسة نشرتها “كلية لندن للصحة والطب الاستوائي” ومعهد قبرص إن “التقدم في العمر والكثافة السكانية الكبيرة سيكونان من بين العوامل الرئيسة وراء انتشار الأمراض والوفيات جراء الطقس الحار”.

ويعود ذلك إلى أن كبار السن هم أكثر الفئات الأكثر عرضة فيما ترتفع درجات الحرارة في المدن الكبرى جراء ظاهرة تُعرف بـ “الجزر الحرارية الحضرية” التي تشير إلى ارتفاع درجات الحرارة في المدن الضخمة بسبب المباني الأكثر كثافة سكانية والطرق الإسفلتية التي تمتص الحرارة مع نقص الأشجار حيث يمكن أن يكون معدل درجات الحرارة في المدن مرتفعا ما بين درجتين و تسع درجات عن المناطق الريفية خارج المدن.

وفي مقابلة، قالت إليني ميرفيلي، كبير مسؤولي الطقس الحار في برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، إنه في الغالب “يتم التقليل من شأن موجات الحر القاسية أو تجاهلها، لذا تحتاج الحكومات إلى مسار عمل واضح لزيادة الوعي والاستعداد بشكل جيد للطقس الحار”.

من جانبها تقول منظمة هيومن رايتس ووتش إن العمالة الوافدة في الخليج معرضون بشكل خاص لخطر الطقس شديد الحرارة،  ويقول خبراء إن التخطيط والاستعداد للطقس الحار من بين العوامل التي قد تقلل من تداعيات  ارتفاع درجات الحرارة على سكان المنطقة مثل إنشاء الحكومات “مراكز تبريد” في الأماكن العامة يمكن أن يلجأ إليها السكان في حالة ارتفاع درجات الحرارة وأيضا تدشين حملات توعية للوقاية من الطقس الحار مثل ضرورة شرب المياه بمعدلات كثيرة.

 

 

 

وبحسب الخبراء فإنه برغم أن العديد من الدول الأوروبية أقدمت على خطط لمواجهة الطقس الحار، إلا أن بلدان الشرق الأوسط تظهر مختلفة عن الحرب رغم تزايد الخطر التي تواجه.

وقد ذكر مؤلفو كتاب صدر عام 2021 بعنوان “قوانين وسياسات تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” أنه برغم أن معظم بلدان الشرق الأوسط قد سنت قوانين ترمي إلى تعزيز التنمية المستدامة وحماية البيئة، إلا أن العديد منها “ما زالت تفتقر إلى رؤية واضحة فيما يتعلق بكيفية معالجة الآثار طويلة المدى لتغير المناخ على الصحة العامة”.

وأضاف مؤلفو الكتاب أن سياسات التخفيف والتكيف مع الطقس الحار  عديدة، لكن “الخلافات السياسية والكوارث الإنسانية لا تُعطي الأولوية لمواجهة قضايا تغير المناخ”.

وقال الباحثون إن هناك تباينا كبيرا حيال قدرة الدول الغنية في المنطقة على التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة فعلى سبيل المثال فإن انتشار أجهزة التكييف تعد مثالا جليا حيال الوسائل التي توفرها دول الخليج لحماية شعوبها من خطر الطقس الحار، لكن هذا الحل غير قابل للتطبيق في الدول الفقيرة نظرا لضعف القدرات المالية.

كذلك تؤدي دراسات التنبؤ  بموجات الطقس الحار  دورا في خطط الدول في مواجهة درجات الحرارة المرتفعة فيما تعد اليمن المثال الصارخ إذ ذكر تقرير صدر عن برنامج الغذاء العالمي العام الماضي أن “أنظمة مراقبة الطقس ومنظومة الحماية الاجتماعية قد تأثرت بشدة جراء النزاع حيث في بعض الحالات توقفت مثل هذه الخدمات”.

وفي سياق متصل، قالت سيلفيا بيرغ، أستاذة إدارة التنمية والحوكمة في جامعة إيراسموس روتردام بهولندا، إن سكان المنطقة اعتادوا منذ فترات ماضية على العيش مع درجات الحرارة المرتفعة حيث قاموا بتطوير   طرق للتكيف  مع موجات الطقس الحار.

وفي مقابلة مع القناة الألمانية، أضافت أن تقرير نشره العام الماضي مشروع أبحاث السياسة العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ذكر أن “الوسائل التقليدية التي حافظ عليها سكان الشرق الأوسط منذ قرون للتعامل مع ندرة المياه والمناخ الحار تعد ركيزة هامة لتعزيز المعرفة”.

وأشارت في هذا الصدد إلى ما يُعرف بـ “مسرب الريح أو ملقط الهواء” وهي عبارة عن برج طويل يوجد به فتحات في كل جانب من أجل التقاط موجات النسيم من أي اتجاه بهدف تلطيف الطقس على السكان الذين يعيشون أسفل البرج.

بدورها، قالت إليني ميرفيلي انه يتعين على الدول الأوروبية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، مضيفة “أعتقد أن هذا الأمر يعد ذات مغزى خاصة إذا حاولنا التعلم من تجارب دول الجنوب العالمي بدلا من الإصرار على إعطاء الدروس إذ أن هناك أنماطا تعود لقرون يمكن أن نستفيد منها في الوقت الراهن للتكيف مع الظروف المناخية الحالية”.

وأضافت “هناك ثلاثة تدابير رئيسة يمكن أن تقدم عليها المدن للاستجابة للطقس الحار  تتمثل في رفع الوعي وزيادة الجاهزية وإعادة تصميم البيئة العمرانية”.

وفي بغداد، قالت الصحفية خلود العامري إنه يتعين الشروع في تنفيذ بعض المقترحات مثل زيادة عدد  عيادات الطوارئ  التي يمكن أن يلجأ السكان إليها في حالة امتلاء المستشفيات بالمرضى خلال الطقس الحار أو وقوع عواصف رملية.

وأضافت “نحتاج أيضا إلى إتاحة معلومات أفضل بشأن الطقس القاسي حتى نتمكن من الاستعداد بشكل أفضل إذ في الوقت الحالي فإن التنبؤ بالطقس يكون قبل يوم واحد. كذلك نحن في حاجة إلى زراعة المزيد من الأشجار لتعزيز الغطاء الأخضر”.

واردفت إن مدينة كربلاء تعد الوحيدة في العراق التي تشهد إنشاء أحزمة خضراء حولها فيما يتم ذلك من خلال أوامر تصدر من السلطات المحلية بمساعدة رجال الدين.

وقالت دراسة مجلة “ذا لانسيت” أنه يمكن تفادي وقوع أكثر من 80٪ من الوفيات المرتبطة بالطقس الحار  في  الشرق الأوسط  في حالة الإبقاء على الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي.

 

قد يعجبك ايضا