التآخي – ناهي العامري
أقام منتدى بيتنا الثقافي محاضرة للدكتور عدنان المسعودي بعنوان (فالح عبد الجبار.. قراءة فلسفية).
بدأ المسعودي بعرض سيرة المفكر فالح عبد الجبار، وقال: فالح أحد العلماء في علم الاجتماع على مستوى العراق والعالم العربي، خريج المدرسة الماركسية، ولكنه ايضا اطلع على الاساسيات الاكاديمية للبحث العلمي في لندن، للحصول على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع ، فضلًا عن تاريخه النضالي، فقد عمل في صفوف الانصار (بيشمرگة) الحزب الشيوعي العراقي، في كوردستان العراق، ضد النظام الدكتاتوري البائد، ثم انتقل بعد ذلك الى لبنان، حيث عمل في صفوف المقاومة الفلسطينية، ثم انخرط فى مهمات علمية، وقام بترجمة رأس المال الى اللغة الانكليزية لكارل ماركس، ترجمة علمية دقيقة، ويكفيه فخرا انه اطلع بمهمة ترجمة هذا الكتاب العلمي الرصين، ثم نلاحظ ان فالح عبد الجبار متابع دقيق للقضايا السياسية التي مرّ بها عالمنا العربي والاسلامي، ولم يتقيد بمنهجيته العلمية بمنهج واحد، فقد استعان ببعض المنهجيات العلمية الوضعية والسيكولوجية أو النفسية.
ثم عرج المسعودي الى رأي فالح عبد الجبار بالعملية السياسية ما بعد ٢٠٠٣ وتقييمه لها، قال: فالح عبد الجبار استطاع ان يتنبأ بمآل العملية السياسية في العراق ، وتوقع حتمية انهيارها، بسبب طبيعة الاحزاب الاسلامية التي تنطوي على جوهر استبدادي، وتؤمن بعقيدة العنف، ولكنه أضاف انه ممكن لهذه السلطة ان تستمر لسنوات أخرى غير معلومة، لكن ذلك لا يعني عدم سقوطها، بفعل جرعات الاصلاح السياسي التي تتلقاها بين آونة وآخرى.
بعد ذلك عكف المسعودي على اجراء مقارنة بين فالح عبد الجبار والمفكر على الوردي، ومن هذه الفوارق هي: ان فالح متسلح بمنهجية علمية رصينة تجعل من البنية الفكرية تابعة للبنية المادية، في حين علي الوردي يسبح في فضاءات الافكار دون ان يتعمق في البنية المادية، كما ان فالح عالم اكاديمي وليس باحث، فالبحث له حرية التصرف ، أما العلم فهو يتقيد في النظريات العلمية.
ويعد فالح أول من كسر قاعدة الصراع الطبقي واحالها الى الصراع الطائفي، وتفسيره لهذا التحول، هو ان النخب السياسية في العراق ما بعد ٢٠٠٣، قامت بالالتفاف على الصراع الطبقي وتحويله الى صراع طائفي، مثلما حول القوميون الشوفينيون الصراع الطبقي الى صراع قومي.
وعن مفهوم الاسلام السياسي عند فالح عبد الجبار اضاف المسعودي قائلا:
الاسلام السياسي في فكر عبد الجبار معادي للدولة المدنية، حيث انها فكرة تتناقض قولا وفعلا ، مظهرا ومضمونا مع مفهوم الحضارة، والديمقراطية التي تستخدمها احزاب الاسلام السياسي ما هي الا وسيلة للوصول للسلطة ، هي فكرة براغماتية، حيث تظهر بادئ الامر بمظهرات الدولة المدنية ء لكنها تنطوي على فساد كبير، حيث تتبع طريق الدوائر المغلقة ولا أمل لتغيرها.
وانتهى المسعودي بخلاصة محاضرته، هي ان ترابط العلل وتماسك الاسباب احدى السمات الاساسية الملازمة لطبيعة البحث العلمي السائد في اطاريح ودراسات عالم الاجتماع فالح عبد الجبار ، ومن بين تلك النتائج التركيبية التي انتهى اليها، فكرته الحركية المتمثلة بكساد سوق المعرفة بمجتمعنا العربي المعاصر، ذلك بفعل تغير وظيفة الجامعة، التي هي مصنع الافكار، من مؤسسة منتجة للأفكار الى مؤسسة اتكالية تخضع لسيطرة الدولة، وتعتاش على الدعم الحكومي، هذا جعل من الاستاذ الجامعي مجرد موظف حكومي يتقاضى راتبا شهريا منتظما، وكان من نتائج ذلك فقدان الحافز الابداعي، وخسارة القدرة على معارضة سياسات الدولة الحاكمة، هذا ما يسميه فالح عبد الجبار (عبودية الراتب)، حيث ان وظيفة الاكاديمي أو المفكر تتصير الى مجرد مهنة إدائية منوطة بطقوسيات وظيفة رسمية.