هل کان هذا الكتاب مهماً؟

شیان مهدي كانیساركي

عام 1938 نشر الباحث المستشرق آرثر جیفري عمله “معجم الالفاظ الغریبة في القرآن” وهو عمل له طبع في المعهد الشرقي في بارودا،(الهند) وفي العام ذاته انتقل من القاهرة ٳلی منصب في مدرسة اللاهوت الاتحادية وجامعة كولومبیا و هناك ترٲس قسم لغات الشرق الٲوسط. هنالك كثیر من الكلمات الغريبة”لیست عربیة” موجودة في القرآن و هذا الكتاب یتحدث عن ( 332) مفردة، بالانتقال الان ٳلی مسٲلة اللغات التي جاءت منها هذه الكلمات المقترضة، نجد ان “السیوطي” الذي یعتبر تصنیفه هو التصنیف الٲكثر اكتمالا الذي وصل الینا، یقسمها في “المتوكلي”ٳلی الفئات التالية: ( كلمات مستعارة من الاثيوبية، الفارسية، الیونانية، الهندية، السریانية، العبریة، النبطية، القبطیة، التركية، الزنجية، البربرية ) و كان الرسول محمد “ص” ذاته علی اتصال شخصي بٲناس كانوا یتكلمون بلسان الحبشة ٳنما نحن نعلم ان حاضنته الٲول كانت امرٲة حبشية، هي ٲم ٲیمن و ٲول رجل اختاره كٲول مؤذن في الاسلام كان بلال الحبشي. كانت الاتصالات بین شبه الجزیرة العربية و ٳمبراطورية فارس الساسانية وثیقة للغاية في الفترة التي سبقت الاسلام، و كانت مركزا رئیسيا لنشر الثقافة الٳیرانية بین العرب.

في وقت مبكر من تاریخ الاسلام واجه المسلمون ٲنفسهم مشكلة محیرة بالنسبة لهذه الكلمات الٲجنبية. الان انتم تستطیعون ان تبحثوا عن هذه الكلمات بٲنفسكم وتتٲكدون منها، ومن بين أبرز من اهتمّ بهذا المجال ودرسه عبد الرحمن جلال الدين السيوطي (ت911هـ) الذي ناقش هذا الموضوع في ثلاثة من كتبه وخصّ له رسالتين بحث فيها آراء العلماء السابقين حوله. أمّا بداية الدراسات الاستشراقيّة حول هذا الموضوع فتعود إلى القرن التاسع عشر الميلادي؛ فمن أوائل المستشرقين الذين تناولوه المستشرق ألوييز سبرنجر (Aloys Sprenger)، والمستشرق الألماني سيغموند فرانكيل (Siegmund Fraenkel) الذي ألّف كتابًا بعنوان: «الكلمات الأجنبيّة في القرآن»، ورودولف دووراك (Rudolf Dvorak) الذي صنّف كتابًا حول الكلمات الفارسيّة المستعملة في القرآن، وثيودور نولدكيه (Theodor Noldeke) الذي صنّف كتابه المعروف «تاريخ القرآن» وناقش فيه وفي كتاباته الأخرى هذا الموضوع. واستمرّت عناية المستشرقين بهذا الموضوع؛ حتى جاء الباحث المستشرق آرثر جيفيري (Arthur Jeffery) الذي ألّف كتابًا بعنوان (the Foreign Vocabulary of the qur’an ). ويؤكّد الباحث على أنّ المسلمين القُدامى لم يكونوا على درايةٍ باللّغات الأجنبيّة، وكانوا يتقنون لغتهم الأم؛ لذلك ففهمهم لبعض المصطلحات له قيمة عالية. ويجب كذلك مراجعة القائمة التي وضعها جوزيف هورويتز (Joseph Horowitz) الذي يجمع الكلمات المستعارة من اليهوديّة في القرآن الكريم، بما في ذلك أسماء العلم؛ حيث يدرج هورويتز المصطلحات التي ذكرها أسلافه، ويضيف بعض الكلمات المستعارة التي اكتشفها بنفسه، فلائحته تضمّ سبع وخمسين كلمة مستعارة، والتي لم يرد جلّها في دراسة جيفيري. كما هناك دراسة أخرى تستحقّ الدّراسة، والأمر يتعلّق ب»المسيحيّة في الإسلام Christliches in Qoran» (1930) لكارل أهرينس (Karl Ahrens) التي استفاض فيها عن الاقتراض من المسيحية.

والمعروف عن آرثر جيفيري أنّه كان كثير الطّعن في كتاب الله سبحانه وتعالى، وذلك واضح في تحقيقه لكتاب «المصاحف» لابن أبي داود السجستاني الذي اعتمد فيه على جمع الروايات التي يسعى من خلالها التشكيك في النّصّ القرآني معتمدًا في ذلك أسلوبي التمويه والإطالة في موضوعاته. فغالبيّة آرائه عن الدين مبنيّة على وجهة نظره الذاتية وخلفيّته الإيديولوجيّة، ناهيك عن افتقاره إلى المقاربة العلميّة، وقد تبيّن ذلك من خلال تسرّعه في اتّخاذ الأحكام أو غياب الأدلّة والبراهين التي يبني عليها هذه الأحكام. وعليه فالدّعوة متجدّدة لضرورة التّعامل مع قائمة جفري للكلمات المستعارة بحذر شديد بالرغم من اعتبار عمله مصدرًا مهمًّا للباحثين في الاستعارة المعجميّة في القرآن الكريم.

امثلة من الكتاب:

٭ كلمة جلاء (الخروج) ğalā الواردة في قوله تعالى: (وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ) (سورة الحشر، الآية3)، والتي يبدو أنّها استعارة من gōlā العبريّة –gālūt- وهو مفهوم خاصّ باليهوديّة، كما أنّ الكلمة وردت في القرآن الكريم في سياقٍ يهوديٍّ؛ حول طرد قبيلة بني النضير اليهودية وخروجها من المدينة.

*ٳبراهيم: تطلق دائما علی الٲب التوراتي، وفي نهاية المطاف هي كلمة عبرانیة جاءت من ” ٲبرهم- אַבְרָהָם” وٲقر هذا الشيء علماء کـ “السیوطي، المزهر، 138:1 ،والجوالیقي، 88 ،النووي 127،

*ٲحبار: كان المفسرون یعرفون ان هذه الكلمة عبارة عن لقب تقني یهودي كان یستخدم مثالا علی استعمالها كعب الاحبار، یهودي شهیر اعتنق الاسلام، الكلمة مشتقة من חכם (حبر ) التي تعني معلما حیث نجده مستخدما عموما في الكتابات الحاخامیة كلقب تشریفي. ورد في مشناهـ ” مثلما كان هارون حبرا كذالك كان اولاده احبار” כמו שאהרון היה נביא, ילדיו היו דיו “.

٭كلمات أجنبيّة تمامًا؛ ومثال ذلك: «زنجبيل»، و«نمارق»، و«فردوس»، و«جبت»؛ التي يرى جفري أنّها لا تتوفّر على جذر في اللّغة العربيّة، بينما يبدو، حسب كاثرين، أنّها مقترضةٌ من الإثيوبية، إضافة إلى كلمة «استبرق» التي تعني (الديباج والملابس الحريرية)، والتي ترى كاترين أنّها فارسية.

المصادر:
٭أبو المنصور موهوب بن أحمد بن محمد الجواليقي: المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، ط 1، دمشق، دار القلم، 1990، ص102.

٭عبد الرحمان جلال الدين السيوطي: المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب، تحقيق: التهامي الراجي الهاشمي، لا ط، المحمدية، اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي، مطبعة فضالة، ص 61.

٭السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، م.س، ص 938؛ المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب، م.س، ص 63.

*كتاب: معجم الٲلفاظ الغريبة في القرآن
تٲليف: آرثر جیفري
ترجمة و تفسیر و تحقیق: نبیل فياض

*موقع: مجلة دراسات استشراقية.
*Arthur jeffery, the foreign vocabulary of the qur’an.
*Catherine Pennacchio, «Lexical Borrowing in the qur’an, the problematic Aspects of Arthur Jeffery’s list», bulletin du centre de recherche français à Jérusalem. (En ligne), Consulté le 20 février 2020.

قد يعجبك ايضا