ضابط في النظام السابق لرووداو: مديرية أمن كركوك كانت معنية بالدرجة الأولى بتعريبها

 

 

مقابلة رووداو مع صباح الحمداني

 

أكد الضابط في مديرية الأمن العامة في النظام السابق، صباح الحمداني، أن مديرية أمن كركوك كانت معنية بالدرجة الأولى في مسألة التعريب.

 

وقال صباح الحمداني في مقابلة ضمن برنامج (پەنجەمۆر = بصمة) على شاشة شبكة رووداو الإعلامية، إن النظام السابق صادر كافة الأراضي من ديبكة، حيث سقطت طائرة وزير الدفاع (عدنان خير الله)، وصولاً للزاب والدبس شرقاً، والتي تقع ضمن المنطقة المطرية وصالحة لزراعة الحنطة والشعير، من أصحابها الكورد، ومنحها إلى وافدين من عشيرة الشمر.

 

أدناه نص مقابلة شبكة رووداو الإعلامية مع صباح الحمداني:

 

رووداو: خضنا فيما سبق في مجموعة مواضيع مهمة لها علاقة بالمرجعية وبالنجف، وهنا نريد التركيز بصورة أكبر على موضوع كركوك والوقوف عليه. متى تم نقلك إلى كركوك ولماذا تم نقلك؟

 

صباح الحمداني: نهاية عام 1986 صدر أمر نقلي من مديرية أمن النجف إلى أمن كركوك، والتحقت وعيّنت ضابطاً في الشعبة الخامسة المعنية بالنشاط الرجعي في المحافظة.

 

رووداو: هل كنت تعمل هناك في شعبة خاصة؟

 

صباح الحمداني: الشعبة الخامسة هي شعبة خاصة بمتابعة النشاط الرجعي، يعني الأحزاب الدينية بشكل عام.

 

رووداو: ماذا كانت السياسة العامة لجهاز الأمن بشكل عام، وخصوصاً تجاه الكورد في كركوك؟

 

صباح الحمداني: مديرية الأمن كانت معنية بالدرجة الأولى في مسألة التعريب، تعريب المحافظة كي نبعد الكورد عن تحقيق أهدافهم فيها. هذا هو النشاط الأول للمديرية، وهكذا كنت أفهم العمل، ولهذا سمعت، واطلعت على الكثير من التعليمات والقرارات التي تعنى بالحد من وجود الكورد في كركوك.

 

رووداو: سنعود إلى هذا الموضوع بالتفصيل فيما سيأتي، لكنني أريد الآن أن أسمع منك ولو باختصار، إلى متى يعود تاريخ التعريب في أطراف كركوك؟ فمثلما يؤكد كثير من المصادر، كان عدد العرب مقارنة بالتركمان والكورد قليلاً جداً حتى ستينيات القرن الماضي.. فمتى بدأ التعريب في كركوك؟

 

صباح الحمداني: حقيقة لكوني لم أعمل في مديرية أمن كركوك إلا في أواسط الثمانينيات، فلا أعرف بالضبط متى بدأ تنفيذ سياسة التعريب، وعندما ذهبت إلى هناك كانت قائمة بالفعل، وبإمكاني أن أتحدث عما كان يدور في الفترة التي لدي اطلاع بشأنها.

 

رووداو: صحيح، لكن على حد علمي كان واحد من أصهارك هناك، وعائلة شقيقتك انتقلت إلى كركوك في إطار حملة التعريب. ألم تسمع شيئاً عن الموضوع من صهرك ذاك؟

 

صباح الحمداني: أحسنت. إذا تحدثنا عن التعريب، سنبدأ بمن نعرفهم، وبما قمنا به نحن. استقروا في بادئ الأمر في سليمان بك. لقد استقدموا عشيرة الشمّر لتستقر في سليمان بك.

 

رووداو: في أي سنة؟

 

صباح الحمداني: في السبعينيات، لكن لا أتذكر في أي سنة. ثم انتقلوا إلى منطقة ديبكة، سربشاخ..هذ المناطق التي كان فيها في الستينيات الشيخ حوّاس صديد، وهو أيضاً من أقارب شيخنا، لكنه من أهالي العيث في سامراء. في مرة أخرى نقلوا شمّر الجربا إلى المنطقة وصادروا الأراضي وتم تهجير الكورد، وكافة الأراضي من ديبكة، حيث سقطت طائرة وزير الدفاع، شرقاً وصولاً للزاب والدبس، هذه المناطق والأراضي الواسعة والجميلة التي تقع ضمن المنطقة المطرية وصالحة لزراعة الحنطة والشعير بالدرجة الأولى، تم مصادرتها كلها من الكورد وسُلّمت لهؤلاء بشكل رسمي ومعها سند الملكية الزراعي. وبالفعل أخذت عشيرة كبيرة جداً هذه الأراضي، وهذه هي سياسة التعريب.. تهجير الناس إلى حد قتلهم. هذا ما جرى. عندما تأخذ من إنسان ماله وممتلكاته وتجرّده منها، يكون هذا المال قد ضاع منهم، وسلّم لآخرين. شخصياً كنت أسافر إلى تلك المناطق وصولاً إلى بلكانة وسربشاخ، وأزور بيت اختي في منطقة ديبكة. منطقة مغتصبة. كانت تحدث مشاكل فيما بينهم، والعشيرة واجهت مشاكل مع مسلحين، لكنها ضربتهم ضربة قوية، واستخدمت اسلوباً إجرامياً.

 

رووداو: من هم الذين تقصدهم بأولئك المسلحين؟

 

صباح الحمداني: يقال إنهم من الاتحاد الوطني الكوردستاني، لكنهم مسلحون كانوا يتواجدون في قاطع يمتد من مخمور إلى أربيل. العشيرة تعرضت لعدة عمليات، من ضمنها خطف رعاة منها، فردت بهجوم على القرى الكوردية الممتدة عبر المنطقة، وهي قرى لا تزال موجودة، وخطفت أيضاً من أبنائها الرعاة واحتجزتهم. وكأننا لم نكن في دولة، عصابات تخطف وتسرق، والدولة دعمت وكرّمت العشيرة لقيامها بهذا العمل ضد الكورد، حتى يطلقوا سراح الرعاة من البدو، وفعلاً أطلقوا سراحهم خوفاً على الرعاة الذين خطفوا إلى بلكانة في حينها. كنت مطلعاً على تلك الأحداث، والحادث الذي جرى عبر السلسلة الثانية (من الجبال) عندما جلبوا شمّر الطوقة من الجنوب وأسكنوهم قريباً من التون كوبري، وكانت السلسلة (الجبلية) التي يمتد عبرها الخط النفطي، هي الفاصل، ووجود العشيرة كان لحماية الخط النفطي الذي ينقل النفط إلى جيهان (ميناء جيهان التركي)، وبات شمر الطوقة على الجانب الأيمن من الخط قرب آلتون كوبري، وعلى يساره شمر الجربا، وهذا تعريب واضح جداً أدى إلى ما نتكلم عنه اليوم.

 

رووداو: لو تركنا الجانب السياسي لعملية التعريب التي كانت الدولة تقف وراءها، ماذا عن الجانب الإنساني؟ فتلك القبائل العربية التي هي مسلمة وتلتزم بمجموعة مبادئ وقيم خاصة بهم، كيف رضيت بأن تسكن في أملاك الآخرين وتحتلها؟

 

صباح الحمداني: واضح جداً أن هذه الأراضي مغتصبة من الناحية الدينية، ولا يجوز لك أن تتصرف بها وأنت تعرف بأنها مغتصبة. عندما اغتصبنا الكويت، رفض كثير من العراقيين شراء مواد تم جلبها من هناك، لأنه مال مغتصب، فكان يفترض بتلك العشيرة، وهم من أقربائي أن يفعلوا الأمر ذاته. قد علمت بعد 2003 أن الكورد لم يتمكنوا من استعادة هذه الأراضي. تصور أن عائلة اختي أعادت أراضي الكورد مقابل تعويض بلغ 5 مليارات دينار، ثمناً ليس من حقهم أخذه، لكنهم أخذوه ويسرحون ويمرحون به حالياً. هذا هو تدمير المظلوم وإعانة الظالم على ظلمه، وعدا عن ذلك كانوا مدعومين في كل شيء، يمنحونهم السيارات والأسلحة ومساعدات من المصرف الزراعي، ومع أن المنطقة تتبع أصلاً مخمور وأربيل، لكنها كانت محسوبة زراعياً على كركوك، كي لا تحسب في كل الأحوال على أنها ضمن أراضي أربيل أو مخمور، لتضاف نسمتها إلى نسمة كركوك ضمن التعريب.

 

رووداو: هذا يعني أنهم إلى جانب الاستيلاء على الأراضي كانوا يتمتعون بامتيازات أخرى إضافية؟

 

صباح الحمداني: نعم. الوافدون لم يحصوا على الـ 10 الآف، بل حصلوا فقط على الأراضي الزراعية وعلى دعم مستمر وسيارات وتقنيات زراعية والحبوب.

 

رووداو: ماذا تعرف عن تفاصيل تلك العملية المنظمة التي نفذتها الدولة العراقية لتغيير ديموغرافيا كركوك؟

 

صباح الحمداني: في الحقيقة كنت أزور لجنة التعريب لعدة أشهر، حيث هناك لجنة في المحافظة للتعريب يحضرها مدير الشؤون الداخلية في المحافظة، وكنت أحضر معه، لكن ليس باستمرار، إنما مرة في الشهر، لنسمع ما يدور فقط. ما أتذكره جيداً هو أن موضوع النفوس كان يشكل النقطة الأولى، وكانت غالبية سكان كركوك كمدينة، هم التركمان، وفيهم آخرون من الكورد والعرب، وفي المناطق الخارجية القريبة من السليمانية والمتاخمة لأربيل وداقوق كانت الأكثرية كوردية، حسبما كنت أقرا، وكنا نسعى حسب تعليمات المحافظة والحزب التقليل من وجود الكورد، وكان جنوب وغرب كركوك ذات أغلبية عربية، حيث القرى كانت عربية. ولتغيير ديموغرافية مدينة كركوك، صدرت تعليمات حول التسجيل العقاري، وهذا الأمر لوحده يوضح لك ما كان يدور ضمن عملية التعريب. وبموجب التعليمات، كان يجوز للكوردي أن يبيع بيته للعربي والتركماني ولكوردي، ويجوز للعربي أن يشتري من الكوردي والتركماني والعربي، والتركماني لا يجوز له أن يبيع إلا لعربي فقط، ولم يكن من حقه أن يبيع لتركماني أو كوردي، ولو نظرت إلى هذه العملية بشكل جيد، ستعرف مدى الظلم. كان بيت المواطن رخيصاً، لأنه لا يجوز للكوردي والتركماني شراءه، بينما بيت الكوردي يشترى بسرعة، لأننا كنا نريد تعريب المدينة، ونريد للكوردي أن يبيع بيته بأسرع وقت.

 

رووداو: أي أن الكورد لم يكون مسموحاً لهم بشراء شيء وكان مسموحاً لهم البيع فقط؟

 

صباح الحمداني: فقط يبيعون أو يشترون من كوردي أيضاً. كان ذلك مسموحاً لهم. تلك كانت التعليمات، ورغم بساطتها وسخافتها، نحن من كان يقوم بتنفيذها. عندما كان يأتي البائع والمشتري، كانت الأويات ترسل إلى مديرية الأمن التي تدقق قوميتيهما، وفي حال كان البائع عربياً والمشتري كوردياً، كان عدم الموافقة يصدر فوراً، أي أن الموافقة على البيع والشراء كانت مناطة بمديرية الأمن، وكان وضعاً لا إنسانياً وخطير جداً ويبيّن ما الذي كان يدور في تلك الفترة.

 

رووداو: هذا يعني أن أمن كركوك كان يشرف بطريقة من الطرق على عملية التعريب؟

 

صباح الحمداني: طبعاً. كنا جهة تنفيذية. وكان الترحيل بانتظار الكوردي الذي كان يتسبب بمشكلة، أو حتى يتهم بها، حيث المتهم في العراق مدان كما تعرفون ولو تثبت براءته عكس ما موجود في العالم الذي يصرخ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. هذا ما  يجري في العراق حتى هذه اللحظة. عليك أن تعرف الحقيقة بدل محاولة اثبات التهمة على الشخص. كان الكوردي يرحّل فوراً عند اثبات أمر ما بحقه، حيث كان يتم ترحيل العائلة إلى المناطق الكوردية. الترحيل كان ضمن سياسة التعريب والتغيير الديموغرافي في المدينة. السؤال: لماذا؟ دعونا نعيش في كل مكان، سواء الكوردي أم التركماني أم العربي. هذا هو العراق. لماذ العمل على تغيير هذه الموازين؟ عندما تُغيير هذه الموازين، تكون قد فقدت حق حكم هذا البلد. هذا ما كان يجري.

 

رووداو: قلت إن الغالبية في مدينة كركوك كانت من التركمان، لكن هذا مسألة تاريخية علينا أن نتحدث عنها، في العام 1957 كان هناك تعداد للسكان، وأضحى وثيقة تاريخية تثبت أن غالبية سكان كركوك كانت من الكورد، ما سبب تراجع عدد الكورد وازدياد عدد التركمان في كركوك؟

 

صباح الحمداني: كما تحدثت، لقد جئت إلى كركوك متأخراً. عندما قرأت وثائق لجنة الترحيل في المحافظة، واطلعت على حصيلة ما جرى في السنوات السابقة، وما كان يجري في 20 سنة السابقة، واتذكر الحصيلة وهي أن الأغلبية في مدينة كركوك تركمانية، والأطراف التي أشرنا اليها كوردية أو عربية، وكان ذلك يطيب للدولة في ذلك الوقت. أي لا بأس. وصولنا إلى هذه المرحلة أمر جيد، لكن نتطلع إلى المزيد. كيف ذلك؟ بترحيل الكورد، وكلما غيّرنا منطقة ديموغرافياً نكون قد ابعادنا الكورد عن كركوك. كانت تلك الفكرة التي يتم تنفيذها بقوة. كنا نشجّع الكوردي على المغادرة، وكان بإمكانه الحصول على الموافقة لتغيير سكنه في غضون 5 دقائق إلى خارج كركوك، بينما كان على العربي أن يحصل على الموافقة لمغادرة كركوك بالواسطة أو حتى عبر دفع رشاوي.

 

رووداو: وماذا كان دور دائرة التسجيل العقاري في هذه العملية؟

 

صباح الحمداني: طبعاً، نحن لم نذكر موضوع توزيع الأراضي على الوافدين من المحافظات الأخرى، وتشجيع فقراء المدن الأخرى على السكن في كركوك. هذا موضوع آخر، لكنه أساسي..

 

رووداو: سنتطرق إلى ذلك أيضاً..

 

صباح الحمداني: لكنه موضوع رئيسي يدور حول هذه النقطة بالذات.

 

رووداو: إذن دعنا نتحدث عن هذا أيضاً، ونربطه بدائرة التسجيل العقاري..

 

صباح الحمداني: بالنسبة للوافدين لا أتذكر عددهم بصراحة، لكنني أتذكر بأنهم منحوا أراضي ومبالغ نقدية تُعينهم على بناء عقار، خاصة من المحافظات الجنوبية، وكان له تأثير كبير في عملية التغيير الديموغرافي في المدينة، ونجحت نجاحاً باهراً، لذلك نقول إن تغييراً قد حصل في المدينة وأطرافها.

 

رووداو: وماذا كان دور دائرة الزراعة؟ وبصورة خاصة في الاستيلاء على أراضي الكورد ومنحها للعرب وتسجيلها بأسمائهم. هل كانت تقدم التسهيلات لتجري عملية التعريب بصورة أشد؟

 

صباح الحمداني: أتذكر جيداً أن أراضي منحت في المنطقة الصناعية للعرب، وحصلوا على استثناء بشكل خاص لانشاء مرائب ومشاريع في المنطقة الصناعية، أيضاً منحوا أراضي في المناطق التي نفذت فيها مشاريع ري جديد، وحتى صدام كامل حصل على أراضي كثيرة في المناطق القريبة من داقوق، والتي كانت مشمولة أيضاً بعملية التغيير السكاني، كما عرضوا عليّ أراضي زراعية ومرآباً، لكن لم أقبل ذلك، ولم أحصل على أراضي صناعية أيضاً. لم أطلب ذلك ورفضت عندما قاموا بادراج اسمي للحصول عليها. لو ذهبت إلى بلدية كركوك، ربما سأجد أن لديّ مرآباً في المنطقة الصناعية لا أعلم بشأنه. المهم، كان هناك تشجيع للعرب على الحصول على الأراضي والمنح، خاصة الأراضي التي تستفيد من مشاريع الري الجديدة، وكانت شبكة قوية جداً، يتعاون فيها المصرف الزراعي والمصرف الصناعي ودائرة التسجيل العقاري والمحافظة، وكان الجميع يعملون في اتجاه التعريب.

 

رووداو: هذا يعني أن كل تلك الدوائر كانت مطلعة على أعمال بعضها البعض؟

 

صباح الحمداني: نعم، كان ذلك أمر متفق عليه. لم يعينوا شخصاً في اللجان المعنية بالتعريب، إلا من كانت افكاره معروفة وتصب في ذلك الاتجاه، أي لا يتخذ موقفاً سوى تأييد ودعم التعريب. كنت ضد التعريب وأضحك، خاصة فيما يتعلق بموضوع البيع والشراء والتسجيل العقاري. كنت أضحك مع الأخ العمري، مدير الشؤون الداخلية في المحافظة الذي من أهالي الموصل وصديقي جداً، على موضوع البيع والشراء، ضرورة أن يبيع الكوردي للكوردي.. كانت مهزلة، وكنا نتساءل فيما بيننا: أليست مهزلة؟ حضرت أعمال اللجنة لمدة 3 أشهر، وأطلعت على ما يجري فيها، لكن تم سحبي لاحقاً. ربما العمري أوصل معلومات مفادها بأنني انتقد العملية.

 

رووداو: من أين كانت تأتي غالبية العرب التي تستقدم إلى كركوك من بقية مناطق العراق؟

 

صباح الحمداني: الأكثرية كانت الجنوب. فقراء يبحثون عن ملاذ، وهم عراقيون يرون أن من حقهم السكن في أربيل، كركوك أو الموصل، وهذا حق لكل مواطن في دول العالم، لكن عندما يتعلق الأمر بالسكن في كركوك فقط، يكون القرار عند ذاك اغتصاباً لحقوق آخرين، وقرار ظالم ومبيّت وخبيث لأنك تمنح الأرضي للوافد إلى هذه المدينة فقط. الفقراء تركوا مناطقهم بحثاً عن سكن، واختاروا كركوك، بعدما سمعوا أن هناك قرارات خاصة للوافدين فقاموا بنقل سجل نفوسهم. كانوا يحصلون على قطعة أرض بمجرد نقل نفوسهم، ويحصلون على قرض عقاري للبناء. كان أمراً جيداً جداً بالنسبة لهم. لو كان مطبقاً في كل المحافظات ولصالح الجميع، لقلنا إن الدولة تخدم المواطن، لكن قرار خدمة المواطن في منطقة معينة لغرض خبيث، ليش قراراً شريفاً.

 

رووداو: هل كانت أملاك المستقدمين في محافظاتهم السابقة تبقى على حالها؟

 

صباح الحمداني: بالتأكيد. لم يكن الأمر فرضاً، ولا يفترض أن يبيع ما ليديه في أي مدينة ويأتي إلى كركوك، وإنما حقاً إضافياً حصل عليه في كركوك.

 

رووداو: كنتم تنقلون سجلات نفوسهم أيضاً إلى كركوك؟

 

صباح الحمداني: تنقل إلى كركوك، والقرار كان واضحاً جداً بأنه ليس من حقهم نقل نفوسهم من كركوك بعد ذلك، وعليهم البقاء في كركوك.

 

رووداو: في تلك الفترة، ما هو الاهتمام الخاص الذي لقيته الحويجة أو الأحياء التي يقطنها العرب في كركوك؟ هل كانت تحظى بمزيد من الخدمات.

 

صباح الحمداني: بالنسبة لسكان كركوك، في الحويجة أو غيرها، لم يكونوا مشمولين بذلك العطاء وتلك الأراضي والمكرمات، لأن سجل نفوسهم كان في كركوك أساساً.

 

رووداو: ما نقصده هو إيلاء اهتمام خاص من حيث الخدمات بأحياء ومناطق العرب..

 

صباح الحمداني: نعم. بدون شك، كانت المناطق العربية تحظى بالخصوصية ضمن سياسات التفرقة. المحافظات الجنوبية لم تكن مشمولة بالخدمات بشكل صحيح مثل محافظات أخرى. كان هذا ديدن النظام.

 

رووداو: هل كان ذلك التعريب مقتصراً على الاستيلاء على الأراضي والتغيير الديموغرافي أم كان يجري العمل عليه في مجالات الثقافة واللغة أيضاً، كل كان الجانب هذا؟

 

صباح الحمداني: لا أتذكر تفسيراً أو إحصائية أو اهتماماً بالموضوع، لكن وزارة التربية والمديرية العامة للتربية في كركوك كانت تعمل في هذا الاتجاه أيضاً، لأن الجميع كانوا يعملون في اتجاه واحد وهو تعريب المدينة أو المحافظة بشكل عام، لكن لا أتذكر التفاصيل في هذا المجال.

 

رووداو: وماذا عن مسألة التعيينات، وخاصة في شركة نفط الشمال وما شابه، هل كانت هناك مساواة بين أهالي المحافظة في التعيينات؟

 

صباح الحمداني: لا توجد عدالة نهائيا في هذه المسائل في كل العراق، لكن هذه المحافظة كانت لها خصوصية، وبالنسبة للدوائر النفطية، الأولوية كانت للعرب والتركمان ويبعدون الكورد منها، ويحالون عدم توظيفهم إلا إذا اضطروا لذلك.

 

رووداو: هل لمستم من السكان العرب والتركمان في المحافظة وفي أي وقت باستياء تجاه الاستيلاء على أملاك الكورد؟ هل حدث وأن أبدى الأهالي أي استياء؟

 

صباح الحمداني: بشكل عام لم يرحبوا. لدى أصدقاء تركمان وعرب وكورد من المدينة، ولم ألاحظ بأن التركمان سعداء بالتعريب، السعادة الحقيقية والرضا لم يكونا موجودين، وكان هناك انتقاد دائماً، والناس لم يكونوا يتقبلون هذا الأمر، لأنه كان ظلماً وهم بالمحصلة يخشون على أنفسهم في المستقبل، وقد يصبحون الهدف الثاني، وقد يأتي يوم يحاربون فيه أيضاً، لكونهم تركمان فقط، وبالتالي، الناس لم يكونوا بهذا الأمر بشكل عام.

 

رووداو: لكن لم يكن هناك أي احتجاج معلن؟

 

صباح الحمداني: التركمان بشكل عام مسالمون، وبقوا مسالمين رغم العدد الكبير من الضباط التركمان الذين اعدموا، ولم يقوموا بثورة أو يشاركوا في معارك أو عمل مسلح، وكان يسعون فقط لتبيان حقوقهم في المحافظة أو المكان الذي يعيشون فيه، وأن يقرّبوا أنفسهم من تركيا مع احتفاظهم بوطنيتهم. وهذا حق مشروع.

 

رووداو: وماذا عن الذين يصفهم الكورد بـ”الإخوة العرب الأصليين”، هل كان هؤلاء أيضاً يشعرون بالتضايق مما يُقترف بحق الكورد؟ أم كانوا يعبّرون عن رفضهم؟

 

صباح الحمداني: لا أعتقد بأن العرب كانوا يمتعضون. الجانب القومي لدينا قوي في العراق، ولم نتوصل بعد إلى الإنسانية في قلوبنا، ولازلنا كذلك لحد هذه اللحظة. أحياناً اتكلم مع بعض الأخوة في قناتي، وأشعر بأنهم يفتقدون للإنسانية. يكتبون بما يبرز قوميتهم أو طائفيتهم، بمعنى أنه على الآخرين أن يموتوا، ولم نتوصل لحد الآن إلى أن نتمتع بالإنسانية ونتقبل الآخر دون أن ننظر إلى من هو. هل هو سني أو شيعي أو كوردي أو تركماني. هذا الجانب ضعيف لدينا مع الأسف. كما أن الجهل إزداد بعد 2003، فيما كنّا نتوقع أن يتغير البشر نحو الأفضل، وإذا بهم يتجهون نحو الأسوأ وهذا نتاج وافرازات الحروب من 1980، يوم غزينا إيران إلى الوقت الحاضر.

 

رووداو: ما هو سبب استمرار روحية الحرب والاقتتال والعنف في العراق رغم أن العالم تغير؟

 

صباح الحمداني: في ذلك الوقت لم يكن هناك شعور إنساني، وكان ذلك حاسماً، ويبيّن لك بأننا كنا راضين على التعليمات وقرارات صدام حسين كعرب. مع الأسف هذا هو الواقع.

 

رووداو: هذا يعني أن التربية أيضاً كان لها دور وأن الناس تمت تربيتهم على تلك الثقافة..

 

صباح الحمداني: كل شعوب الأرض عندما تحارب وتنشغل بالقتال تفقد الكثير من اخلاقها. كل شعب لديه منظومة أخلاق وقيم، وهذه تعرضت إلى خلل كبير لدينا نتيجة الحروب وغزو الكويت ومن ثم الحصار وصولاً إلى الآن، ولازلنا عبارة عن شعوب تقاتل بعضها بعضاً، نقتل بعضنا بعضاً ونصرخ الموت لإسرائيل ولأميركا. لا يقتلون الإسرائيليين إنما بعضهم بعضاً. هذه هي أحزابنا وميليشاتنا التي تحكم البلد. نحن نفتقد للكثير من مزايا منظومة القيم الاخلاقية. أين القيم الأخلاقية؟ أين كنا؟. هذا التردي في الأخلاق بدأ منذ عام 1980 عندما بدأت تصل أرتال الشهداء أو القتلى والضحايا. لا نقول عنهم شهداء. الشهيد هو الذي يقاتل في سبيل الله، ولم نكن نقاتل في سبيل الله  ضد إيران، إنما خوفاً من صدام حسين ومن أجل الحصول على الراتب، أو كي لا نعدم. لم يكن قتالاً في سبيل الله ليكون هناك شهداء. الكل يصرخون شهداء حتى الآن، وهم عبارة عن ضحايا، واقعياً، وهذا الذي أفهمه من منظومة القيم الأخلاقية.

 

رووداو: دعنا نلقي السؤال الأخير في هذا الموضوع، لننتقل إلى موضوع آخر. ماذا كان الهدف النهائي لسياسة التعريب والتغيير الديمغرافي في كركوك؟ ماذا كانوا يريدون بذلك؟

 

صباح الحمداني: كانوا يهدفون لنزع أظافر الكورد في كركوك، لأنها كانت دائماً هدفاً للكورد الذين كانوا دائماً يصرخون عبر شعاراتهم أن “كركوك دلي كوردستانه (كركوك قلب كوردستان)، وبالتالي اقطع الـ “دل (القلب” لتقطع الكورد.

 

رووداو: هل كان الهدف إخلاء المدينة من الكورد أم إخلاء القرى والقصبات المحيطة بها أيضاً؟

 

صباح الحمداني: نعم، هذا هو الأساس. عندما يقلّم أظافرهم ينهي الكورد، خطوة بخطوة، وكانت فعلاً خطوة جريئة وقوية تمكنوا من خلالها تغيير المحافظة.

 

رووداو: قلت إن هذه العملية تمت خطوة فخطوة. لكن على حد اطلاعكم، ورغم قولكم إنكم لستم كثيري الاطلاع على ذلك التاريخ، متى جاءت الخطوة الأولى في ذاك الإطار؟

 

صباح الحمداني: لا أعلم، ولم أطلع على تفصيلات بهذا الشأن.

 

رووداو: من الذي كان يشرف إشرافاً مباشراً على عملية التعريب في كركوك؟

 

صباح الحمداني: صدام كما قلت كان “بطل الفيلم”، لا ينفذ شيء إلا بعلم وتخطيط صدام الذي كان كل شيء، صدام كان يتدخل بكل شيء ويريد كل شيء باسمه، عراق صدام، جسر صدام.. ولا يمكن ابعاده عن هذا الموضوع، أما علي حسن المجيد فكان منفذاً، ومهما بلغت أهميته ومسؤولياته  يبقي منفذاً يتطلع لرضا صدام الذي كان بإمكانه أن ينهي علي حسن المجيد  بجرة قلم، ورأيناه ماذا فعل بأقرب أقربائه.

 

رووداو: قسم من العرب المستقدمين إلى كركوك يعرفون باسم (عرب العشرة آلاف)، هل كانت الحكومة العراقية تبطن أي مقاصد خفية من استقدام العرب الشيعة إلى كركوك أو السماح لمن يريد من أهالي الجنوب بالقدوم إلى كركوك؟

 

صباح الحمداني: لم يكن هناك توجه طائفي، لكن الأكثرية جاءت من الجنوب لأنهم كانوا الأكثر مظلومية. نتحدث بإنسانية دائماً بعيداً عن الانتماء الطائفي. المحافظات السنية كانت دائماً في وضع مادي وصحي أفضل، لكن من هو الذي يعيش وضعاً صعباً؟ المواطنون الذي كانوا يسكنون الجنوب. وبالتالي عندما يعرض عليهم 10 الآف دينار وقطعة أرض، يأتي وهو جائع. أنا لا الومهم، ولا ينبغي أن نلوم بعضنا بعضاً. النظام كان يتلاعب بنا جميعاً، وهي النقطة التي ننساها لحد الآن. لماذا انتمى البعض للاتحاد الوطني الكوردستاني وآخرون للحزب الشيوعي العراقي.. ؟ لأن قائدنا كان أرعناً وأحمقاً، ولم يسر في نهج حقيقي من أجل أن يخدم كل العراق. لو وضع صدام حسين موارد العراق يوم استلامه السلطة من أحمد حسن البكر عام 1979 الذي سلّمه 40 مليار دينار كانت في الخزينة، عدا 35 مليار دولار كانت في الخارج، وأموال للنفط كانت موجود أيضاً في الخارج، لو استثمرها وسار على نهج البكر الذي كان قد بنى العراق، أو قد بدأ ببناء العراق من 1973 إلى 1979، لو استمر صدام على نهجه، لما رفع أحد السلاح بوجهه. هو الذي أجرم بحقنا، ودفعنا ننتمي للاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الشيوعي العراقي و..الخ . لو كنت أشعر بالرضا، وحصلت على أرض زراعية ولديّ مواشي وحصان امتطيه وسيارة أركبها ومشروع انشغل به، لما كنت أحمل السلاح أو أشتم أحداً.

 

رووداو: ربما كان هذا صحيحاً عندك كونك عربياً، لكن عندي ككوردي وعندما أحرم من حقي في التحدث بلغتي والتعليم بلغتي وعندما أعجز عن إصدار جريدة أو مجلة بلغتي، باختصار أن أحرم من الأمور التي ترتبط بخصوصياتي، وتكون هناك محاولات لمحو كل هذه الأمور، فإنني سأجد نفسي مضطراً للجوء إلى السلاح..

 

صباح الحمداني: لن تقاتل إذا حصلت على حقوقك، وما تتحدث عنه حقوق. اللغة وغيرها حقوق. الحكم الذاتي حق. وعندما تحصل على حقوقك لن تقاتل. لماذا لا أمنحك حقوقك في الحكم الذاتي أو أي شيء؟ هذا ما لم نحسن أداءه في البلد، سواء من قبل صدام أو غيره.

 

رووداو: دعنا نتحدث قليلاً عن مديرية أمن كركوك، فهيئة كركوك سجن معروف سيء الصيت في ذاكرة وذهن الإنسان الكوردي. تم هناك تعذيب وقتل مئات من الشباب الكورد. لا شك أن عندكم معلومات عن ذلك المكان، وأود أن تحدثنا عنه..

 

صباح الحمداني: حقيقة لم أكن أعرف أن هناك مكاناً خاصاً لتعذيب الكورد.

 

رووداو: لكن كان هناك مكان يسمى (هيئة كركوك)..

 

صباح الحمداني: الهيئة التحقيقة؟

 

رووداو: كان هيئة تحقيق ومكاناً للتعذيب، ويقال إنه كان سجناً أسوأ من التي كانت موجودة في السليمانية وأربيل ودهوك، هل تعرف عن ذلك شيئاً؟

 

صباح الحمداني: لم أطلع على عمل تلك الهيئة ولم أراها نهائياً. المديريات هي من تقوم بعملها. الأمن كان يقوم بعمله في نفس الاتجاه، وهو الذي يعذَب ويقتل ويعدم ويحيل على المحاكم والذي نفّذ المقابر الجماعية وقام بكل شيء. فأي هيئة؟ لا أعرف بشأنها صراحة.

 

رووداو: مما قرأت في مذكرات المعتقلين هناك، وغيرهم من الذين حاورناهم، أنه كان هناك مكان اسمه (هيئة كركوك) وكان يجري فيه بصورة خاصة تعذيب الكورد، من المنخرطين في السياسة أو من البيشمركة الذين وقعوا في الأسر، أو من عناصر تنظيمات الأحزاب..

 

صباح الحمداني: حقيقة لا أعرف بشأن ذلك.

 

رووداو: لكنك بلا شك سمعت وتعلم أنه يجري منذ أواسط الثمانينيات في مرات كثيرة إعدام الشباب في مراكز المدن وعلى مرأى من الأهالي، وربما كان يحدث هذا في النجف أيضاً، ولكن بصورة خاصة كان يجري في السليمانية وأربيل وبالتأكيد في كركوك. هل كنت غافلاً عن ذلك أيضاً؟

 

صباح الحمداني: كنا نسمع بتلك التعليمات، وكان يجري اعدام البعض في الشارع من أجل ترهيب الآخرين. عندما كانت المشاكل تحدث في السليمانية مثلاً، يقوم محسن (الملازم محسن) أو غيره بتنفيذ اعدامات عاجلة في المنطقة، وأقرت ونفذت هذه العمليات بالدرجة الأولى من قبل علي حسن المجيد من أجل ترهيب الآخرين. عندما يطلق نار من بيت يهدم. وعندما تكتب شعارات ضد النظام على حائط بيت، يهدم الحائط، وقد يهدم البيت، وبالتالي عندما كان الناس يرون أن هناك شعارات على حيطانهم، كانوا يسارعون بأنفسهم إلى طلائها لمحو آثاراها. الناس كانوا يتجنبون ذلك. لكن، نعم كانت هناك اعدامات متعمدة. عندما تعرض محافظ أربيل وهو كوردي إلى محاولة اغتيال، أعدموا موقوفين فيما هرب الفاعلون الحقيقيون. كانوا من الاتحاد الوطني الكوردستاني، نفذوا العملية وهربوا. علي حسن المجيد ومدير الأمن أرادا معاقبة الناس. ماذا فعلا؟ يسأل (علي حسن المجيد) مدير الأمن: هل لديك موقوفين؟ مدير الأمن: نعم. علي حسين المجيد: كم عددهم؟ مدير الأمن: 23. كانوا موقوفين على قضايا أخرى ولا علاقة لهم بما حدث. تم اعدامهم لترهيب الآخرين، وايصال رسالة مفادها أنهم قبضوا على المتهمين الذين حاولوا اغتيال المحافظ. هذه عقوبة جماعية لتعرفوا بأننا عندما نعترض لهذه المحاولات نضرب بقوة فوراً.

 

نقلا عن الزميلة رووداو العربية

قد يعجبك ايضا