منارات عراقية … احمد فياض المفرجي الباحث الذي قدّم الفنانين جميعًا ونسي نفسه

عزيز عبد الصاحب

لم يقدمه مسؤول.. ولم يكتب عنه ناقد.. جرب التمثيل في المسرح وشارك في السينما في دور صغير.. لكنه اخيرا اعرض عن كل ذلك.. فعرف نفسه واين تكمن قدراته.. فوجدها في الكتابة عن الفنان وارشفته فثبت على ذلك ولم يتحول عنه حتى النهاية..

ذلك هو الفنان الراحل. المبدع. احمد فياض المفرجي كان دؤوبا كنملة ومتحركا كذئب. وكان يسعد شخصيا بتلك الصفات التي تصفه بها، امثال: يا احمد انت ذئب امعط او .. ان ثعبان سياحي. وكان يفرح لذلك وينطلق بضحكة عريضة بيضاء صافية من كل قلبه. ومن لم يعرف ضحكته المجلجلة!

 

 

لم يكتب عن الفرقة القومية للتمثيل حسب، انما روج لنشاطات الفرق الاهلية جميعاً، فحين تسافر الفرقة القومية للتمثيل كان احمد فياض المفرجي يصحبها في سفرها ليقدم في ذلك البلد معرضا عراقيا شاملا لا يخص الفرقة القومية للتمثيل انما يخص فرق العراق المسرحية جميعا من شماله الى جنوبه،
وكان سعيدا في توجهه اذ لم يغمط حق فنان ولم يخضع لتأثير مسؤول اعلى منه وما اكثرهم اولئك المسؤولين الذين اصطدم بهم فاعتبروه موظفا مشاكساً.

فتح باب غرفته الواسعة لكل الفنانين، وحين يوشك الدوام على الانتهاء تأتي شلة الاصدقاء المثابرين على شرب (الجعه) وعلى رأسهم الناقد محمد مبارك والقاص عبد الرحمن مجيد الربيعي والكاتب المسرحي عادل كاظم وكنت من بينهم لنقضي وقتا ممتعا في أحد بارات بغداد وما اكثرها في ذاك الزمان.. ويكون الغداء اغلب الايام خارج المنزل.. ولكن ما ان يأتي الصباح الا واحمد فياض المفرجي اول الموظفين الملتحقين بوظيفتهم. جالسا خلف مكتبه الذي ازدحم بالأوراق والصور والمناهج المسرحية والصحف اليومية مع (لفه) طعام صغيرة يأتي بها من البيت.

 

 

 

كتب احمد فياض المفرجي كتبا وكراريس مهمة توثق للحركة الفنية في بلدنا. كراريس موجزة ولكنها تضع الباحث امام دراسات اوسع قال في مقدمة كتابه (الفرقة القومية للتمثيل / صفحات موجزة) في ذلك كله يأتي متصلا بتلك الكتب والكراسات والابحاث التي اعددتها من اجل توثيق النشاطات المسرحية المتنوعة التي حققها فنانو العراق على مدى اكثر من قرن.

 

 

ان كتبه وكراريسه تفتح الطريق امام الباحثين ليتوسعوا ويجتهدوا في ابحاثهم فيسدوا الخلل فيقول:

وهذا جهد لايزال متواضعا، فهو في حاجة اكيدة الى جهد موثقين اخرين تحمل انتباهاتهم الى ما في هذا الانجاز وغيره من نواقص وثغرات وكذلك هو في حاجة الى تأملات النقاد وتحليلاتهم.

ان احمد فياض المفرجي كان بمستطاعه ان يكتب كتبا ودراسات في الفن واسعة.. الا انه أثر الايجاز في مجموعة الكراريس التي تركها لنا ففيها من صدق الوثيقة والتحليل شيء كثير.. او قد يأتي انحيازه لهذه الكراريس هو بفعل ملل قديم في النفس ففتح الطريق امام الباحثين وطلبة الدكتوراه ان يتوسعوا في اطروحاتهم الفنية، فيواصلوا ما بدأه احمد فياض المفرجي.

كان المفرجي مرحا طريفا وغامضا ايضا. اذ لم يدر بخلد أحد من الناس ان يصل به اليأس والاحباط الى هذا الحد ان يسير وسط الشارع العام حيث السيارات السريعة الخاطفة التي لم يلتفت اليها. كان مطرقا الى الارض ينتظر لحظة الدهس فينهي بذلك مهزلة الجسد الذي ارهقته الالام واعيته الايام وبذلك اسدل الستار على اهم باحث ارشيفي عرفه وطننا العزيز قدم الاخرين ولم يقدم نفسه.

 

قد يعجبك ايضا